18 ديسمبر، 2024 8:23 م

لا تطور اقتصادي دون وجود بنى تحتية للسكك الوطنية والربط مع الجوار -4-

لا تطور اقتصادي دون وجود بنى تحتية للسكك الوطنية والربط مع الجوار -4-

في الوقت الذي يتمسك به بعض المتحدثون عن اهمية مبادرة الحزام والطريق لتنمية العراق، ينسون أن من أساسيات هذه المبادرة هي التأكيد على الربط البيني بين البلدان المستهدفة بها بخطوط سكك حديدية خصوصا البلدان التي كان يمر عبرها طريق الحرير البري القديم الذي قلنا عنه هو احد ملهمات هذه المبادرة واوضحنا جهود الصين في تمويل وتنفيذ العديد من المشاريع السككية في اواسط اسيا وجنوبها، وبلدان الجوار العراقي كانت جزء من طريق الحرير التأريخي كما توضحه خرائط ووثائق طريق الحرير التأريخي

والغريب أن يستنكر هؤلاء أية فرصة لربط العراق مع دول الجوار ، وبعيدا عن المبادرة ، فأن الربط البيني مع دول الجوار يحمل بين طياته فكرة التكامل الاقتصادي الاقليمي لأهم منطقة أقتصادية في العالم ، قد تكون مدعاة لتجمع عالمي كبير على وزن مجموعة بريكس ، كما ان هذا التجمع كفيل بتحويل المنطقة الملتهبة بصراعات هامشية ادت الى فقر شعوبها مع انها تحتوي على ثروات هائلة جعلت من قوى الشر السارقة لخيرات الشعوب هي من تضرم نار الفتنة والحروب في المنطقة وكلما اتجهت المنطقة نحو الهدوء تعيد تلك القوى اوار النيران ، من المؤكد ان الربط السككي مع الجوار سينعش التبادلات التجارية لدول المنطقة وسيكون المستفيد من هذه الحالة البلد الذي يشكل الحلقة الرابطة بين الجميع ، وايضا ستوفر هذه الشبكة مزيد من فرص الاستثمار في التنمية ،

لكن يجب ان يخضع ذلك الربط للمصلحة الوطنية وسيادة البلد اولا وان تأخذ مستلزمات الامن القومي العراقي في الحساب ثانيا من خلال الاخذ بنظر الاعتبار ان يكون الربط مع دول الجوار وفق معايير خاصة ، اما ان تكون قياسات السكة مختلفة او التحوط لألغاء الربط في حالة توحد القياسات عند الطرفين في حالة وجود تهديدات امنية جدية ، استوحي ذلك من خلال تجربة المانيا وفرنسا في الحرب العالمية الثانية ، وكذلك فترة التوترات في العلاقة بين الصين الماوية والاتحاد السوفيتي التي ادت الى الغاء الربط بين البلدين عبر منغوليا، عدا ذلك لا خط احمر على اي نوع من الربط ، لان موقع العراق الجغرافي هو وحده من يجعل الجميع يأمل بشرف الربط معه ،

وبالمناسبة موقع العراق كان ملهما لمشروع قطار الشرق السريع الذي سبق مبادرة الحزام والطريق باكثر من مائة عام ، لكن للاسف يتم تغافله ويتم الترويج لمبادرة الحزام والطريق الصيني او طريق التنمية الذي طرحته الحكومة العراقية قبل ايام ، فقد كانت المانيا تخطط لربط العراق باوربا عبر برلين تنوي ليكون العراق معبرا للتجارة بين الشمال والجنوب والشرق والغرب وكان لنا الشرف ان نكون من دعاة احياءه خلاف فنرة الحصار وبمباركة وزير النقل الاسبق المرحوم الدكتور احمد مرتضى احمد ، واستغرب اهمال

وبناءا على ذلك كان يجب ان يخضع الربط مع ايران لهذه البديهيات وكذلك مع بقية بلدان الجوار مستقبلا، من هنا نرى ان الربط مع الجارة أيران وفق الحسابات الاقتصادية الوطنية سواءا لحركة التجارة او زيارة الافراد للسياحة الدينية يجب ان تكون من خلال المنطقة الوسطى للعراق وايران ، لان المنطقة الوسطى تمكن الدولة العراقية بالسيطرة على التجارة البينية بين البلدين وكذلك ستسهل حركة زوار للعتبات المقدسة التي تقع في وسط العراق وليس في جنوبه ، اما الحديث عن الربط مع ايران عبر السكة ألأحادية (المونوريل) فهذا كلام لا يستحق الرد ولا ينم عن دراية بمواصفات وسائل النقل المختلفة، لكن مع ذلك لابد من توضيح الصورة لعامة الجمهور ممن قد يكون غير مطلع او تكون له ادنى فكرة عن حقائق السكك، من بديهات القول ان خطوط السكك العادية تتكون من قضيبي حديد لتكوين خط السكة لمسير القطار، اما السكة الاحادية (المونوريل) فأنها تحتوي على سكة واحدة، التي تعتبر الداعم الوحيد والمرشد للقطار هذا أولا، وثانيا ان (المونوريل) او القطار احادي السكة يستخدم داخل المدن الحضرية وعلى سكة مرتفعة في اغلب الاحيان لتقديم خدمة النقل العام وعلى نوعين اما يحتضن خط السير او متدلي ، ويعتبر احد انماط النقل الجماعي المكثف والتي يطلق عليها باللغة الانكليزية Rapid Transit وهو ملائم كوسيلة رئيسية للنقل الجماعي لمدينة متوسطة الكثافة السكانية او خطوط رفد لشبكات نقل ثقيلة كالمترو للمدن والعواصم كثيفة السكان ، والحمل المحوري (اي الاكسل لود كما يحلو للبعض تسميته) للقطارات الاحادية لا يتجاوز في احسن الاحوال 11 طن وهنالك حالة نادرة لنظام قطار احادي السكة بحمل محوري 9 طن في الصين لنقل المنتجات الزراعية من مناطق جبلية ، لكن طيلة فترة خدمتي التي تمتد لأكثر من اربعين عاما قضيتها في دراسات النقل العام، ولي بحث في طريقه للنشر من قبل اشهر المعاهد المتخصصة بالنقل العام في العالم ، لم اصادف ان رأيت او قرأت او سمعت ربط بين سكتي قطار من قضيبين قياسية عبر سكة احادية ، اي ان المسافر وفق المقترح الذي يخلو من الواقعية التنفيذية ، عليه ان يتنقل بين ثلاث قطارات في رحلة لا تتجاوز 30 كيلومتر لحالة الربط مع الجارة ايران ، وهذا الامر يرفضه المنطق والعقل في زمن يتجه العالم خصوصا بعد احداث ايلول عام 2001 في اميركا الى اعتماد القطارات السريعة كبديل للسفر بالطائرة نتيجة الاجراءات الامنية المشددة التي افرزتها تلك الهجمات وتعدد مراحل الرحلة عبر الطائرة التي تبلغ احيانا خمسة مراحل من البيت حتى الوصول، في حين ان القطار يختصرها بمرحلتين من البيت حتى الوصول.

واخيرا ، نختتم مقالنا بموضوع الربط مع الكويت التي لم نذكرها في موضع الربط مع دول الجوار مع انها واحدة منهن ولها اهمية قصوى بسبب العلاقة الشعبية المتشنجة غير تلك الودية التي تربطها بقادة العملية السياسية في العراق، فالامر هنا معقد بعض الشيء ، فميناء مبارك الكويتي المقترح يحادد ميناء الفاو بنسخته الاصلية كميناء كبير ستراتيجي ، وميناء مبارك كما صرح احدهم سيكون نجاحه مرتهنا بالربط السككي مع العراق وأضع هنا عدة علامات أستفهام ، هل يعقل لدولة ان تبني خططها ومشاريعها بمليارات الدولارات على فرضية نجاح تلك المشاريع بمشاريع بلد مجاور دون ان يسبق ذلك موافقة البلد الثاني الذي سيخضعها لدراسة مشتركة وربما ينجم عن ذلك توحيد العمل ، وهو امر مستبعد للحالة العراقية الكويتية بسبب التاريخ الطويل من العلاقات المتشنجة والشك والريبة الذي يطبع العلاقة بين البلدين ، لكن دعنا نناقش هذه الفرضية وهي حاجة الكويت لعبور العراق سككيا ، فهذا يعني انه كانت امام العراق فرصة كبيرة لأستغلال هذا الموقف بدلا من التشنج وشعار اربع كلمات الذي افقدنا فرص عديدة ، اول هذه الفرض، أستغلال حاجة الكويت وفرض امكانية قيامها في تنفيذ شبكة السكك وفق المخططات العراقية اولا، خصوصا ان العراق ولعشرين سنة قادمة غير قادر على بناء كيلومتر من السكك وفق المعايير العالمية بسبب عدم وجود ارادة بهذا الاتجاه ولا امكانية مالية ، كذلك استبعاد الاستثمار الاجنبي الذي يبحث عن ملاذ آمن وهذا غير متوفر في العراق في الوقت الحاضر ولا في القريب القادم قبل قيام الدولة بفرض هيبتها بقوة القانون، رغم اننا وكما اوضحنا انفا لا نحبذ الاستثمار في قطاع السكك ، ثانيا بما ان المينائين ، مبارك والفاو لا تفصلها سوى مسافة قريبة جدا، كان بالامكان ابداء رغبة بالتعاون في توحيد الجهود ودمجهما ليكونا اكبر مرفأ في العالم ومنه تنطلق عرى التعاون وايضا لأكتشاف النيات الصادقة عن سواها ، واذا كان الامر فيه غرض غير ذلك، يمكن افشال ميناء مبارك عبر فرض تعريفة مرور سككية عالية، أما التعلل بأن الكويت وأيران هما من يفرض التعريفة ، فأن هذه حسابات خاطئة وتنطلق من قصور في وجهات النظر ، لأن مصالح البلد لا يمكن ان ترتهن او تحسب وفق حالة سياسية شاذه ليست دائمة ، تزول بزوال اشخاصها وأذكر بمثال تعرض له العراق خلال الحرب العراقية الايرانية ، عندما لجأ العراق الى استخدام الموانيْ الأردنية لتجارته ، فقد كانت الأردن ترفع تعريفة المرور عبر الطرق الاردنية من ميناء العقبة حتى الحدود العراقية بأستمرار مع ان العراق هو من موًل انشاء هذه الطرق، لقد افقدتنا تلك العنتريات فرصة تنموية تأريخية تقدر بالمليارات ان لم نقل بعشراتها، واليوم نراوح في مكاننا فلا الفاو نفذ وفق مخططه الطموح والذي كلفته لا ترتقي الى عشر كلفة تنفيذ شبكة خطوط سكك وطنية شاملة التي هي ألأخرى ليس لنا قدرة على تنفيذها ،

تلك العنتريات أيضا كانت حاضرة خلال حكومة السيد نوري المالكي ، وسببت فقدان العراق لمشروع استثماري قدمته عائلة حنا الشيخ البصرية في انشاء ميناء كبير جدا على لسان صناعي بحري بطول 12 كيلومتر داخل المياة الدولية في الخليج بدعم بريطاني والذي سيضيف مساحة بحرية للسيادة العراقية في الخليج ، اضافة الى انه سيحتوي على مدن صناعية وسياحية وسكنية واكثر من 90 رصيفا تستقبل ملايين الحاويات سنويا ، اضافة الى بناء منصات تصدير للنفط ، كل ذلك مقابل دولارين عن كل برميل نفط يُصًدر، وبذلك ينطبق علينا المثل الشعبي مرضا بجزة رضا بجزة وخروف ، عندما هرول كبار القوم تحت تلويح العصا الاميركية متبرعين بتصدير النفط العراقي عبر ميناء العقية او ايلات او الموانيء المصرية على ان نعطي اكثر من دولارين عن كل برميل نفط يُصدًر ، وان يتحمل العراق اقيام كل هذه المنشآت من انابيب لآلاف الكيلومترات مع توفير الحماية لها بعقود امنية مع شركات اجنبية والمرجح اميركية، وأقامة المصافي ومنصات التصدير على حساب العراق ومنح دول المرور نفطا عراقيا على شكلين جزء مجاني واخر يقل عن السعر العالمي ب 16 دولار، لكي نُحسِن من اقتصاديات تلك البلدان التي المرضي عنها اميركيا، ونترك ابن البصرة يتلظى تحت نيران الغاز المصاحب للنفط ليصاب بالامراض السرطانية دون ان نوفر له العلاج الذي يستحقه .