عانت الدولة العراقية في المرحلة السابقة من العشوائية، وغياب البناء المؤسساتي لمركزاتها، حيث أصبح التقييم والتعيين، يستند إلى عنصر الولاء لشخص الحاكم، وتم تغييب الكفاءة والنزاهة والاختصاص والقدرة وحتى الشهادة في بعض الأحيان، مما ولد كادر شبه أمي يقود مؤسسات الدولة، بدون أي خطة أو برنامج أو رؤية إستراتيجية، لذا كانت النتائج كما هي ألان، فساد مشرعن ومقنن، إفلاس يهدد حياة المواطن البسيط، مؤسسات تعيش حالة من الضياع والعشوائية وغياب السيطرة علي منسوبيها.
حصل التغيير، كأحد خيارين ضياع البلد والذهاب به إلى المجهول، أو التغيير الذي يمتلك القدرة على المعالجة، والتصدي لمرحلة ما قبل الضياع النهائي للبلد، فعلا بدأت الحكومة والبرلمان الحاليين بخطوات إلى الأمام، أبرزها كشف عدد من ملفات الفساد، تشكيل لجان لغرض الكشف عن أحداث خطيرة، خلفت نتائج كارثية على الوطن والمواطن، معالجة عدد من الملفات المتعلقة بعلاقات العراق الإقليمية والدولية، وأيضا وضع حلول أوليه للمشاكل الداخلية بين مكونات الطيف العراقي، هذا منح المواطن العراقي بصيص من الأمل، في تجاوز محنة الأمس، والانطلاق نحو الغد، بدولة خالية من الأمراض المستعصية التي تهدد وجودها.
لكن هناك ملفات مهمة تثير استغراب المواطن العراقي، أهمها ملف الهيئات المستقلة والدرجات الخاصة، المعروف أن الهيئات المستقلة تشكل ركيزة مهمة من ركائز بناء الدولة، كالبنك المركزي، والهيئة الوطنية للاستثمار وغيرها من الهيئات، التي تشكل مفاصل رئيسية في الملف الاقتصادي الذي يعاني في العراق، لكن الإبقاء على نفس الأشخاص السابقين، ممن تم توليتهم هذه المناصب تقدير لولائهم، وخضوعهم لرغبات الحاكم وحاشيته، ولم يتمكنا من أداء أي من المهام الموكلة بهما، يعتبر خلل كبير لا يتماشى مع أهداف التغيير.
أيضا أمانة بغداد، هذه المؤسسة التي تعني بخدمات أبناء العاصمة، وإطلاله العراق على العالم، لازالت تحت إدارة شخص لا يمتلك القدرة على إدارتها، إضافة لابتلائه بمرض لا يمكنه معه السيطرة على أفعاله، فضلا عن أقواله، لذا تحول إلى محطة لاستهزاء الإعلام..!
الدرجات الخاصة في كافة وزارات الدولة ومؤسساتها الأخرى، هذه الفئة التي تم اختيار معظم شخصياتها، بناء على نفس القاعدة الأنفة الذكر، وبالتالي شكلت
حلقة مهمة ومفصلية في الفساد والإفساد، لذا من المستغرب إهمال هذا الملف الرئيسي في عملية التغيير، والانطلاق إلى الأمام لتجاوز مشاكل الماضي.
هناك أحاديث عن إجراء عمليات توازن، بين المكونات في توزيع هذه المواقع، وحديث آخر عن تعهد رئيس الحكومة لحزب الدعوة، بعدم تغيير الشخصيات المنتمية لهذا الحزب في هذه المواقع.
أي المبررات لا يصمد أمام واقع حكومة، يراد منها تصحيح مسار، لا يوجد فيه أي مسلك نموذجي أو حتى مقبول، فالتوازن وان كان مهم لطمئنت الشركاء، لكن لا ينبغي أن يأخذ من وقت الإصلاح كل ما مضى من الزمن.
أما تعهد رئيس الحكومة لحزبه، يعني أن التغيير قد تم وأده من قبل صاحب التغيير نفسه، كون الأشخاص المراد الإبقاء عليهم، يمثلون رؤوس الفساد السابق لتمتعهم بالحصانة سابقا، وهي نفس الحصانة التي تريد الإبقاء عليهم في مواقعهم الحالية، كل هذا يفرض على التحالف الوطني تكثيف حواراته، وإنهاء هذه الملفات بالسرعة القصوى، قبل أن يفقد التغيير زخمه، وتنتقل أمراض السابق إلى ألاحق…