23 ديسمبر، 2024 5:04 ص

لا تجعلوا نقص إيرادات الموازنة سببا لهلاك الاقتصاد الوطني

لا تجعلوا نقص إيرادات الموازنة سببا لهلاك الاقتصاد الوطني

من المعروف للجميع , إن الإيرادات الحالية للدولة العراقية تعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط , كونها تشكل أكثر من 90% من إجمالي الإيرادات , وفي الموازنة الاتحادية للسنة الحالية 2015 فقد تم تقدير الإيرادات النفطية بما يعادل 78,649 تريليون دينار , على أساس بيع 3,3 مليون برميل نفط يوميا بسعر 56 دولار للبرميل الواحد , كما تم تقدير عجز الموازنة بمبلغ 25,414 تريليون دينار وتتم تغطية هذا العجز بمجموعة من الإجراءات والمديونية الداخلية والخارجية , وقد صفق اغلب أعضاء مجلس النواب العراقي على الموازنة الاتحادية بعد إقرارها وعدوها انجازا مهما بعد إن عجزت الدورة السابقة عن إقرار موازنة 2014 , ورغم ذلك فإن العديد من المختصين قد حذروا من إصدار موازنة بهذا القدر المبالغ فيه من التفاؤل , وقد نشرنا ملاحظاتنا عن الموضوع في حينها بهذا (الموقع) وقبل إقرار الموازنة .

وبالنظر لانتهاء الربع الأول من السنة المالية الحالية , فإننا نعرض تفاصيل الإخفاق الحاصل في تحقيق الإيرادات المخططة من مبيعات النفط للأشهر ( كانون الثاني , شباط , آذار ) , فقد كان المعدل اليومي للصادرات 2,532 مليون برميل يوميا لشهر كانون الثاني و 2,597 مليون برميل لشهر شباط و 2,980 مليون برميل يوميا لشهر آذار , بمعنى إنها لم تصل قط إلى الرقم المستهدف ( 3,3مليون برميل يوميا ) , وقد بلغ معدل أسعار مبيعات كانون الثاني 41,450 دولار للبرميل ومعدل مبيعات شباط 47,431 دولار للبرميل ومعدل مبيعات شهر آذار 48,244 دولار للبرميل , مما يشير بإن المبيعات لم تصل إلى الرقم المخطط والبالغ 56 دولار للبرميل والمعتمد في قانون الموازنة الاتحادية ( والذي عدله مجلس الوزراء إلى 55 دولار) , وبموجب أرقام الصادرات آنفة الذكر ومتوسط أسعار المبيعات , فقد بلغت الإيرادات الفعلية 3,256 ملياردولار لشهر كانون الثاني و 3,449 مليار دولار لشهر شباط و 4,457 مليار دولار لشهر آذار .

ويبلغ إجمالي الإيرادات النفطية للربع الأول من العام الحالي 11,162 مليار دولار , وتشكل هذه الإيرادات 67% من الإيرادات المخططة في موازنة 2015 , وبانحراف مقداره 5,470 مليار دولار إذ كان من المفترض أن تكون الإيرادات خلال الثلاثة أشهر الأولى 16,632 مليار دولار , وقد توزع العجز في الإيرادات بواقع 2,473 مليار دولار لشهر كانون الثاني و1,725 مليار دولار لشهر شباط و 1,272 مليار دولار لشهر آذار , وتبلغ نسبة العجز في الإيرادات النفطية 33% من مجموع الإيرادات المخططة بموجب قانون الموازنة الاتحادية , علما بان العراق كان بإمكانه إن يخفض العجز في الإيرادات لو التزم بالمعدل اليومي للصادرات ( 3,3 مليون برميل يوميا ) , فالتزامه بمعدلات التصدير المخططة بضوء أسعار النفط السائدة في الأسواق العالمية , كان من الممكن أن يجعل خسائره 2,395 مليار دولار بدلا من 5,470 مليار دولار , وجدير بالذكر إن إيرادات مبيعات النفط الحالية تعادل 50% من إيرادات الفصل الأول لسنة 2014 حيث كانت مبيعات النفط الفعلية بمقدار 22,407 مليار دولار .

وإذا استمر العراق بهذا المستوى من الإيرادات النفطية المنخفضة عن مستوياتها المحددة بالموازنة حتى نهاية السنة الحالية , فان مجموع إيرادات النفط ستكون 52 تريليون دينار بدلا من الإيرادات المخططة والبالغة 78,648 تريليون دينار , أي بنقص مقداره 26 تريليون دينار وبما إن العجز المخطط هو 25 تريليون دينار , فان إجمالي العجز من إيرادات النفط فقط سيكون بحدود 52 تريليون دينار , ومن المتوقع جدا أن يزداد العجز لسبب آخر يتعلق بزيادة الإنفاقات إلى أكثر لما هو مخطط له في الموازنة الاتحادية , سيما بعد تحرير محافظة صلاح الدين ورغبة وضغط السكان النازحين في العودة إلى مناطق سكناهم , ويترتب على ذلك الحاجة الملحة لإعادة الأعمار والخدمات ودعم النازحين , كما إن الإعلان عن المباشرة بتحرير الانبار والموصل يتطلب نفقات إضافية في التسليح والتجهيز وتسديد نفقات المتطوعين من العشائر وغيرهم ورعاية النازحين وصرف استحقاقات الحشد الشعبي , الذي أصبح احد التشكيلات الرسمية التي ترتبط برئيس مجلس الوزراء .

ونظرا لعدم وجود مصادر مالية لسد هذا العجز من الإيرادات الأخرى , فان اغلب التوجهات ستأخذ منحنيات قد تشكل خطرا على مستقبل العراق , من خلال تحويل المشكلات المالية الحالية إلى التزامات اقتصادية خطيرة في المستقبل , وأبرزها زيادة المديونية الخارجية وطلب قروض عاجلة من صندوق النقد الدولي , وحسب تصريحات رسمية فقد تم بيع سندات المديونية للخارج لسد استحقاقات شركات النفط الأجنبية العاملة في العراق بموجب جولات التراخيص والتي تبلغ قيمتها 12 مليار دولار عن سنة 2014 , ويعتقد البعض إن زيادة أسعار السلع والخدمات التي تقدمها الأجهزة الإدارية الحكومية وزيادة الضرائب والرسوم على الأفراد والشركات , هي من الحلول الناجحة للخروج من الأزمة المالية , وهو اعتقاد خاطئ تماما لأنه يعظم من المشكلات ولا يحلها , كما إن لها مردودات سلبية على الشعور بالمواطنة والتسبب بزيادة حالات الفساد الإداري والمالي لتعويض نقص المدخولات , وكما هو معلوم لدى المختصين فان المعالجة تأتي من خلال تعظيم الناتج المحلي الإجمالي وليس من خلال الضغط على المواطنين .

كما يتم التداول حاليا للعمل بالبيع المقدم للنفط أو البيع النقدي للنفط ( أي بيعه في الآبار ) لمدة قد تصل إلى 10- 40 سنة , وهو أخطر موضوع يمر به العراق ولم يجرأ أحدا من قبل على التحدث به رغم تعرض البلد لأحرج الظروف الاقتصادية , ويعني هذا الإجراء البيع المسبق لثروات العراق , وهو بالعكس تماما من توجهات دول العالم كافة ( عدا العراق والإكوادور ) , فجميع دول العالم لها صناديق الاحتياطي والادخار لضمان مستقبل الأجيال , ولو عملنا بالمقترح الجديد فإننا سنبيع ثروات العراق بشكل يجعله بلا مستقبل بدلا من ضمان مستقبله , وبذلك ستحل على جيلنا لعنة الأجيال القادمة كونه سببا في هلاك الاقتصاد الوطني , وبمناسبة الحديث عن الاحتياطي فان ما يتردد هو انخفاض احتياطي البنك المركزي العراقي لأقل من 60 مليار دولار بعد أن كان بحدود 78 مليار دولار , والقصد من عرض هذه الحقائق هو لإيجاد معالجات موضوعية بحساب نتائجها كافة , والتذكير بالمخاطر الاقتصادية التي يمر بها البلد ووجوب معالجتها من قبل المخلصين من المختصين بما في ذلك الاستفادة من خبرة أساتذة الجامعات , لوضع معالجات مناسبة لا تمس السيادة الوطنية ومستقبل الأجيال , فلكل معركة مجموعة من الصفحات ومنها الصفحة العسكرية وصفحة الاقتصاد , ولا يمكن أن يسمى الفوز نصرا إلا بتكامل الصفحات .