من يتتبع الأخبار السياسية العالمية، يلاحظ بشكل ملموس اهتمام دول كثيرة -عظمى وغير عظمى- بما يدور في الساحة العراقية أولا بأول، وكما نقول: “جاء سعد أو حضر زيد أو غاب عمرو” نجد أمثالها في أخبارهم: جاء العبادي.. حضر عبد المهدي.. غاب علاوي.. تسنم الكاظمي… وهلم جرا.
لدينا مثل يقول: “الحايط لو مال يوگع على أهله” أرانا نحن العراقيين اليوم أحوج ما نكون الى الاتعاظ به والاعتبار بمغزاه. ماقصدت بالـ (حايط) فهو العراق، بلدنا الذي عاش فيه آباؤنا ماضيا موغلا في التأريخ، ونحياه نحن حاضرا يقلبنا بين الخير والشر، يرفهنا تارة بنعيم العيش ورغده، وتارة ينغصنا بكدره وبؤسه وشقائه، وسيعيش فيه أولادنا مستقبلا يبدو أنه لن يكون أحسن من حاضره المرير، وقطعا هذا ناتج عن سوء تصرف ساسته المتعمد وغير المتعمد على حد سواء.
وهذا الحائط هو سندنا وسترنا وستارنا، ولاأظن أحدا منا يستطيع القفز عليه او من فوقه، إلا من سولت له نفسه بنسيان تأريخه الممتد قرونا طوالا، بحضاراته السباقة في مجالات الحياة كافة، وكذلك من غير المعقول تجاوز هذا الحائط، في وقت يتطلب الأمر فيه الركون والرجوع الى قاعدة متينة كأساس صلب، يقوّمنا ويقوم عليه حاضرنا، ومن المؤكد أن من يستغني عنه عليه التخلي عن قيم كثيرة، أولها الشرف وليس آخرها الغيرة.
ومن سوء حظ العراقيين الشرفاء ان ترتفع نسبة الأخيرين بين ظهرانينا، لاسيما وهم يرون الحائط بدأ يميل بانحدار ينذر بخطر كبير لو استمر ميلانه هذا بالازدياد، والغريب العجيب أن القاصي والداني مهتم جدا بتداعيات أمرنا هذا، فيما نرى أناسا وشخوصا وأحزابا وجهات من أنفسنا، تزداد تماديا وولوغا في العبث بمصائر ملايين العباد، ولاتتوانى لحظة في إحداث القلاقل والمشاكل سعيا في خراب الدار. فبين الحين والآخر نسمع عن اجتماع دول عظمى وصغرى تهتم بالشأن العراقي، وتبدي تعاطفا مع الـ (حائط) وتتألم على الميلان الذي أصابه، وتعمل جاهدة على إصلاح ماخرب، فهي على دراية تامة أن الخراب يفضي بالنتيجة الى سقوطه -لاسمح الله- وحينئذٍ كما يقول مثلنا؛ (يوگع على أهله).
وفي حقيقة الأمر أن جلّ الدول والجهات التي تجتمع لمناقشة الشأن العراقي، وتتناول تداعيات أحداثه، لايهمهم سقوط الحائط على أهله، بل منهم من يعد حدثا كهذا (عيد وجابه العباس) والأمثلة على هؤلاء كثيرة ومن أقرب الجيران الى العراق. لكن، بشكل عام فإن النتائج التي تتمخض عنها أغلب اجتماعاتهم، تفرح العراقيين -الشرفاء حصرا- أكثر من تلك التي تتمخض عنها اجتماعات ساسة البلد ومسؤوليه من الكتل والأحزاب، فالأخيرون (يخبطون الطين عالعجين)..! ويفتحون للشرور أبوابا قد يصعب إغلاقها او يستحيل.
نعم، هذا واقع الحال المعاش، فالغريب بات أكثر حرصا على مستقبل العراق من كثير من أهله، وهذا ماأدركه قادة الدولة في مجالسها الثلاث، فراحوا يشمرون عن سواعدهم رؤساءً ونوابا في أسفارهم ورحلاتهم السندبادية، للاستعانة بالغريب والبعيد، وهذا طبعا بعدما أدركوا نية القريب السيئة المبطنة التي يتأبطها أغلب ساسته. وهذه الحقيقة لمسها العراقيون أنفسهم بعين اليقين وعلم اليقين وحق اليقين، بأن الغريب والبعيد هذا هو الذي سيسهم في انتشالهم من وحل ماهم فيه من تداعيات. واللافت للانتباه ان أغلب دول المشرق والمغرب تعرب عن مؤازرة العراق، وتدعي مساندة جهود الشرفاء الرامية إلى استقرار العراق وخلاصه من الأخطار المحدقة به، وتسدي النصائح تلو النصائح لمن يتصدر سدة الحكم في العراق.
فيا ساستنا.. هل حقا أنتم بحاجة الى توصية دول بعيدة عنكم، تحثكم على إخلاصكم للعراق ولشعبه بشكل جدي وناجع؟! وهل نرد على هؤلاء فنقول: (لاتوصّي حريص)؟! أم نقول لهم: “لقد أسمعت لو ناديت حيا…”!.
[email protected]