23 ديسمبر، 2024 5:56 ص

طول السفر أرهقني، وقفت أستريح وضعت حقيبتي على الأرض لأمسح العرق المتصبب من جبيني، نظرت من حولي وإذا بي تائهةً، أضعت طريق منزلي لا دليل يوصلني إليه.
أين أنا؟
مدينتي تغيرت كثيراً وكأني أزورها لأول مرة، شعرت بالرعب كأن كل شي من حولي مهجور، تهمس في أذني أصوات غريبة كأنها غابة موحشة، فيها رائحة نتنة ليست غريبة عني، تذكرت أيام ماضي تعيس قد عشتها ومازلت حبيسة إياها.
رأيت من بعيد إزهار تشبه إلى حد كبير أزهاري التي اعتنيت بها وسقيتها وجعلت منها حياة خضراء زاهية، لكنها أنكرت الجميل ونمت فوقها أشواك وخزت الأيدي التي راعتها وكبرتها، أحسست بالألم يعتصر قلبي من جديد، أخذت نفساً عميقاً، سمعت صوتاً في السماء، وإذا بطائر يشبه طائري الذي اسميته “نورس” يحلق عالياً، مثلما كان “نورس” يفعل عندما حلق فوق بيتي وهو يتضرع من الجوع، آويته، قدمت إليه طعاماً وشراباً، وعندما شبعت بطنه وطاب شرابه رحل يأوي إلى غيري، كان فوقي يريد مهاجمتي، هرعت هارباً مسرعاً لعلي اصل إلى مكان آمن والخوف يلازمني من كل حدب وصوب، وإذا بي أرى قوماً جالسين يلعبون ويتمازحون، كانت ضحكاتهم عالية.
عاد بي كتاب الذكريات إلى الوراء، هذه الوجوه لم تكن غريبة عني فكل من كان جالس كانت لي ذكرى مؤلمة معه، فذاك الذي كان يغني لي انشدوة الحب والحنان، وعزف لي أجمل أبيات الصدق والوفاء، كانت فرحتي كبيرة لاتوصف، لأنه ملأ حياتي بمشاعر العشق والوئام الذي لم تكتمل سيمفونيته حتى اندثرت معزوفته وضاع صوته واختفت روحه ولم تكتمل أغنيته، كانت وعوده تغمرني باليقين إنه سيبقى دوماً لي، لكن خداعه بان من اول اختبار، حتى تلاشى كالغبار، ولم استطع معرفة اتجاه رحلته.
وهناك صوتاً يُسمع من يميني، كان جالساً على مائدة طعام كأنه وحشٌ كاسرٌ ينهش في العظام دون رحمة، يسابق الزمن ليكون هو الأول دائماً، وأينما يذهب تراه يـخلـق جـواً مـن التوتر وشد الأعصاب والتشنج.
تمنيت أن أثور وأنفجر وأنهي هذه المملكة الظالمة، وأصب جام غضبي في وجوههم ليستوعبوا من فعلوه ومازالوا، لأعطيهم درساً لن ينسوه مهما طال بهم العمر في هذه الدنيا، لكني تمالكت اعصابي وتركتهم خلفي ورحلت، تركت وجوهاً سوداء متسخة من شدة الخبث والحقد.
لكنهم سرعان ماشعروا بوجودي قربهم حتى هرعوا إلى مهاجمتي، كأنهم خرجوا من مقابرهم بعظام هيكلية وأنياب حادة كان الكل يريد أن ينهش لحمي ويكسر عظامي، تجمدت الدماء في عروقي جراء المنظر البشع والمخيف، شعرت برهبة الماضي تلاحقني من جديد، بدأت بصراخ مرتفع، هل من احد هنا؟ أرجوكم ساعدوني؟
وإذا بيد تضرب كتفي وتسحبني من يدي، لتوقظني من نومي المخيف !!
سيدتي: استيقظي لقد وصلنا إلى حيث تريدين.
سألته ماذا يجري: قال لا شيء يبدو انك كنت تحلمين بكابوس طيلة فترة نومك، هل تريدين المساعدة بحمل الحقائب إلى دارك؟
اقشعّر بدني، نظرت من حولي، فقلت له، عد بي من حيث أتيت، فمدينتي أصبحت مرتعاً للخونة والمنافقين.