7 أبريل، 2024 11:54 م
Search
Close this search box.

لإنه خليلي : نبات الصّبار

Facebook
Twitter
LinkedIn

(ما سَأرويه هو قَصَصٌ مِن الأَقدَارِ ومَا كَانَ حَصَصاً مِن الأفكَار).
لَعَلِّيَ الأولُ والأخِرُ مَن كَتَبَ عَن عُنفُوانِكَ بِفَخرٍ وإنبِهار..
لإنَّكَ خَلِيلي , نباتٌ ذُو صَبرٍعَتيدٍ , شُقَّ مِن صَبرِكَ إسمُكَ فَنُودِيتَ :
(صَبرٌ, صُبَيّرٌ و صَبَّارٌ).
كنتَ خلفَ عَتَبَةٍ في زقَاقٍ وعَنِ الأنظَارِ مُتَوَار! بَصُرتُكَ عن جُنبٍ كأنّكَ عَابِرُ سَبيلٍ غَلَّفَتهُ النَائِبَاتُ فَتَوَارى لِوَاذَاً عَنِ شَمَاتةِ الأَبصَارِ, وأنتَ الحَفِيٌّ أنتَ , إليِكَ الفَرَائِسُ تُهرَعُ وبِكَ تَلوذُ فلا تَستَجيرُ بَل آنَستَ أن تُستَجَار. وأنتَ الأبِيٌّ أنتَ , ذُو بَأسٍ , فَمَا رَضِيتَ مَقطَناً إلّا فَيافِيَ صَمَّاءَ قِفَار.
سَيِّدُ الأشجَارِأنتَ وأنتَ عِندي قُرَّةُ عَينِها والأزهَارِ !
مَهلاً بَني قَومي…
فَمَا بي من ضَلالَةٍ عَن تذَوِّقِ جمالٍ وتَدقيق , ولَستُ بفَقِيرٍ من تَفَوِّقِ كَمالٍ وتَحقيق , فَلا تعَجَبُوا مِن غَرامِي بِهِ وَالإيثَارِ؟
أَفَمَا رَأيتُم صُمُودَهُ المُنسَكِب في السَّمُومِ وَعَمُودَهُ المُنتَصِب في اليَحمُومِ بإصرَار!
أَوَمَا رَأيتُم هَامَتَهُ لا تَجزَعُ لظَمَأٍ وَقَامَتَهُ لا تَفزَعُ لِلَمَأٍ ولا تَهزَعُ طَويَاً ولا إنكِسَار!
أَوَمَا رَأيتُم تَجَلُّدَهُ بِلا ماءٍ حَولاً فَحَولاً ثمَّ حَولاً فَلا يَغتَمُّ بِأفَفٍ ولا يَنهَار !
أَوَمَا رَأيتُم جُفُونَهُ كيفَ إكتَفَت بِبضعِ حَبَّاتِ غَيثٍ بِإنهِمَار!
أَوَمَا رَأيتُم عُرُوقَهُ كيفَ إحتَفَت ترتَوِي وتَغتَسَلُ بلا طَمَعٍ وَإكتِنَازٍ وَإدِّخَار!
أَوَمَارَأيتُم هَيأتَهُ وَكَيفَ عَفَت عن تَزَخرُفٍ , فَلا تَكَلّفَ ولا إستِجدَاءَ لإنبِهَار!
رَاسِخُ خليلي وهُوَ في الأَرضِ ومُستَقِرٌّ بِإقتِدَار.
نَاسِخٌ هُوَ ومُستَنكِرٌ مَا حَولهُ مِن إنغِمَارٍ فِي غُدُوٍّ وإنتِشَار.
مُتَشَفِعٌ هُوَ بِجَلَدِهِ أَمَامَ رِيحٍ عَاصِفٍ بِلا إهتِرَاءٍ أو إدبَار.
مُتَرَفِعٌ هُوَ وَسَلَمٌ عَن وَطِيسِ مَن حَولهُ مَابَينَ خُسرٍ مُهلِكٍ وعُسرِ في إنتِصَار, لَكَأنّي بهِ يَسخَرُ مِن بَأسِهمُ بِأشواكٍ ضَئيلَةٍ تَتَحَدَّى كُلَّ إستِنفَارٍ قِبَلَهُ بِإحتِقَار .
مُتَمَنِّعٌ عزيزٌ هُوَ ومِن نَسَبٍ تَسَامى عَن إستِغَاثَةٍ أو إستِنصَار.
وَلَقَد بَصُرتُهُ أنَا عَن جُنبٍ وَكانَ – ياقَومِ – عَن الأنظَارِ مُتَوَار, هَمَستُ فِي مَسمَعِهِ بِلَوعَةٍ وَإعتِذَار:
إيِهٍ , يَا سَيِّدَ الأزهَارِ عِندي وَالثِّمَار , أيُّها الصَيدَلِيّ في صَحرَاءَ خَلَت من غِذاءٍ وشفاءٍ وإزدِهار :
لكَأنَّكَ قَصَدّتَني إلى بَغدادَ ضَيفَاً رَغمَ أهوَالٍ وأَخطَار؟ فَضَلَلتَ السَّبيلَ فَأصَابَكَ أهلُ المَدينَةِ بِشِرَاكٍ مايَنبَغي لهم نَصبُها بِلا إضطِرَار, فَلا هُمُ إِستَقبَلوكَ بِوِدٍّ بعدَ تِرحَالٍ وَأسفَار , ولا إِستَدبَروكَ بِنِدٍّ وَإِنكَار, بلِ إِحتَكَرُوكَ وذاكَ دأبُهم ومَيلٍ فيهمُ فِي جَمعٍ وَأحتِكَار.
مَالِ مُقلِ عُيونِكَ في جَوىً تَتَأفَفُ وتَبُوءُ بِخَضَضٍ وأَسرَار!
مَالِ عُقَلِ خُدُودِكَ في أسَىً تَتَعَفَفُ وتَنُوءُ عَن فَضضٍ وإِشهَار؟
يَا لِمَثلَبَةِ مدينَةٍ خَفَرَت جَبِينَكَ فَأضحَى حَالِكاً فَتَوَلَّى عَنهُ بريقٌ وإخضِرَار ! ويَا لِشَائِبَةٍ وَضِيعَةٍ كَفَرَت بَدَنَكَ فأمسَى سَالِكَاً لِجِراحَاتٍ تَجَلَّى فيه وَجَعٌ وأضرَار!
هَلُمَّ مَعي , حَلَلتَ وَنَزَلتَ سَهلاً وبِكَ أزهو سُمُوّاً بإِفتِخَار. سَتَجِدُني عَلى رِعَايَتِكَ -إن شَاءَ اللهُ – قَائِماً فِي عَشِيٍّ وإبكَار, وتَبَّاً لِمَن تَقَلَّبَ مِن أهلِ مَدينَتي في سَوءَةِ صَنيعهم فيكَ وَصَغَار. فَحَمَلتُهُ فَوَلَّيتُ بهِ شَطرَ مَسكَنِي, فَأتَيتُ بِهِ ذُريَّتي بِبَهجَةٍ وإستِبشَار, فغَرَسنَاهُ بحَفاوَةٍ حَذوَ تَوأَمِهِ في الشّمُوخِ والإعتِبَار, حَذوَ نَخلَتنا , هيَ تَوأَمي فِي رُّزْنَامَةِ الأيَّامِ والأَعمَار . وإنطَلَقَ خَليلي الصَبّارُ يَتَعَافَى بِإحتِفالٍ مِنّا وإِكبَار, وَيَتَلافَى ندبَ وقَهرَ أَهلَ المَدينَةِ ومَا لَقِيَهُ مِن أستِهتَار, وَعَجَبي!
فإن هي إلّا أيّاماً مَعدُوداتٍ حَتى وَهِبَني زَهرَةً آخَّاذاً لَونُها مُكتَحِلَةً بِخُيوطٍ من بَياضٍ ناصِعٍ , وَإخضِرارٍ واقعٍ , وفَاقِعِ إصفِرار, كأنّي بهِ لَم يَصبِر على مُكافأتي وهوَ الصّبّارُ حَتى تَلتَئِمَ جراحَاتٌ ألَمَّتهُ وَأوزَار , فوَهَبني نَفيسَ مُلكِهِ: زَهرَةُ الصَّبارُ.
أَفَكُنتُ ضَالّاً – بني قومي – يَومَ إنتَخَبتُهُ سَيِّدَ ساداتِ الأشجَارِ كُلِّها وَالأزهَار؟
فَأبصِر بِهِ مِن واهبِ زَهرَةٍ لِي وأسِمِع بِهِ مِن إختِيَار.
وَأَنعِم بِهِ مِن صَاحِبِ شُهرَةٍ لي , وأَكرِم بِهِ مِن إعتبار :
ذاكَ هو خليلي الأهَم الأشَمُّ : الصَبَّار.
*****************
نَبَاتُ الصَبَّار يدعونه : صَيدَلِيّ الصَحرَاء لِكَثرَةِ فوائدِه.
(لَمَأَ: يَلمَأُ ، لَمَأً, ولَمَأ الشيء : أخذه كله) , (حَصَصاً:حَصَّ, يحص، حص الشعر: تساقط ).

 

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب