الحرب الاعلامية الغير موفقة التي يشنها ترامب ليست إلا حرب نفسية استفزازية لتخفيف الخيبة التي يشعر بها جراء التحدي الكبير الذي واجهته ايران بها بكل قوة وبحكمة دون اي اهتزاز للثقة العالية التي تتميز بها اذا كان يتصور ان في مواجهة ايران سيجد الظروف الى جانبه وان الخوف قد ملء قلوبهم رهبة والطريق من السهولة التي ترعب شعبها لان الولايات المتحدة في مواجهتها وكانها لم تجرب حظها سابقاً معها.
لا شك ان طهران صارت أقوى بكثير من السابق بالاعتماد على العقول والكفاءات التي تعمل من اجل الوصول الى مرحلة الاعتماد على الطاقات الذاتية التي حيرت الصديق والعدو وان العقوبات المفروضة عليها قرابة 40 عاماً كانت رحمة من اجل الوصول للاهداف المرسومة دفعتهم بالاعتماد على كل شئ في الداخل . أن التصعيد الكلامي لترامب لا يعكس ميولا مقلقة للغاية في سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران انما هي زوبعة يراد منها جني ثمار خطابات الرئيس الامريكية خلال حملاته الانتخابية قبل وصوله الى البيت الابيض ، رغم ان فكرة تغيير النظام في ايران قد ترسخت في واشنطن إلأ انها تفتقر الى المصداقية لانها اعجز مما تكون في تنفيذ هذه الهلوسة او الجنون. و قد يرى البعض من المحللين ان هذه السياسة لا تجر معها الحرب إلى المنطقة في نهاية المطاف وواشطن تعرف حق المعرفة هذا الامرالغير الممكن . لان مثل هذه الحرب اذا ما وقعت ستكون كارثة إنسانية وسياسية ذات أبعاد عالمية خطيرة ، كما هو معلوم وايران سوف لن تدخر جهدا في استخدام كافة امكانياتها العسكرية والتصنيعية للدفاع عن نفسها وعلى استعداد تام لذلك، وهو ما صرحت به أكثر من مرة ولكن لا تريد الحرب إلأ في حالة الدفاع عن نفسها اذا ما اجبرت عليها.
هذه التهديدات أدخلت المنطقة العربية في حالة من الترقب الحذرووالد الخوف في قلوب حكامها واهتزت العروش ومن هنا دعى العاهل السعودي سلمان عبد العزيز الى عقد قمة عربية لهذا الغرض في نهاية الشهر الحالي ، لا سيما بعد الرد الإيراني بأن المعركة لو حصلت فإنها ستشمل المنطقة بالكامل وحذرت واشنطن من “اللعب بالنار” ومن هنا عرف ترامب بانه قد اخطأ التقديرات ووقع في فخ بعض من مستشاريه مثل وزير خارجيته بومبيو وجون بولتون . وفي تصريحات جديدة والتي اعتبرها بعض المراقبين بأنها تصالحية، أعلن ترامب ارقام هواتفه للاتصال به وانفتاحه على التفاوض مع إيران بشأن اتفاق جديد ، على اعتبار أن الاتفاق الذي أبرمته الإدارة السابقة كان كارثة حقيقية والرفض القاطع بعدم التفاوض من القيادة الايرانية ولان الزمن لا يمكن ان يعود الى الورا ء كما كانت في زمن الحرب العراقية الايرانية التي شنها صدام ضدهاعندما خطط الغرب وبعض الدول النفطية الخليجية مع النظام البعثي لضربها ثم انقلبت الامورحين دخل صدام الى دولة الكويت حيث وقفوا مع الكويت لطرد الجيش العراقي منها.
اما الان فقد تيقن العالم بأن ترامب في موقف لايحسد عليه ..مع ان المصيبة مع رجل غير قابل للتوقع أو الضبط مثل ترامب فإن احتمالات الصفقات ومخاطر الحروب متساوية جدا كما يحلو لبعض الخليجيين للاحتماء بالولايات المتحدة وإسرائيل وإشاعة القول بأنهما ـ أي واشنطن وتل أبيب – يمكن أن يتصديا لقوة ايران “الذي يهدد المنطقة ” كما يشيعان .
ويستشهدون على ذلك بأن أمريكا أنجدتهم من الخطر العراقي خلال العقد الأخير من القرن الماضي يعني صدام وحزب البعث.
أن إدارة ترامب التي تفكر على أسس تجارية لا سياسية تريد على الأغلب ابتزاز دول الخليج عبر “إشعارها بأن الخطر الإيراني يتصاعد “وعبر عويلها بأن الولايات المتحدة هي المتصدي الوحيد لهذا الخطر وتريد استغلال الامر من اجل حلب هذه الدول وابتزازهم، وعليه فإن المكاسب التي تجنيها هذه الدول من عودة أسعار النفط إلى الصعود ستدفعها إلى أمريكا بشكل أو بآخر، ليصبح الأمريكيون بذلك هم المستفيدون من ارتفاع الأسعار ومن هبوطها على حد سواء. … ورغم ايقان البعض أن رئيسا كدونالد ترامب قد يحتاج انزلاقا صوب الحرب لوقف هجمة الداخل عليه تماما كما أن “إسرائيل” قد تجد الآن الوقت مناسبا للتحرك اعتقادا منها أن جزءا من العرب مدمر وجزءا آخر ينشد العلاقة معها.
إلأ ان اكثر الاحتمالات تؤكد بأن الولايات المتحدة لن تخوض حرباً مع إيران، ولا تستطيع أن تخوضها، لأن حرباً كهذه تشكل تهديداً للسلم العالمي ولسوق النفط العالمي بأكمله، فضلاً عن أنها يمكن أن تغير خريطة المنطقة، إضافة إلى أنها لا يمكن أن تنتهي إلى تحقيق مكاسب لاحد، وللحقيقة ان الطرفين ايران والولايات المتحدة الامريكية لا يريدان الحرب انما هناك طرف ثالث يدفع للحرب وهوي اللوبي الصهيوني .والتصعيد والتوتر والأزمة الكلامية والسياسية هذه التي نشاهدها فهذه يمكن أن تؤدي للعديد من المكاسب للأمريكيين كي يحصدوا الاموال لانها كما تدعي بأنها تحمي هذه الدول ، وأغلب الظن أن الأزمة الراهنة لن تخرج عن هذا المسار ولن تتجاوز هذه الحدود. و واقع الحال وحقيقة الموقف هو أن أمريكا لن تحارب إيران هذه المرة، وإيران أصلاً ليست خطرة على المنطقة وهي تعرف حق المعرفة ، وعليه فإن تلك النظرية غير صحيحة برمتها وواشنطن لوحدها وبكل جبروتها تحسب ألف حساب لمثل هذه الحرب وتخشى رد فعل عسكري ايراني وصواريخها والتطور التسليحي و تمتلك ترسانة أسلحة متطورة قادرة على قلب المنطقة رأسا على عقب، ولذلك فإن المواجهة العسكرية المباشرة والمفتوحة مع طهران تعني بالضرورة تهديد العديد من دول المنطقة والحرب تعني ما لا تقبل به على الأغلب الولايات المتحدة ولا دول المنطقة من ثم فإن الاتفاق مع إيران الذي وقعت عليه ألمانيا وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا ابقت الولايات المتحدة وحيدة بعد الانسحاب من الاتفاق، وعلى لسان الرئيس الايراني الشيخ د حسن روحاني ان ايران غير مساعدة للتفاوض مع امريكا ولن تستسلم ابداً لغطرستها وجعلت الثقة بالسياسة الأمريكية على المحك من جانب حلفائها الأوروبيين و لان دول المواجهة من الجانب المقابل مثل الصين وروسيا خاصة التي وقعت على الاتفاق النووي تنظر الى ان الحرب سوف تكون بقيمة مصالحها ولا تؤيد مثل هذه الحرب ولن يقفوا مكتوفي الايدي للحفاظ على مصالحهم ولن تهمهم السياسة الامريكية في زمن ترامب لان الحوار معها سم اما في زمن ترامب فانه سم زعاف.