كان شهيدنا الصدر الثاني قدس سره يردد عبارته الشهيرة: لكل شيء عِبرَة، محاولة منه لفتح آفاق فكر المجتمع على ما يجري في مختلف المجالات الحياتية دون استثناء، من منطلق ان الله جلت قدرته لم يخلق شيئا في هذا الكون الفسيح عبثيا وحاشاه.
فكان يلفت أنصاره وغيرهم في عباراته المسبوكة الصادقة الى أشياء غفلوا عنها سابقا، فذَكّرهم بها وخاطبهم متاسفا على حالهم بقوله: أسف عليكم اول من فَهّمّكُم السيد محمد الصدر.
ونتيجة لاستمرار الطرق صحا المجتمع بعض الشيء من تلك الغفلة المأساوية الموروثة منذ عقود، والتفت بعد طول ضياع.
فمثلا وضعنا على اثر تلك الصحوة اليد على قاتل الحسين الحقيقي، وعرفنا انه نفسه من قتل الزهراء وأبيها، ومنذ ذلك الحين قررنا عدم التنازل عن اتهام العدو الحقيقي بعد ان كان متخفيا كل تلك القرون خلف اسماء مكشوفة مكررة.
وتوضح لنا أيضاً دون أدنى شك ان المخلصين على مر العصور يذهبون دائماً ضحية الانتهازيين من الُمتأسلمين، لأنهم يشكلون دائماً حجر الأساس للوصول الى تحقيق الأهداف العادلة على الارض.
ومن بركات تلك الصحوة، اننا شخّصنا الأعداء الحقيقيين وان تقنّعوا، فالزمنا أنفسنا بعدها ان لا ننخدع بالمظاهر والعناوين والانتماءات، فرب اخ لم تلده أمك، ورب صديق كشف أمرك.
ومن الطاف تلك الصحوة، انها أفرزت الاسلام المحمدي الأصيل، عن الاسلام المخادع الدخيل. وتبين لنا ان المسلم فقط من سلم الناس من يده ولسانه، وبخلاف ذلك لا يمكن ان نسمي منكرها مسلم.
ومن مزايا تلك الصحوة، انها كانت عادلة في توزيعها للعطاءات، فلم تبخل على مذهب او دين او عرق، مع معلومية انتمائها، الا انها أبت الا ان تكون أبوية في منهجها.
فخاطبت الجميع بروح التسامح، وفتحت مصراعيها للداخلين تحت كنفها، دون النظر الى لون او انتماء او ارض.
ومن خصوصيات تلك الصحوة، انها رسمت واقعا للأمة، متمثلا بحب الناس والأديان والأوطان، ولا تنازل عن هذه الأمور مهما كلف ذلك من ثمن.
وكثير هي الأبواب التي تم فتحها من بعد طرق طويل والتي لا يمكن إحصاؤها بهذه العُجالة.
الا ان المعيب في الامر انه وبعد كل ذلك الفتح العظيم، وبعد كل تلك المعاناة من اجل بلوغ الهدف، نسمع أفواها تغرد خارج سرب المنظومة الفكرية الأصيلة، واقلاما تكتب أحرفها بحبر السياسة الدخيلة، دون تمييز او معرفة او ادراك مع شديد الأسف.
وليس هذا وحسب، بل انت في نظرهم لستَ مسلما ما لم تسب غير المسلمين، ولستَ شيعيا ما لم تلعن كل المذاهب، ولستَ عراقيا ما لم تشتم كل العرب، ولستَ صدريا ما لم تجامل المفسدين.
حبيبي، بدل عقلك، فالواضح لا يوَضَّح، والبديهيات تبقى بديهيات.
يعني بعبارة اخرى، سأكون ساذجا ان مدحتُ يوما ناصبيا وهو في عقيدتي أنجس من الكلب.
ولكن سأكون اكثر سذاجة ان مدحتُ في النفس الوقت شيعيا فاسدا، فقط لانه من نفس مذهبي.
وسأكون وقحا ان شخصتُ خطا هناك في الكفة الاخرى لصديقي، دون تشخيص الخطأ في الكفة الثانية لأخي، لان ذلك خلاف العدالة.
وسأكون مُتزلّفا ان أكثرتُ من مدح قومي والله لهم ناقد وعليهم ساخط.
وسأكون أضحوكة للصغار والكبار ان حملتُ بيدي غربيلاً، واهماً الناس انني حجبتُ به ضوء الشمس.
أظن ان كلامي واضح، لكل من يريد ان يفهمه، وغير واضح لمن يريد ان يصر على عدم فهمه.
باختصار، فخير الكلام ما قل ودل:
اخي العزيز، ما كانت الحكومات يوما ما ممثلة لأديانها وطوائفها وقومياتها، بل كانت على مر العصور ممثلة لعوائل وأحزاب، فانتقاد الأخطاء التي تصدر عنها او تشخيص مواضع الضعف والتقصير فيها لا يعني الانتقاص او النيل من الدين او المذهب الذي تنتمي له، وفي الوقت نفسه، هو ليس مدحا او سكوتا عن اخطاء معارضيها او أعدائها، واللبيب بالإشارة يفهمُ.