هل يكفي ان نضع كل مشاكل التاريخ والجغرافيا والسياسة الدولية والاقتصاد والمجتمع على طاولة محمد شياع السوداني ونجلس للفرجة عليه؟ هذا السؤال يبدو غير ملائم في أجواء الاستعداد لخوض المعترك الانتخابي وفي ظل استعداد المتنافسين لسلخ جلود بعضهم.
لا اريد مجاملة السوداني ولا احتاجها، لكنني أرى ان التحديات التي تحدثنا عن جزء منها في المقالات السابقة في سلسلة) لا تتركوا الرجل وحيداً) تحتاج الى سلوك سياسي مختلف لإدارة هذه اللحظة الحرجة من عمر العراق والمنطقة، فنحن احوج ما نكون الى رص الصف وبناء موقف وطني واضح من اجل ان نعبر هذه المرحلة التي تشبه حقل الغام. فمن غير المعقول ان يجلس قادة العملية السياسية وزعماؤها في مكاتبهم ومقراتهم بين مريديهم ويظهرون بمظهر غير العابئين بما يجري من حولنا، تاركين الأمر برمته لرئيس الحكومة ليتحمل كل شيء لوحده ويباشر هذه الملفات الدولية والداخلية الخطرة بمفرده.
الكل يفكر في الانتخابات الآن، بينما لا تسترعي التحديات الإقليمية والتحولات العالمية اهتمام النخبة السياسية الا بمقدار علاقتها بالانتخابات، فعودة الكاظمي الى بغداد أهم لدى البعض من احتمالات تقسيم سوريا، رغم خطورة هذا الامر على العراق، وتصريحات ما بعد الافطار التلفزيونية التي يطلقها السياسيون بعد تناول شورية العدس تبدو عند البعض اهم من الرغبة الدولية بإعادة رسم خرائط الشرق الأوسط ورفع قيمة (الخاوة) الذي تدفعها دولنا للعم سام. ومقاطع الفيديو التي ينشرها الذباب الالكتروني لسياسيين يلمزون منافسيهم تبدو لدى البعض أهم من الجشع الاسرائيلي والعمل على اعادة التوازنات في المنطقة. نحن نعيش ورطة ستتضح معالمها قريباً ولا يريد أحد الاعتراف بها.
فماذا لو كانت الحكومة الحالية –او التي تليها– تحتاج الى المشورة والرأيالمسؤول؟
وما هو نوع المشورة التي تتلقاها الحكومة في هذه المرحلة الخطرة من التاريخ؟
وما هو مستوى أهلية مقدمي المشورة بمقابل تلك الملفات الدولية الكبيرة والحساسة؟
وما هو مقدار نزاهة تلك النصائح ومسؤوليتها تجاه اللحظة؟
وماذا لو أخطأت الحكومة في حساباتها؟
وماذا لو كانت لا تمتلك الوقت وصفاء الذهن لمعالجة كل هذه التحديات؟
وماذا لو فرضت التوازنات الدولية خيارات صعبة على الحكومة؟
وماذا لو كانت توازنات وتقاليد العمل السياسي المتبع منذ 2003 وحتى الان لا تسمح بحلول استثنائية تتطلبها المرحلة؟
وماذا لو واجهت الحكومة ضغوطاً وسيناريوهات قاسية؟ وماذا لو تعرضت للابتزاز؟
وماذا لو اضطرت الحكومة لاتخاذ اجراءات صعبة؟ هل سنساعدها في التخفيف من وطأة تلك الإجراءات على الشارع ام نستغل ذلك في انتقاد الحكومة؟
وماذا لو اتخذت الحكومة قرارات استراتيجية خاطئة وورطت البلاد بما لا تطيقه؟
وماذا لو استخدمت النخبة السياسية (الحكومة او منافسوها) التحديات او الاغراءات الدولية كورقة في الصراع على الوصول الى كرسي الرئاسة.
ماذا لو فرضت لغة البازار الدولي موقفاً ندفع ثمنه مستقبلاً كمقابل لبطاقة الجلوس على كرسي السينما العراقية؟
وماذا لو وجدنا صانع القرار في الحكومة الحالية او التي تليها في موقف شبيه بموقف ملك الأردن، او الرئيس الاوكراني؟ هل سنجلس للشماتة به على طريقة معلقي الفيسبوك وتويتر، ام نبحث عن حل لإنقاذ بلدنا من ثيران السياسة الدولية الجامحة.
وماذا لو كان صوت الشعبوية والشعارات في الداخل اعلى من صوت الحكمة والعقل والمصالح التي تكفل الاستقرار وتضمن مرور العاصفة بسلام؟
الا نحتاج للتفكير قليلاً بهدوء ومسؤولية في هذه الأسئلة؟
انا أقول ان من الطبيعي ان يكون لكل شخص يتولى مسؤولية القيادة مهارات معينة، وقد تختلف تلك المهارات من شخص لأخر، فهناك اشخاص تتركز مهاراتهم في إدارة الشؤون اليومية، وهناك من يركز على القضايا الاستراتيجية، وهناك من يمتلك مهارة في التسويات، وهناك من يمتلك علاقة متميزة مع الشرق، وآخر مع الغرب. ولكل واحد من هؤلاء قراءاته وعلاقاته واسلوبه وتأثيره السياسي والاجتماعي، وليس من الضروري ان تجتمع كل هذه المهارات في شخص واحد. فربما نجد شخصاً يتميز بتنفيذ برنامجه الحكومي لكنه لا يمتلك الخبرة الكافية في إدارة الملفات ذات الطابع الاستراتيجي، وقد نجد رجلاً يمتلك خبرة في الملفات الخارجية لكنه لا يستطيع انجاز شيء في المجال الخدمي، وهناك من يفكر في الانتخابات الداخلية أكثر من القضايا الخارجية، وهناك من هو منشغل بحاجات الخارج أكثر من حاجات الداخل. والمتابعة البسيطة لأداء رؤساء السابقين تكشف لنا وجود الكثير من الاختلافات فيما بينهم. لذا أرى ان من المهم ان يشترك قادة الأحزاب الكبيرة وقادة العملية السياسية ورؤساء الوزراء السابقون في التواصل مع هذه الحكومة خلال هذه الفترة التي تواجه فيها البلاد تحديات قد تهدد وجود الدولة لو انفجر حقل الالغام هذا. وقد تنهار الدولة لو ارتبكت شبكة التوازنات الواهنة. فلو انفجرت تلك الألغام سيذهب كل شيء الى العدم. ولن ينفع بعدها القاء اللوم على من يتصدى للمسؤولية. مثلما لم ينفع سابقاً اللوم عندما واجهت الدولة تحدي سقوط الموصل في زمن المالكي، او انهيار أسعار النفط في زمن العبادي، او التظاهرات في زمن عبد المهدي، التحدي في هذه المرّة أكبر وأصعب وقد يمتد تأثيره لأجيال لو لم نحسن إدارة هذه اللحظة بمسؤولية.
يجب ايضاً تفعيل المؤسسات المعنية بالتخطيط للقضايا الاستراتيجية، وتفعيل مؤسسة ائتلاف إدارة الدولة، ويجب رفع الهواجس المتبادلة بين رئيس الحكومة ومنافسيه السياسيين، وعقلنة الحسابات الانتخابية والسيطرة على الجشع الانتخابي لحين استقرار الاوضاع في المنطقة. ومن المهم ترميم العلاقات البينية بين القوى السياسية العراقية، واستعادة ثقة الشارع، والحصول على رضا المرجعية الدينية والزعامات ذات التأثير الكبير في الشارع واستخدام ثقلها المعنوي في المحافظة على الاستقرار، والاستعداد للمستقبل، والاستفادة من ذلك الثقل في تقليل تأثير الخيارات الصعبة التي قد تضطر لها الدولة. ويجب الاستماع الى النخبة السياسية والثقافية والاكاديمية المسؤولة التي تشعر انها معنية بسلامة الوطن وقوة الدولة واستقرار البلاد، ومن المهم أيضاً التعامل بحكمة مع الضغوط الخارجية الجامحة بحكمة وصلابة اعتماداً على موقف وطني موحد لا يفرط بالتجربة وبالرصيد الاستراتيجي وبالاستقرار النسبي الذي تحقق، فلم يعد لدى العراقيين القدرة على تحمل المزيد من الصدمات، وليس هناك من هو أغلى وارفع شأناً من العراق وأهله .