لا تتركوا الرجل وحيداً -3

لا تتركوا الرجل وحيداً -3

من الواضح ان البلاد والمنطقة تواجه تحديات كبيرة، واي خطأ في الحسابات قد يؤدي الى كارثة تهدد البلد وشعبه، فهناك متغيرات كثيرة تحيط بنا، منها مجيء إدارة أمريكية جديدة لها توجهات مريبة وغير مفهومة ولا تعبأ بمفهوم سيادة الدول على أراضيها وقرارها. ومن الواضح ان العالم مقبل على سياسات مجنونة اخذت تتعامل مع الدول كعقارات ومع الملوك والرؤساء كموظفين ودلّالين ومندوبي مبيعات في إمبراطورية ترامب التي يديرها من تويتر فيرتجف العالم لتغريداته المجنونة. ونحن في العراق بالطبع لا نعرف حتى الآن موقعنا في هذه الفوضى.
تأتي هذه التوجهات بالتزامن مع تحول استراتيجي عالمي يتعلق بصراع القوى الكبرى التي يبدو ان لحظة تصادمها قد اقتربت. كما ان هناك تحولاً في أسلوب ادارة الموارد والبشر والطاقة والتكنلوجيا في العالم، وهذا يتطلب فهماً لحركة العالم المعاصر بدل الغوص في المزيد من العنتريات الزائفة وتكتيكات السياسة الشرقأوسطية التقليدية. وهناك ايضاً خرائط يعمل عليها صناع السياسات لخطوط النقل البري والبترول والغاز والطاقة وكلها تضع بلادنا في حساباتها ويجب ان يكون لنا رأي فيها. وهناك تحديات خطرة تواجهها أسواق النفط العالمية ستفاجئ من يتجاهلها ويغض الطرف عنها. وهناك منعطف حاد يواجهه النفط كسلعة استراتيجية بعد التوجه العالمي المحموم نحو الطاقة البديلة، وهناك صراع عالمي ضخم على الرقائق الالكترونية ينذر بانهيار العالم الذي نعرفه في اية لحظة لو اختل التوازن الدولي، وهناك صراع حول سلاسل الامداد التموينية التي قد تهدد بجوع العالم، وهناك استباحة تامة لخصوصية البشر وامنهم الشخصي ما يجعل من كل انسان عبارة عن هدف بفضل تطور وسائل التكنلوجيا والهيمنة على مخازن البيانات وطرق ادارتها (هل تتذكرون البيجر؟)
دعونا من هذا الكلام الكبير الذي لا يدرك خطورته بعض (بقّالي السياسة) في بلادنا، وتعالوا نقترب أكثر من المشهد، فهناك في منطقتنا تغوّل إسرائيلي واستغلال للحظة الراهنة ورغبة بالتمدد في المنطقة والانتقال من مرحلة (الكيان) الى مرحلة (المحور)، وهناك تجربة جديدة مقلقة في سوريا يصعب الاطمئنان لها بعد ان كان قادتها يحاربون لإسقاط النظام في العراق واحلال ما يسمى بالدولة الإسلامية محله والسيطرة على منطقة الشرق الأوسط بأكملها، كما يصعب الاطمئنان على سوريا في ظل وجود سيناريوهات متشائمة يتخوف المراقبون من ظهورها بعد ذهاب نشوة اسقاط بشار الأسد، ليس اصعبها سيناريو التقسيم، والذي يعرف فسيفساء المشهد السوري ومقدرات الدولة السورية لن يصعب عليه تخيل مآلات ما بعد شهر العسل.
وهناك ايضاً نمر جريح في طهران يشعر انه تعرض لخسارة استراتيجية ويخطط لـ(شوط ثانٍ) يستعيد فيه بعض ما خسره، والذي يعرف الإيرانيين وعنادهم لن يتوقع قبولهم الامر الواقع بسهولة. وهناك شعور تركي بفائض القوة القلقة بعد المكاسب التي تحققت لهم مؤخراً مما يغريهم بالتمدد وتطبيق سياسة (العمق الاستراتيجي) عسكرياً بعد ان مهدوا لها ثقافياً وسياساً لعقد ونصف، والذي يعرف الاتراك سيدرك انها لحظة فارقة بالنسبة لهم ولن يفرطوا بها. وهناك ايضاً تحول تاريخي كبير في المعادلة الكردية في المنطقة بسيطرة قوات سوريا الديمقراطية على جزء هام من سوريا، والذي يعرف طموحات الكرد يمكنه ان يتخيل السقف الذي يفكرون به. وهناك صراعات محتملة بين القوى التي تشكل المشهد السوري المعقد، وقد يكون لتلك الصراعات انعكاس على الواقع العراقي. وهناك رغبة أمريكية إسرائيلية في (إعادة توطين) الفلسطينيين، ولن يكون العراق مستبعداً فالذي فكر في الأردن كوطن بديل، لن يوفر غرب العراق! خصوصاً مع وجود سماسرة سياسة وانتهازيي صفقات عراقيين لن يتورعوا عن بيع العراق وأهله لأي مشتر في أي فرصة سانحة. وهناك طموحات اقتصادية وسياسية خليجية غير معتادة بدأت تخرج بحماس عن تقليديتها وبدأت تشتبك مع تحولات العالم، وهناك مشروع تطبيع عربي- إسرائيلي صار معلناً قد يهز اتزان العقل العربي وخطابه الذي استمر لثلاثة ارباع القرن، وهناك مشروع (الديانة الابراهيمية) او (طريق إبراهيم) الذي بدأ العاملون عليه بالتمهيد له والعمل على جعله امراً واقعاً وبدأت ملامحه تظهر للعلن، كما ان هناك تحولات ثقافية وايديولوجية ومذهبية واضحة سيكون لها أثرها في المشهد العربي المقبل، وكل هذه التحديات تمثل تهديدات ذات طابع استراتيجي يجب ان نتعامل معها كدولة ونهيئ تصورات واضحة عنها ونضع الخطط للتعاطي معها. فإدارة الدولة ليست فقط تعيينات ووظائف وتبليط شوارع وتقريب المهللين وابعاد المشاغبين. انها تعني التعامل مع القضايا والتحديات الكبرى ايضاً. السؤال هنا هو: من سيواجه هذه التحديات؟ وماهي المساحة التي يتحرك بها؟ وما هي مصادر قوته؟
وهل يكفي ان نعصب كل هذه التحديات برأس رئيس الحكومة ونجلس لنتفرج عليه، ثم نريد منه حلولاً؟ فاذا أصاب فله حسنة، وإذا أخطأ يكون الوقت قد فات على الندم.
السؤال الأكثر صراحة: هل يستطيع لوحده؟
هناك تحديات أكثر خطورة، وستكون محور المقال التالي:

أحدث المقالات

أحدث المقالات