23 ديسمبر، 2024 12:33 م

يتعرض العراق لهجمة شرسة تقودها قوى عالمية وإقليمية وداخلية خفية بهدف تعميق الفتنة الداخلية ، وتأجيج المواجهة المذهبية الطائفية في الشارع العراقي ، ووضع آخر مسمار في نعش السلم الأهلي والاجتماعي ، وسرقة ثرواته الطبيعية ، وطمس معالمه التاريخية والحضارية ، وصولاً إلى تقسيمه وتجزئته لثلاث دويلات متنازعة . وهو منذ سنوات يواجه مخاطر جدية تستنزف قدراته البشرية وتعطل عملية التنمية والإصلاح والبناء فيه ، وتضعه أمام أزمات متشابكة ومعقدة .

لا ريب أن الأحداث والتطورات المتسارعة في العراق ليست معزولة عما يخطط للمنطقة من قبل أمريكا وإسرائيل وحلفائهم سعياً لتغيير خريطة الشرق الأوسط ، فهي تأتي ضمن المشروع التقسيمي والتفسيخي الطائفي والمذهبي الذي فشل في سورية وانهزم تحت أقدام الجيش العربي السوري ، وبفضل التفاف شعب سورية حول قيادته السياسية والتاريخية الشرعية ، وتأييده الجارف لبشار الأسد ونظامه في الانتخابات الأخيرة .

إن الاجتياح الداعشي الواسع للمحافظات العراقية وسيطرة جماعات الإرهاب والتطرف والتشكيلات الدموية التكفيرية على الموصل وتكريت وغيرها من المناطق ، وما يقوم فيه الداعشيون من جرائم فظيعة وقتل الناس دون سبب ، وإعدام من يعتقدون إنهم من خصومهم ، وصلبهم على أعواد المشانق في الشوارع ، عدا عن تفجير الكنائس والاعتداء على المسيحيين وتهجيرهم ، وهدم تماثيل رجالات العلم والفكر والثقافة كتمثال أبي تمام ، واغتصاب نساء عراقيات يرفضن ممارسة جهاد النكاح ، ومحاولات فرض قوانينهم ونظامهم وفكرهم الظلامي الأسود لأجل تأسيس ” دولة الخلافة الإسلامية ” وغير ذلك من ممارسات غوغائية . ناهيك عن نظام المحاصصة الطائفية السائد في العراق الذي جعل البلاد فريسة لأوكار الإرهاب الداعشي الوهابي وللفساد المستشري وللصراع المذهبي المتفاقم والمتزايد . كل ذلك يهدد حاضر العراق ومستقبله وكيانه المستقل ، ويتهدد الشعب العراقي بكل شرائحه ومكوناته القومية والدينية والمذهبية والعقائدية ، وستكون مناطق العراق كلها مشرعة أمام قوى الإرهاب والتطرف ما لم يرتق الجميع إلى مستوى المسؤولية الوطنية .

في الحقيقة إن ما يشهده العراق من اجتياحات واحتلالات داعشية يتحمل وزره رئيس الوزراء نوري المالكي الذي فشل في إدارة النظام السياسي العراقي ، وتغليبه النزعات الحزبية والمذهبية على الوحدة الوطنية العراقية بإتباعه سياسة

المحاصصة ، التي عمقت التشرذم الداخلي والانقسام المذهبي والسعار الطائفي الذي ترافق مع فساد النخب السياسية العراقية .

الواقع المرير الذي يعيشه العراق في هذه الأيام يتطلب حشد وتجميع كل الطاقات والكفاءات وتوحيد جميع القوى السياسية الوطنية والمدنية والديمقراطية العراقية ، بهدف حماية استقلال وسيادة العراق وإنقاذه من براثن الفتنة الطائفية البغيضة ولمواجهة القوى الإرهابية التكفيرية المتطرفة بكل مسمياتها ، وإفشال مخططاتها الظلامية في العراق والمنطقة . فالمخاطر تتهدد جميع العراقيين دون استثناء ، والجميع مطالبون الارتقاء إلى مستوى المسؤولية الوطنية والتاريخية لأجل عراق موحد ، وشن النضال الدؤوب وخوض المواجهة الحقيقية ضد قوى التكفير التي تريد إعادة العراق لدياجير الظلام ، ولكهوف البؤس والفاقة والجهل والتخلف .

إن الابتعاد والتخلي عن منظومة المحاصصة الطائفية ، وتشكيل حكومة توافق وطني أو حكومة اتحادية ائتلافية جديدة تعتمد مبدأ المواطنة والحقوق المشروعة في حل المشكلات والمعضلات القائمة ، هو السبيل الوحيد القادر على إخراج العراق من أزمته ومحنته الراهنة وووقوفه بوجه أعاصير التقسيم والتجزئة .