27 ديسمبر، 2024 10:42 م

تساقطت السنين من بين اصابع يديه حتى ضاعت عليه حسبة العمر ، يتذكر الاشياء كأنها حلم قريب ، لكنه لم يجد حقيقة واحدة يتلمسها في حياته عسى ان تكون ربوة يعتليها حين تشتد مرارة الايام .
انها حكاية شيخ تتجه سنينه لدخول بوابة القرن ، محدودب الظهر ويكاد رأسه يلامس الارض، حتى تجاعيد وجهه قد ملت المكان فغادرته .
شيخ لم تمر مآسي الامس في عقله الذي ما انفك متوقداً ، يتحدث بلسان كامل عن ذكريات لا تخلو من الحكمة وكانه ما زال عشرينياً ، كلامه ينضح موعظة ومقاربات بين الماضي والحاضر .
يقول الشيخ  في قانون حياتي خاص يتمسك به ويدافع عنه مفاده ( لا تثق باحد من الحكام ) وهي خلاصة تجربة حياتية منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 حتى اليوم .
تترقرق الدموع في عينيه عندما يفتح الماضي ، وتبدأ جراح السنين نزيفها من مفردات حديث هذا الشيخ ، يقول صفقت للملك فيصل الاول كاول ملك للعراق ، وصفقت للملك غازي من بعده وامتد تصفيقي للملك فيصل الثاني ، ولكن حالي لم يتغير ، بل ظل على ما هو عليه ، رغم اني انسان وطني احب وطني وملكي و لا اعرف الانتهازية و لا معانيها لانها لم تكن اصلا متداولة في تلك الايام .
تواترت السنين في حلها وترحالها ، يضيف الشيخ حتى صار العراق نظاما جمهوريا وجاء عبد الكريم قاسم ولم يكن امامي سوى ان اصفق له ، وغادرنا على عجل وواصلت يداي التصفيق لعبد السلام عارف ثم عبد الرحمن عارف ثم احمد حسن البكر فصدام حسين ، و انا مازلت مثلما كنت في ( زمن الملوكية ) .
سقط الملوك والزعماء وما انقطعت يوما عن التصفيق للرؤساء ( الشهريين ) من مجلس الحكم الذي تأسس بقرار امريكي مما كانوا يسمونها سلطة الائتلاف ، حتى تم تعيين غازي عجيل الياور ، اول رئيس للعراق بعد الاحتلال ، ثم جاء جلال طالباني فصفقت ربما اكثر من الماضي لان وقت الحرية والديمقراطية قد حل كما يروجون ، لكني لم اعرف ان المأساة قد بدأت تنهش باجساد العراقيين اكثر من كل سنوات العمر ، تلاشت فيها كل امالي التي لم تنبت منها شجرة واحدة طوال العمر .
اذن لماذا اثق بالحكام بعد ، فقد ولدت وانا ارتدي ( الدشداشة ) وساغادر الدنيا وانا بها .