أينما يتجه الناس في ليالي مدينة الرمادي الفضية يمشي القمر معهم .. في الماضي طبعا ! يجلس الأطفال في سيارات ذويهم فينظرون للقمر وهو يبتسم لهم .. أغلبهم كان يخرج نصف جسده من السيارة والبعض من الفقراء هوايته النظر إلى وجه القمر.. ومدينة ( الرمادي ) نادرا ما تجد بين شوارعها ودروبها وطرقها حبيب يمسك بيد حبيبته وهما يتبادلان أحاديث العشق بينهما في الليالي المقمرة .. بقي القمر في منتصف كل شهر يطل على الفرات ويترك شعاعه عند النهر حتى الصباح .. هذه مدينة أخرى وفرات آخر وهياكل لمدينة ما ! تحدث القمر مع نفسه حين أطل عليها أواخر شتاء عام ٢٠١٥ بعد خروج المحتلين الدواعش منها.. لم يلتفت القمر إلى النجوم المحيطة به وإستمر الحزن يتسلل إلى وجهه الفضي.. ما هذا ؟ تساءل القمر مع نفسه ، أيمكن أن أخطأت ، هذه مدينة أخرى ليست الرمادي أبدا.. كنت أرى وجهي على قباب الجوامع والمنارات وضوئي يداعب الناس في الشوارع والسطوح والحقول ، قد تكون مقبرة ، لكن المقابر لا يتصاعد منها الدخان الأسود .. والجسور والأبنية والبيوت والحدائق والمدارس والجامعة لماذا تغيرت.. فلأقترب أكثر .. قرر القمر بحذر شديد الهبوط في الجهة الغربية من الرمادي كي يتأكد على الأقل أنها مدينة الرمادي ثم يعود إلى المجرة مطمئنا .. رائحة الموت ولون السواد وأنين وبكاء غامض يصدر من بعيد .. تأكد القمر أن زلزالا ما أو هزة أرضية أو شيئا ما أحال مدينته الجميلة الرمادي إلى أكوام من الرماد وعواصف من حزن دائم .. لا بد أنها القيامة .. خاطب نفسه مستذكرا أنه سينشق إلى نصفين حين تقع الواقعة .. شمس كاملة أشرقت في الصباح الذي اختفى به القمر بعيدا والتساؤل والغرابة تطوق عطر أوديته وتلاله.. إنها الرمادي الأخرى .. هكذا أخبرت شمس النهار القمر وهو يبتعد مسحوقا بحزن على مدينة كان يبستم للناس حين ينظرون إليه مساء كل فرات جميل