رغم كونه غير مذكور في اللائحة العالمية لشرعة حقوق الإنسان، فالحق في النوم لا خلاف عليه ولا جدال يحيط به، لكن الأسباب التي تقف حائلا بين الإنسان و استمتاعه بحقه الشرعي في النوم الهانئ كثيرة، وبحسب العلماء البيولوجيين والنفسيين فإن حالات الأرق والافتقار إلى سويعات الراحة التي توفرها الغفوات العابرة منها والعميقة، قد تضاعفت في تناسب طردي مع ازدياد تعقيدات وضغوطات الحياة المعاصرة، وبحسب كتاب Manual of Fitness فإن أسباب الأرق العديدة أعظمها ربما يكون الضغط النفسي وما ينجم عنه من قلق بل إن الأرق يزيد من الضغط النفسي ذاته وبذلك يدخل المرء في حلقة مفرغة. وللقلق أسباب كثيرة منها كالفقر أو الغنى و مشكلات الزواج أو عدم القدرة على الزواج هي باختصار هموم الحياة بما فيها من أفراح وأتراح، فضلا عن أسباب أخرى كوجود مرض عضوي أو نفسي أو تناول وجبة دسمة، والبطن الخاوي يؤرق الجائع وأخيرا تعددت الأسباب والأرق واحد.
فيلم (لا أنام) إنتاج 1957، المقتبس عن رواية بالاسم نفسه للأديب المصري إحسان عبد القدوس، فيه تعاني البطلة (فاتن حمامة)، من عقدة إليكترا، التي تقلب حياتها وحياة والدها الى جحيم والأهم أنها بالنتيجة لا تنام.
في فرنسا سهرت الحشود ليلة الخميس 14 تموز 2016 تشاهد ألعابا نارية ضمن فعاليات الاحتفال بالعيد الوطني الفرنسي، ولم يحسب من قصدوا ساحات مدينة نيس، جنوب فرنسا، للاحتفال أنها ستكون سهرتهم الأخيرة، عندما اقتحم شخص يقود شاحنة بسرعة قصوى تلك الحشود، و لم يشأ أن ينام نومته الأبدية قبل أن يتسبب في قتل 84 شخصا على الأقل وإصابة بضع مئات بينهم 18 في حالة حرجة، وحسب وزارة الخارجية الفرنسية فإن نصفهم من الأجانب وينتمون إلى 19 جنسية مختلفة.
عليه فقد غدت الجريمة النكراء عابرة للحدود والقارات فثارت براكين الاستنكار وفاضت سيول الدموع المتعاطفة والأهم ما حمله البريد والبرق والهاتف من برقيات التعزية التي عصفت بالأثير من كل حدب وصوب، حتى أن النوم جافى عيون بعضهم من شدة التأثر. فقد أصاب الذهول أحد السياسيين في أحد البلدان وهو يتابع أنباء الحادث الإرهابي في نيس، خصوصا وأنه وشعبه مكتوون بنار الإرهاب وجرائمه، مؤكدا موقفه بالقول: لم أنم ليلي وعيوني تبكي على ضحايا مدينة نيس.
باعتماد إحصائيات الأمم المتحدة ومنظماتها العاملة في العراق فإن عدد ضحايا الإرهاب فيه منذ 2003 ربما تجاوز ربع المليون إنسان، مع الأخذ بنظر الاعتبار إن كان عدد الضحايا الفعلي قد يتجاوز المذكور في الاحصائيات الرسمية أحيانا بكثير أو قليل، فضلا عن أن حجم المعاناة التي يتحملها الضحايا حسب نوع الهجوم الذي يعرضون اليه لامكان له في الاحصائيات، ففي حادثة كفاجعة الكرادة الكثير من الضحايا لم يستطع أحد التعرف عليهم من شدة الحرق وآخرون قالوا إنهم ذابوا، تلاشوا، ولم تبق منهم حتى الأشلاء التي يصعب التعرف على أصحابها، فمواد التفجير كانت هذه المرة مبتكرة وغير تقليدية.. هؤلاء عاشوا جحيما وهم أحياء ولا يستطيع أحد تخيل مدى الرعب الذي عاشوه وعاشه قبلهم المصلون في كنيسة سيدة النجاة ويعيشه عراقيون كثر في أسر داعش الإرهابي. بغض النظر عن كل هذه العوامل وباعتماد لغة الأرقام، وإذا كان القياس جائزا، على اعتبار معدل الضحايا الذين يطردون النوم لليلة واحدة هو(84)، وهو عدد ضحايا هجوم نيس الإرهابي، فضحايا العراق يجلبون السهاد لليال يصل عددها الى قرابة 2976 ليلة أي ما يعادل تقريبا ثماني سنوات ونصف السنة، وهي أكثر بكثير من ألف ليلة وليلة، وبحساب الفترة الممتدة من 2003 حتى 2016 قد يعني ذلك سهدا لليلة ونصف مقابل ليلة نوم واحدة!
و لا تقولوا إن من لاينام الليل بإمكانه أن ينام بالنهار، فنوم 6 ساعات ليلا يعادل نوم 8 ساعات نهارا، حسب علماء متخصصين، فضلا عن كونه يساعد على تنشيط
الجهاز المناعي ويجعله قادرا على حماية الجسم من السموم، ولان الشيء بالشيء يذكر فإن السينما المصرية تناولت في فلم (معالي الوزير) بطولة احمد زكي، موضوعة النوم من زاوية أن “الوسادة تحمل رأس الغني و الفقير، الصغير و الكبير، الحارس و الأمير، لكن لا ينام عليها بعمق إلا مرتاح الضمير”، فيصاب الوزير المخضرم في حكومات متتالية بالأرق وتلاحقه الكوابيس بسبب شعور دفين بالذنب تجاه كثيرين أجرم في حقهم إبتداء من زوجته السابقة التي وصل به الامر الى الوشاية بها لدى السلطات! فيبحث عنها محاولا تبرير موقفه أو الاعتذار غير الرسمي، قد يتساءل البعض: هل يمكن للاعتذار أن يمحو آثار الجريمة ويضمد الجراح؟ وقِس على ذلك الاعتذار المشين الذي تستر وراءه توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، مدعيا أنه قبل تحمل المسؤولية عن قراره، وقال في مؤتمر صحافي عقده بعد الإعلان عن تقرير “تشيلكوت” الشهير، إنه اتخذ قرار الحرب لأنه يعتقد أنه كان على حق، ولأنه يعتقد أن تكلفة عدم التحرك كانت ستكون أكبر. ورغم كونه رفض معظم ما جاء في تقرير لجنة تشيلكوت، لفت إلى أنه سبق واعتذر عن الأخطاء التي شابت غزو العراق من حيث التخطيط والتنفيذ، وليس عن قرار الحرب. بعدما حملته لجنة “السير تشيلكوت” مسؤولية تقديم المعلومات الاستخباراتية حول أسلحة الدمار الشامل العراقية، على أنها أكيدة، دون تقديم ما يبرر ذلك.
موقع “بي بي سي” تحدث عن نتائج هذا التقرير، وبث تقريرا مشفوعا بفيديوهات لأهالي ضحايا عسكريين بريطانيين، يبكون بألم عجز الزمن عن محوه، حسب الموقع، ويروون كيفية تلقّي خبر وفاة ابن لهم أو زوج او أخ، حتى نعتت إحداهنّ بلير بالإرهابي الأسوأ في العالم، ولاقت عبارتها التي قالتها بحسرة انتشاراً واسعاً، حتى اتخذت منها صحيفة “ديلي ستار” عنواناً لها على الغلاف.
179 بريطانيا قُتلوا خلال حرب العراق، تعمل عائلاتهم على جميع الصعد للبحث في تقرير لجنة تشيلكوت الذي يبلغ حجمه 2.6 مليون كلمة لايجاد القرائن القانونية لتحريك دعوى قانونية ضد بلير، ولا نعلم ما الذي سيفعله العراقيون وقد خسروا
قرابة ربع مليون شهيد فضلا عن ملايين أخرى ما بين مهجر ومهاجر، وكيف ستكون ردة فعلهم؟ ولا تنسوا أننا قوم لا ننام على ضيم!