23 ديسمبر، 2024 8:16 م

لابدّ وسينعكس على الداخل العراقي .. الروس والصينيّون لعبوها بذكاء ….

لابدّ وسينعكس على الداخل العراقي .. الروس والصينيّون لعبوها بذكاء ….

لم يكن الرئيس الكوري الشمالي الشاب كيم جونغ أون مخطئاً أو متهوّراً كما يحلو للبعض أن يصوّره ولا مجنوناً مثل ما يحلو للبعض الآخر إطلاق هذه الصفة عليه في تهديداته الأخيرة للولايات المتّحدة الأميركيّة .. كما ولا هي , كوريا الشماليّة , بذلك المستوى من الضعف ليقوم البعض بحملة تهكّم واستهزاء بقدراتها العسكريّة المتطوّرة متناسياً أنّ ضربة كوريّة في العمق الأميركي تعني الشيء الكثير جدّاً للشعب الأميركي علاوةّ على أنّ الغزو الأميركي البرّي لكوريا الشماليّة يعني بحدّ ذاته في تصوّر القادة الأميركيّون أنفسهم انتحاراً أميركيّاً .. فكوريا اليوم هي غيرها تلك الضعيفة أمام الإنزال الأميركي في حرب ترومان خمسينيّات القرن الماضي ومع لذ خسرتها ! علاوَةً على استعدادات احترازيّة كبيرة اتّخذها الشماليون ببنية تحتيّة رصينة من الملاجئ والمخابئ السرّيّة تقي الشعب الكوري ومرتكزاته الأساسيّة والماليّة ضربات نوويّة مهما كان حجمها مع يقين لا يتزحزح استقرّ عليه على ما يبدو الشماليّون أنّ أميركا اليوم وبعد أزماتها الموجعة الّتي سبّبها لها غزوها العراق وما تعرّضت له فيه جرّاء هذا الغزو من انكسارات على جميع الصعد طال تأثيراته صميم الدولة الأميركيّة وصميم هيكليّة بنيويّتها وكذلك ما عانته في أفغانستان لن تستطيع بعدها غزو أيّ بلد مهما كان متواضع القوة الدفاعيّة ولطيلة عقود قادمة فما بالنا بدول تمتلك بنية عسكريّة مؤثّرة كإيران وسوريا وكوريا الشماليّة إلاّ إذا استخدمت التفوّق النووي الّذي تتميّز به وذلك لا يعني شيئاً سوى الانتقام ومسك الختام على الوجود الأميركي نفسه .. وفي نفس الوقت فإنّ انتشاراً برّيّاً عسكريّاً للقوّات الأميركيّة وهو المعوّل عليه فقط في الحالة الكوريّة , على أرض أيّ من هذه الدول , سيكون انتحاراً أميركيّاً حقيقيّاً .. وعليه .. فمن المؤكّد أنّ الشماليّون حسبوا حساباتهم بالتشاور “من تحت الطاولة” مع الصين وروسيا كما يُفترض ذلك المنطق واتّخذوا الإجراءات المناسبة لتلك.. كما ويجب أن لا يغيب عن بالنا الترسانة العسكريّة الضخمة الّتي تمتلكها كوريا الشماليّة والّتي لو قيّض لها أن تتسلّط على الولايات المتّحدة بضربة استباقيّة , فستغرق نصف أميركا بفوضى عارمة لا علاج لها على مدى عقود بينما النصف الأخر ستنهال على مدنه الرئيسيّة صواريخ نوويّة , وذلك لبّ ما يساور القادة الأميركيّون العسكريّون من قلق شديد من هذه الأزمة ويحاولون التقليل من شأنها لتطمين المواطن الأميركي وإبعاد عنه عودة هواجس الرعب أن تتملّكه كتلك التي عرفت “بأزمة الصواريخ الكوبيّة” ..

الروس والصينيّون لعبوها بذكاء فائق لأجل تخفيف الزخم عن الأزمة السوريّة , وذلك ملاحظ جدّاً على العمليّات العسكريّة الأخيرة للجيش السوري وانطلاقها بالتوقيت مع التهديدات الشماليّة لأميركا ولحلفائها وعمليّات الاكتساح الكبيرةالّتي بدأت تضعضع كثيراً المجاميع المسلّحة وفق تكتيكات حربيّة جديدة ومؤثّرة جدّاً بات ينفّذها الجيش النظامي السوري من سماتها استيعاب كامل لحروب العصابات الّتي كان الجيش السوري يجهل خباياها غالبيّة أشهر السنتين المنصرمتين من القتال مما سبّبت له إنهاكاً واضحاً لقواته العسكرية المدافعة عن نقاط تمركزها وانتشارها نظراً للتدريب المسبق لتلك المجاميع على حروب العصابات خاصّةً عندما تقاد من قبل مجموعات قياديّة ساهمت بحروب مماثلة في العراق وفي ليبيا ومن قبلها في أفغانستان والشيشان وفي كوسفو وكرواتيا والبوسنة ..

لا أعتقد أنّ الرئيس الكوري كان يلهو أو يلعب بلعبه الطفوليّة البسيطة الّتي لم يمض عليه وقت طويل من تركه لها ولا تفسير لذلك الاعتقاد سوى أنّه “تلقّى ضوءً أخضراً” من حليفيه المصيريّين روسيا والصين .. بل هو جاد فيما يفعل من تهديدات نهايتها ربّما ولا نستبعد ذلك مبادرته في الهجوم على المصالح الأميركيّة خاصّةً على كوريا الجنوبيّة واليابان ليقين أون وقادته بحكم خبراتهم بطريقة أداء العقل العسكري الأميركي أنّ استعراض القوّة الأميركيّة وتجرّئها لأوّل مرّة باقتراب طائرتيها المتطوّرتين ـ ستيلث “الشبح” الحامل للقنابل النووية , من الحدود الكوريّة الشماليّة استعراضاً للقوة قرأتها الشماليّة على أنّها ليست استعراضاً عابراً بل هو بداية لما بعده تكون نهاية سلسلتها وفق استراتيجيّة “الخطوة خطوة” إملاء شروطها على الشماليون تمهيداً لغزوهم فيما بعد .. لكنّ “الصراخ” الكوري الشمالي بالتهديد وإيصاله” حافّة الهاوية” بالاستعداد للردّ العنيف فاجأ القادة الأميركيّون وهزّهم فعلاً خاصّةً وأنّهم لم يتوقّعوا من فتىً شاب عرف طعم الترف والراحة والرقص الغربي والفتيات الشقراوات سنين عديدة أن يكون بمثل هذا الحماس في الاستعداد للردّ العسكري الشامل تبيّن لهم أنّه مستوعب جدّاً لقدرات بلده العسكريّة الضاربة وسدّ عليهم نوافذ التخمينات بإمكانيّة استغلال قائد شاب بعمره يمكنهم عبر وضعه الخاص البدء بتنفيذ سياسة احتواء كوريا الشماليّة بجدّيّة أكبر من ذي قبل .. كما وأغلق عليهم “أون” سبل التفاوض على سوريا بورقات رابحة عبر تهديدها لكوريا الشماليّة ..

أمّا تأثيره على الوضع العراقي فيما لو تحقّق الغرض الروسي الصيني من التهديد الكوري الشمالي للولايات المتّحدة الأميركيّة فهو إزاحة “نظام” السيّد المالكي عن الحكم وتنصيب نظاماً بديلاً يتوافق ورغبات شيوخ الخليج وعلى رأسهم قطر للالتفاف على سوريا من حدودها الشرقيّة .. يعني إعادة العلاقات بين سوريا والعراق إلى سابق عهدها .. بل أشدّ .. يعني عداوة “تمويل” للمجاميع هذه المرّة بما لم يقدم عليه صدّام حسين نفسه !..