لقد نجح المفاوض الايراني في مفاوضاته حول الاتفاق بين امريكا واوروبا من جهة والجمهورية الاسلامية الايرانية من جهة اخرى والمسمات 5+1 و ليس هناك في ذلك من شك قاطع ويقين في اثبات القدرة العقلية للسياسي الايراني الحكيمة بهذا الشكل الذي حصرة الجانب الامريكي في زاوية الفشل الشنيع للتنصل من الاتفاق و الان الكرة في ملعبها و العودة مطأطأة الرأس بخفي حنين في حين عزز مكانة طهران في المنطقة وأحرز هذا الجانب تفوقا على المفاوضين الأميركيين وخذل الاوروبيين المطالبين بالعودة الى الاتفاق النووي ولهذا السبب فقد طلب ودعى وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا في البحث مع نظيرهم الأمريكي إمكانية إعادة إحياء الاتفاق النووي المبرم مع إيران، وسط تهديدات إيرانية بتقليل الالتزام بالبنود وتحذيرات أوروبية الذين لم يكن فشلهم اقل من فشل واشنطن للضغط والمطالبة بعودة حكومة الديمقراطيين الى الاتفاق لردم هوة الفشل المخجل الذي يحاصرهم والعمل على تنظيم اجتماع غير رسمي مع كل المشاركين في الاتفاق النووي مع إيران بالإضافة إلى الولايات المتحدة وهناك إمكانية للتوصل إلى آلية للعودة واشنطن للتفاق وفق ما تريده طهران ورفع العقوبات دون شروط مسبقة والتنسيق لما يمكن القيام به اذا رغبت واشنطن بذلك، التي عبرت بالفعل عن استعدادها للانضمام إلى أي اجتماع مشترك.
حكومة جو بايدن اعلنت بالفعل على أنها مستعدة لإحياء اتفاق 2015 بين إيران والقوى العالمية وكان الرئيس جو بايدن قد اكد دعمه العودة إلى الاتفاق النووي، الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، لكنه أصر أن تستأنف طهران أولا التزامها الكامل بالاتفاق وأن تتراجع عن جميع الإجراءات التي اتخذتها احتجاجا على العقوبات الاقتصادية القاسية التي فرضت عليها، والرئيس بايدن منهمك منذ توليه الرئاسة بالتفكير والبحث عن مجموعة من الأفكار حول كيفية العودة الى الاتفاق النووي من جديد ، تساعد على تخفيف تدهور العلاقات بين البلدين والتي طبعت اثارها على المنطقة بعد إعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق عام 2018 والذي أحدثت خسارته في الانتخابات هزة دول المنطقة وخاصة في السعودية والإمارات والبحرين التي فقدت حليفا وداعما اساسياً لها ، إن الاستراتيجية الامريكية الحالية بوضعها الراهن لا تُجبِر إيران على قبول اي شروط للتفاوض مع الادارة الأمريكيَّة الجديدة، التي تعتمد على العقوبات الاقتصادية كرافعة أساسية، والتي يعتقدها الإيرانيّون أنها ضغوط ضمن حرب نفسية تشنُّها الولايات المتَّحدة وتفتقر إلى آليَّات أخرى، مما دفع واشنطن بالبديل وبالتفكيرباستخدام استراتيجية “الأقل مقابل الأقل”،والتي ترفضها طهران لعدم وجود مبرر في ذلك لانها هي ملتزمة بالاتفاق حرفياً بشكل كامل وقرار ترامب بالانسحاب، وفرضه العشرات من العقوبات على إيران لن ينسى بسهولة و تؤكد بانه نظرا لان امريكا هي الطرف المنتهك للاتفاق النووي وان خفض ايران التزاماتها جاء ردا على الخطوة الامريكية غير القانونية، فان اي خطوة من جانب طهران ستجري بعد إلغاء الحظر. و تريد من واشنطن دفع مليارات الدولارات من الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها بسبب هذا الانسحاب والتي جعلتها التركيز على الاستثمار في البنية التحتية لاقتصاد المقاومة من أجل تنويع الاقتصاد بطرق أكثر تطلعاً بالاعتماد على الداخل وأقل اعتماداً على التجارة الخارجية، لاسيما مع الغرب. و إيران اليوم قريبة من حافة الانتصار النهائي والصمود واستدامة السياسة الاقتصادية للمقاومة على المدى البعيد وبعيدة عن حافة الانهيار بأي شكل من الأشكال حسب التوقعات وترفض بأقتدار” خطوة مقابل خطوة ” لانها نفذت المطلوب منها في الاتفاق بشكل سليم واجبرت الترويكا الأوروبية تخليها بالدليل عن طرح مشروع قرار على مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية تدعمه الولايات المتحدة وينتقد ايران على تقليصها عمليات التفتيش المرتبطة ببرنامجها النووي والذي نفذتها ايران بشكل كامل دون التزام الاطراف الاخرى، و المتوقع أن تشهد البلاد تعافياً اقتصادياً في 2021، وتعمل ايران بصورةٍ متزايدة على إنتاج أنواع البضائع التي كانت تستوردها من قبل من الخارج، و تلجأ الشركات الكبيرة والمتنامية إلى توظيف طاقاتها لتعزيز هذا المفهوم ونجحت في التغلب على الحصار الأمريكي المفروض عليها وهي على يقين بأن سجل المفاوضات الأمريكية والأوروبية سيكون لصالحها و لن ترضخ للضغوط إلا بالإصرار على برنامجها النووي ولن تقبل اي شروط لتمتثل لتنازلات محددة إلا عبر إطار عمل متفق عليه مثل اتفاق العام 2015 ولن تغيير أيٍ من سياساتها.
لكن ان تطلعات الهيمنة الأمريكية باتت تمثل عبئاً كبيراً على أمريكا نفسها والشعب الأمريكي، ولا يستطيع الرئيس الجديد جو بايدن التخلي عن سياسة أسلافه في التورط في النزاعات الدولية وينقذ أمريكا منها ،لانها تحتاج الى جرأة كبيرة وهو يرث استراتيجية أمريكية كبرى طويلة الأمد، يتعذّر إصلاحها بمجرد إدخال تعديلات سياسية طفيفة باهتة لا تغي ولم تأتي بأكلها على مدى العقود الـ3 الماضية وانما لترطيب الاجواء المتشنجة بطرق مبطنة ، حيث واصل الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون -بمن فيهم ترامب- توسيع حروب الولايات المتحدة والتزاماتها الدفاعية، وحجم انتشار قواتها، سعياً لتحقيق الهيمنة الأمريكية العسكرية في جميع أنحاء العالم، بدلاً من الاكتفاء بالدفاع عن أمنها الخاص .
والسؤال المهم والذي يشغل اذهان الكثيرين هو هل يستمر بايدن الرئيس الجديد بمعالجة الأولويات الملحة في الأيام والاشهرالقادمة -المتمثلة في إصلاح الديمقراطية المتضررة في الداخل والسيطرة على جائحة فيروس كورونا وإنقاذ الدبلوماسية الأمريكية التي ازدادت فشلا في زمن ترامب الرئيس الكارثي للولايات المتحدة الامريكية و سيجد أعباء الهيمنة العالمية ترافقه وهي تتعارض مع ” أولوياته وأهدافه “التي تتطرق اليها في فترة الانتخابات ، والتخلي عن الوفاء بتعهداته بإنهاء الدعم الأمريكي للتدخل السعودي في اليمن، وخفض مبيعات الأسلحة لها، وإعادة تقييم المساعدات للكيان الصهيوني و ثمة هناك حاجة إلى اتخاذ الإجراءات الجذرية والسريعة لإنقاذ الدبلوماسية الأمريكية المتورطة في الشرق الأوسط .