23 ديسمبر، 2024 5:26 ص

}وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} الصافات:107 لم يفدِ الله عز وجل ابن بنت رسول الله وريحانة الحبيب المصطفى بكبش، فشاء ان يراه هو و اهل بيته _عليهم الصلاة و السلام_ وحيدين ، عطاشى ، من غير ناصر ، في ارض نينوى تحيط بهم جيوش الظلم و الضلالة ، مرمّلين بالدماء ، مرميين في الفلوات ، تلسع اجسادهم حرارة الشمس وهم مسلوبو الرداء ، ونساؤهم باكيات لاطمات على الرأس مقيدات بالسلاسل ، شاء ان يفجع قلب الحسين وهو يرى ولده علي الاكبر الذي بلغ معه السعي وشبّ امام ناظره ان يقطّع ارباً إربا وهو عطشان وبذبح طفله علي الاصغر الرضيع بين يديه فبكت الارض و بكت السماء و بكت جميع الخلائق على الامام الحسين _عليه السلام_ كما بكت على يحيى _عليه السلام_.
انطلق الامام الحسين عليه السلام من مدينة جده وهو عارف بان كل خطوة يخطوها نحو كربلاء تعنى إصلاح هذه الامة التي افسدها يزيد بن معاوية اللعين فقال عليه السلام (اني لم اخرج اشراً ، ولا بطراً ، ولا مفسداً ، ولا ظالماً ، و انما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي اريد ان آمر بالمعرف وانهى عن المنكر) فهذه ثورة الاصلاح التي انطلق بها الامام مع اهل بيته عليهم السلام لها عدة ابعاد منها الاسرية والمجتمعية والسياسية والفردية فالمجتمعات البشرية بحاجة دائمة للإصلاح ، وتوجيه الناس نحو عبادة الله عز وجل ، ومحاربة الفساد والمفسدين ، وإصلاح العقيدة ، وإصلاح الأخلاق ، وإصلاح المجتمع ، وإصلاح الفكر و الثقافة ، وإصلاح السلوك والعادات الفاسدة. فالهدف من هذه الثورة العظيمة التي رسّخها وثبّتها بدمه الشريف الاصلاح الشامل في الامة وليس من اجل السعي للحصول على السلطة حيث انه ضحّى بنفسه و بأهل بيته من اجل القضاء على الفساد المستشري في الحكم والمجتمع ومن اجل نشر القيم والمبادئ والمثل السامية لإعلاء كلمة الحق و ازهاق الباطل و دهس الظلم و الضلالة المتمثلة بالباطل.
نشهد اليوم في عصرنا الحديث الكثير ممّن يدّعون نفسهم بالمصلحين وهم مغطّون على افعالهم المنكرة و اهدافهم القذرة بهذا الرداء يرفعون شعارات وهتافات الاصلاح ويعدّهم الناس مصلحين وهم بالحقيقة الفساد بعينه فوصفهم الله تعالى بقوله : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُون أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لا يَشْعُرُونَ).
فانا ارى ان الاصلاح الذي نحتاجه في هذا العصر هو الاصلاح الحقيقي الاصلاح الذي رسّخه الامام الحسين و اهل بيته وصحبه رضي الله عنهم جميعا بدمائهم الطاهرة وهو الاصلاح الشامل للأخلاق ، والسلوك ، والعادات ، والفكر ، والعقيدة ، و القضاء على الفساد والمفسدين فعلى الناس التمسك بالدين و مبادئ ثورة ابي عبد الله الحسين عليه السلام المنطلقة ضد الواقع المنحرف وعيش حياة الانسان الحرة الكريمة التي فيها يستطيع التعبير عن آرائه و افكاره و اهميته في الوجود والتحرّر من ذل العبودية وحكم الطغاة من اهل الظلم و الضلالة.. فالإصلاح هو احد الاهداف الرئيسية للأنبياء و الائمة الاطهار عليهم السلام.