ربّما الكثيرون ممن يقرأون مقالي هذا يتصورونني متشائماً جداً ، ولكن التحليل المنطقي للواقع العراقي الملموس يدفعني الى الاعتقاد بما أراهُ . ولكي أبتعدَ عن الاسلوب الانشائي الذي يتبعهُ الكثير من الناقدين ، فضلتُ تلخيص الواقع بشكل علمي وكما يلي :
أولا : انعدام روح التسامح لدى الطبقة السياسية ، وانعكاس هذا الأمر على المواطن البسيط ، ممّا أوجدَ ثقافة دخيلة في المجتمع العراقي مليئة بالتوتر والتعصب وعدم المرونة ومحاولة البعض تسقيط البعض الآخر وفق صراعات غير أخلاقية . وهذه الثقافة وقفت وما تزالُ تقف حاجزا كبيراً أمام المشاريع الوطنية المحضة التي من شأنها الارتقاء بالبلد نحو أفضل المستويات الاقتصادية والعمرانية والاجتماعية . كما أنها عززتْ في نفوس الكثيرين من العراقيين روح الأنانية المفرطة وعدم الشعور بوجود الأطراف الأخرى .
ثانيا : عدم وجود رغبة حقيقية صادقة تسودها القدرة والشجاعة والجرأة للقضاء المبرم على الفاسدين وايقاف أكبر خطر يهددُ مستقبل العراق . بل أن الطامة الكبرى تتمثلُ بتفشي ظاهرة الفساد وانتشارها في جميع مفاصل الدولة حتى في دوائر النزاهة والهيئات الرقابية المكلفة بملاحقة الفاسدين . والأكثر من ذلك أن بعض الفاسدين لا يمكن ملاحقتهم خوفاً من ردة فعل أحزابهم أو كتلهم أو تياراتهم .
ثالثا : وجود شخصيات رمزية ترى أن وجودها أهم من أي وجود آخر ، وتعتقدُ أنها تملكُ مفاتيح الأرض والسماء معاً ، وتروّجُ لهذه الفكرة باستمرار بشكل مباشر أو غير مباشر ، كما ترى أنها الأجدرُ من الآخرين بتقديم الولاء المطلق والطاعة العمياء لها . ونتيجة لهذه النقطة بالذات انقسم الشارع العراقي الى مجموعات مختلفة ، لا يؤمن بعضها بالبعض الآخر ، ولا يحترمُ بعضها البعض الآخر . ووصل الأمر الى أن بعض المجموعات ترى وتعتقدُ الاعتقاد المطلق أن أي مشروع وطني ( حتى لو يملكُ نسبة نجاح كبيرة ) غير نافع وغير مفيد ان لمْ يصدر من الشخصية التي ينتمون اليها .
رابعا : تدني الشعور الوطني الى أدنى المستويات ، وهذا الأمرُ جعلَ الكثير من المسؤولين وغيرهم لا يعيرون أيّ اهتمام للوطن عند تنفيذهم الواجبات المناطة بهم . بل أن الأمر وصل الى حدّ الانتقام من الوطن عند كلّ أزمة تحصل في البلد . ولوْ دققنا في هذه النقطة تدقيقا شاملاً لوجدنا أن الأداء الوظيفي أوْ أيّ أداءٍ آخر من أدنى مستوى الى أعلى مستوى يحكمهُ تحقيق المصلحة الشخصية قبل النظر الى المصلحة العامة ، أوْ بعبارة أخرى مفادها ( دعني أستفيدُ وليرحل الوطن الى الجحيم ) .
خامسا : استحواذ الأحزاب والكتل السياسية على المناصب الرسمية وغير الرسمية وعلى النقابات والهيئات والمحافل المختلفة ، وابعاد ذوي الكفاءات عن تلك المناصب خلقَ فجوة كبيرة داخل المجتمع العراقي ، اضافة الى ضياع قاعدة ( الشخص المناسب في المكان المناسب ) .
سادسا : نمو النفوذ العشائري وتسلطه على رقاب الناس بمنطق القوة ، وابتعاده كثيراً عن الحق والعدل والانصاف مع ظهور قيادات عشائرية جديدة لا تحملُ الخصال التي تؤهلها لتحمل المسؤولية بقدر سعيها الحثيث لتحقيق أكبر قدر من الأرباح المادية والمعنوية على حساب الضعفاء . كما أن الكثير من الأعراف والأحكام العشائرية لا تمت بصلةٍ للدين وللأخلاق النبيلة السامية .
سابعا : التلاعبُ بالمفاهيم الدينية وتطويعها وفق الرغبات الآنية ، مع نمو ظاهرة التبريرات لارتكاب الآثام والتجاوز على الحدود الشرعية . حتى أن البعض يرى ويعتقدُ أن سرقة المال العام استرجاع حق من حقوقهِ المسلوبة ، ويرى أن الرشوة وسيلة لابدّ منها للعيش الآمن ، وهكذا فان الكثير من المسائل الشرعية تم تحريف مفاهيمها وتغيير اتجاهاتها انسجاماً مع المصالح الشخصية . والأدهى من ذلك ظهور بعض المنابر الدينية المتسترة برداء الدين التي تحاولُ خداع الناس البسطاء والضحك عليهم عن طريق زرع الأوهام في نفوسهم والادعاء الباطل أن شفاعة الأنبياء والأئمة ستحميهم من آثار الذنوب والمعاصي .