22 ديسمبر، 2024 7:22 م

مع كل هجوم نسمعه يقرأ القرآن بصوت جميل، يعلو صوته كلما يعلو صوت القذائف..
يبدو أن أحد خطباء الدواعش قد أغضبه عندما قال: (الحشد الشعبي مأوى للفقراء) فراح يردد دائماً: إنه حشدنا نحن أبناء الفقراء..
صحت به:_ أحمد، ما هذه المشاعر الخشنة، فخجل واعتذر، الحرب تجعلنا قريبين من بعضنا حد التعالق الروحي.. يؤكد أحد الأصدقاء أن أحمد ليس فقيراً كما يدعي أنه غني، ويملك أعمالاً وأموالاً، لكنه تعرض لهزة نفسية اثر استشهاد زوجته وابنته في انفجار انتحاري، ورغم هذا عرفت انه عاش طفولة بائسة، الحنق الطبقي موجود في صدر طفولته، معلمة تطلب من التلميذ أن يترك رحلته لزميل آخر؛ لكونه ابن ذوات، رفض الطفل هذا التميز الطبقي رغم نعومة أحاسيسه، ولكن القسوة جعلته يرضخ للجلوس في آخر الصف.

يمتلك صديقي احمد هاشم عباس روحاً قيادية وثابة، قادرة على تخمين جميع تحركات العدو تخميناً دقيقاً، وله طرق خاصة في اقتناص العدو وطرق متطورة في التخفي عن قناصيهم، يبدو أن التفكير في اعادة التجربة الأسرية، وتكوين عائلة جديدة لا تشكل في عقل احمد هاشم شيئاً سوى التخلص من الحاح الناس، كيف لي أن أهنأ بعرس بعد فقدهما، هؤلاء الدواعش يقتلون الناس، ويكبرون لله..! لأي إله يكبّرون؟ لو يعرفون الله ما قتلوا زوجتي وابنتي، أي دين أجاز لهم قتل بيتي، وأي عروس مسكينة ترضى أن تدخل بيتاً ذبحوا سيدته وابنتها.. عرف أحمد بموهبة صدق التخمين حتى صارت توقعاته تؤخذ بعين الاعتبار، لكنه لا يثير قلق أحد بل يشحذ هممهم..

:_ كيف تتنبأ يا أحمد؟

:_ أنا لا أتنبأ بشيء، لكني امتلك الفراسة القادرة على قراءة حتى الصمت، والتخمينية من الوسائل الدفاعية الناجحة، فلكل هجوم عدته ووسائله الخاصة..

صمتت المنطقة المواجهة وخلت من أي مقاومة أو مناوشات حتى اعتقد البعض انهم انسحبوا او ربما قللوا تواجدهم.. حذر احمد الجميع بما فيهم قادة الفوج..

:_ هذا كمين مدروس.

نظر بوجه الآمر وقال:_ عذراً.. فأنا أعرفهم اكثر من غيري، الطرق العادية رتيبة الاداء ولا تخدمنا..

:_ ولماذا تسميها رتيبة؟

:_ لأنها دائماً تشكل ردة فعل، ونحن هنا نطمح لصناعة فعل قتالي..

كان الآمر واغلب القادة معجبين بهذا الحماس الوطني والقراءات المدروسة من قبله ويتوقعون منه خيراً..

همست في أذنه:_ لهفتك للقتال تخيفني يا أحمد، ما زال فيك الطفل الرافض أن يترك رحلته لغيره، ما زال جرح فراق زوجتك وابنتك بهذه الطريقة البشعة التي اختارها داعشي لطخ الدنيا بالدم والخراب.

لم يعرني أهمية، وراح يرتل القرآن بصوته المؤثر، قلت مع نفسي: الله أعلم ماذا يضمر هذا الاحمد هاشم وابتسمت لحالي، أفكر في أمره حد الهم، ماذا يريد من حياته الباقية وهو بعده في عز الشباب، لمن سيترك بيته وماله ولا أحد بقى عنده، وما أن استراح قليلاً حتى سألته: ما الذي حدث؟

:_ لاشيء.. قل ما الذي سيحدث؟

:_ ما الذي سيحدث يا أحمد؟

:_ إنهم يخططون لهجوم كبير على مساحة محددة، كل الذي يسعون اليه أن نترك لهم الطريق الأيسر؛ لكونه منفذاً مهماً، لفك الحصار عن قوة لهم محاصرة بين أربع جهات ولا منفذ لها سوى هذه المنطقة، فلذلك سيحشدون كل ما يقدرون عليه..

:_ وهل أبلغت الآمر بشيء؟

:_ نعم، واحترم تخميني رغم أني لا أملك برهاناً على الواقع.

:_ لماذا؟

:_ لأنه بعد لم يصبح واقعاً..

هل يمكن لإنسان أن يمتلك النبوءة عبر قوى غيبية تخبره بما سيحصل أم انها فعلاً توقعات هواجس مدركة.. وفعلاً استجاب الآمر لهذه التخمينات، وأعد العدة والقوة لدفاع متمكن، ورغم هذا يرى أحمد أن الهجوم سيكون أكبر مما يظنون، لكننا سنصده بعزم ابي، وحدثت جميع توقعاته، فكان الهجوم كبيراً وانتهت زوبعته بتضحيات ليست قليلة، لكنه كان دفاعاً اسطورياً أدهش الدواعش، كانت جراح أحمد خطيرة، قلت له وأنا أودعه: أحمد، لا تتركني وحيداً هنا..

قال:_ لا تخشَ عليَّ شيئاً، الأهل بانتظاري الان، وكل ما املك في الدنيا تبرعت به للوطن لحشد الشعبي، ولم يبقَ أمامي سوى الرحيل الى كربلاء.