مصانع العراق ومعامله تسكنها الأشباح
تولي حكومة السوداني اهمية كبيرة جدا لقطاع الصناعة , و-سلطت تقارير صحفية الضوء على الجدية بمحاولة إعادة تشغيل مكائن المصانع في العراق، وواصفت الحديث عن عودة الصناعة الوطنية في العراق إلى عهودها السابقة ما قبل 2003، حديث يتقاذفه التشكيك والجدل رغم الخطط الحكومية, ورغم الخطط والمحاولات التي قامت بها الحكومات المتعاقبة على البلاد ما بعد الاحتلال، للعودة بالصناعة العراقية إلى سابق عهدها، إلا أنها لم تستطع من تحريك ماكنات الإنتاج للعمل مرة أخرى ما عدا استثناءات لا تشكل أكثر من 2% من المجموع العام,وكان مجلس الوزراء قد أقر توصيات المجلس الوزاري للاقتصاد لسنة 2023، خلال الجلسة الاعتيادية .التوصيات تهدف، وفق بيان لمكتب رئيس مجلس الوزراء، إلى تنشيط واقع القطاع الخاص، “مع الأخذ بعين الاهتمام رأي الدائرة القانونية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء, ابرزها شطب مبالغ رسوم المهنة ورسوم إجازة البناء المتحققة بذمة المشروعات الصناعة.مبالغ الغرامات المتحققة بذمة الشركات التجارية الخاصة الناتجة عن تطبيق المادة (217) من قانون الشركات رقم (21) لسنة 1997 المعدل., مبالغ الغرامات المترتبة بذمة المكلفين الناتجة عن تطبيق المادة (30) من قانون ضريبة العقار رقم (126) لسنة 1959، والمادة (56) من قانون ضريبة الدخل رقم (113) لسنة 1982، والمادة (8) من قانون ضريبة العرصات رقم (26) لسنة 1962، شريطة تنفيذ المكلف التزاماته المشار اليها آنفًا خلال مدة (3) أشهر عمل بدءًا من تأريخ إصدار هذا القرار. تخفيض وزارة النفط أسعار الوقود والطاقة للمشروعات الصناعية والمعامل والمصانع الإنتاجية والمخازن المبردة والمجمدة للفلاحين.وتأليف نافذة واحدة في وزارة الصناعة والمعادن تضم ممثلين عن وزارات (المالية/ دائرة عقارات الدولة، والإعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة، والصناعة والمعادن/ دائرة التنمية الصناعية وأمانة بغداد) لا تقل درجتهم عن مدير عام، إضافة إلى ممثل عن اتحاد الصناعات العراقي، يخولون صلاحية الوزير المختص أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة المحددة قانونًا كلما كان ذلك ممكنا، تتولى تسهيل إجراءات تخصيص الأراضي للمشروعات الصناعية. منح المشروعات الصناعية القائمة الحاصلة على إجازة استثمار صناعي على وفق القانون رقم (20) لسنة 1998 التي ترغب بتطوير خطوطها الإنتاجية قروضًا ميسرة بضمانة المصنع نفسه
ويمتلك العراق مبان صناعية ضخمة كان قد دشنها قبل أكثر من 4 عقود، من بينها معامل الفوسفات والورق والسكر والبتروكيماويات والحديد والصلب والزجاج وغيرها من المنشات الكبيرة, وفي أرجاء العراق يوجد أكثر من 288 مصنعا ومعملاً، يعاني الصمت وتوقف حكرة الإنتاج تسكنها الأشباح، العراق الذي بدأ نهضة صناعية واسعة مطلع سبعينات القرن الماضي، وشكل حضوراً في الاكتفاء من الإنتاج المحلي وقدرة على التصدير، بات من أكبر المستوردين لأغلب احتياجاته الأساسية وحتى الثانوية منها، جراء توقف اغلب مصانعه ما بعد 2003
تشكل المصانع العراقية رافعة حقيقية للاقتصاد العراقي في حال تفعيلها ووضعها في العمل فيما يرى مختصون أنها تشكل عبئا كبيرا على خزينة الدولة لأنها تستنزف رواتب عمال وموظفين معطلين عن الإنتاج بسبب تعطل تلك المعامل جراء التخريب والسرقة والإهمال, ويشير خبراء الاقتصاد والاكاديميون ان غلق المصانع أثر بشكل كبير على الوضع الاقتصادي العام للبلد, اغلب المصانع تم إيقافها بقرار سياسي، والبعض الآخر هو مدمر ومتروك,
أن مرحلة تدهور الصناعة العراقية بدأت بعد الحصار الاقتصادي الذي فرضه المجتمع الدولي في تسعينيات القرن الماضي، للضغط على نظام الرئيس الراحل صدام حسين للانسحاب من الكويت إبان حرب الخليج الثانية، ومن هنا بدأ الاقتصاد يتدهور في جميع قطاعاته، ومنها القطاع الصناعي, وفي خضم الحصار كان للمنشآت الصناعية العراقية نصيب كبير من الضربات الأميركية، وهو ما جعل الصناعة العراقية تحتضر، وبعد الغزو الأميركي عام 2003 وكتابة الدستور العراقي الجديد تولد صراع بين فريق إعادة إدارة المنشآت الصناعية عن طريق الدولة، وبين فريق خصخصتها، مما أدى إلى فشل الحكومة والبرلمان العراقي في تشريع قانون واضح وحقيقي لدعم الصناعة العراقية
تشير الاحصائيات الصادرة عن وزارة الصناعة أن العدد الكلي للمصانع والمعامل في القطاع العام العراقي هو 288 مصنعا في كافة المحافظات، من بينها 83 متوقفة عن العمل، تتنوع بين القطاعات الدوائية والكيميائية والغذائية والنسيج وغيرها,,وفي آخر إحصائية لوزارة التخطيط صدرت عام 2018، فإن نسبة العاطلين عن العمل بلغت 14% للأشخاص النشطين اقتصادياً الذين يشكلون نسبة 56% من سكان العراق البالغ عددهم نحو 40 مليون نسمة، وفقاً للمتحدث الرسمي باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي، مشيراً إلى أن نسبة الفقر في العراق بلغت 26% أي بواقع 10 ملايين فقير, ورغم أن الدولة أنفقت بحدود 120 تريليون دينار (101 مليار دولار) لتأهيل الشركات العامة للفترة من 2005 إلى 2014، وكان معظمها ممولا من الدول المانحة ووزارة المالية، فإنها أخفقت في إعداد دراسات جدوى اقتصادية وفنية فعّالة لأغلب عقود الشراكة التي أبرمتها مع الشركات الأجنبية والمحلية للنهوض بواقع المصانع العامة,كما أنها لم تحقق نهضة نوعية بتلك التعاقدات تتناسب مع النمو الاقتصادي الشامل والمستدام، بل تسببت أغلب تلك التعاقدات باستمرار خسارة الشركات العامة وعدم تحقيق أي أرباح تساعدها على النمو والتطور، حيث لا تزال تلك المصانع عاجزة عن تأمين رواتب موظفيها ويتم تغطيتها من خلال المنح التي تقدمها وزارة المالية،وبلغ عدد الشركات الخاسرة التي لم تحقق أي أرباح منذ سنة 2003 بحدود 46 شركة من أصل 67 تابعة لوزارة الصناعة، بالإضافة إلى خسارة جميع الشركات التابعة لوزارة الدفاع والمعنية بالصناعات الحربية وكذلك خسارة جميع الشركات العامة التابعة لوزارة الكهرباء83 معملا
هيمنة الدولة على أغلب الصناعات في العقود السابقة وعدم وجود سياسة لحماية منتج القطاع الخاص وعدم استقرار الوضع الأمني، حال دون توجه المستثمرين لإنشاء المشاريع الصناعية الكبيرة، فعلى مستوى القطاع العام تأثرت الصناعات بعد عام 2003 وتعرضت المصانع للتخريب والسلب,ونتيجة لذلك توقفت أغلب الصناعات الحكومية بسبب تقادم خطوط الإنتاج واعتماد الأساليب التقليدية في الإنتاج والتسويق وعدم توفير الطاقة والعزوف عن تبني استخدام التقنيات الحديثة في عمليات الإنتاج، مما تسبب بزيادة التكاليف وعدم القدرة على منافسة المنتجات المستوردة، فضلاً عن عدم التزام المؤسسات الحكومية بشراء المنتجات المحلية, كما ان التعاقدات الحكومية التي تبرم مع الشركات الأجنبية وخصوصا في قطاع الكهرباء والصناعات النفطية تفتقر للتنسيق اللازم لتأمين احتياجات تلك الشركات بالاعتماد على المنتج المحلي، مما يدفعها إلى استيراد كافة احتياجاتها، وتعتبر الأنشطة الصناعية حلقة متصلة، فتوقف بعضها تسبب في إيقاف صناعات أخرى مرتبطة بها، مما أدى إلى لجوء الصناعيين إلى الاستيراد أو التحول إلى استيراد المنتج النهائي
وقال مدير الدائرة الفنية في الوزارة ناصر إدريس مهدي ، إنّ “الوزارة نفذت خطة قصيرة المدى شملت تأهيل 22 مصنعًا، وأخرى متوسطة لتأهيل 20 مصنعًا من المؤمل أن تنتهي خلال العام الحالي، إلى جانب إعادة نشاط المصانع الستراتيجية مستقبلا , وبين أنّ “عملية تأهيل المصانع القديمة أصبحت غير مربحة، وبالتالي لجأ مستثمرون إلى إنشاء مصانع بالقرب منها بخطوط إنتاجية جديدة للوصول إلى إنتاجية عالية ومربحة، فيما تولت الوزارة إعادة الروح لبعض المعامل التي كانت بحاجة إلى أموال بسيطة,ولفت إلى أنّ “عدد المصانع المتوقفة 35 مصنعًا، بعضها لا توجد جدوى اقتصادية منها بالتشغيل مع عدم إقبال المستثمرين عليها، ويستحسن إهمالها وإنشاء مصانع أخرى بالقرب منها والإعلان عنها كفرص استثمارية, وأشار إلى أن “الوزارة تعاني التضخم في الملاكات العاملة، إلى جانب عمل عدد من المصانع بنسبة 50 بالمئة من الطاقة الإنتاجية بسبب عدم وجود حماية للمنتج المحلي، لأنَّ تطبيق أغلب القوانين ضعيف جدًا، وقد أصبح العام 2021 أسوأ عام لحماية المنتج الوطني
وزارة الصناعة لا تمتلك رؤية إستراتيجية شاملة يتم إعدادها بالتنسيق مع وزارة التخطيط وفق احتياجات السوق وتحقيقاً لأهداف التنمية المستدامة 2030، كما لم تواكب الوزارة طوال العقدين الماضيين متطلبات التطور الصناعي العالمي بإنشاء مصانع حديثة وصناعات جديدة وتأهيل كوادر بخبرات فريدة تواكب التغييرات المتسارعة في سوق الصناعات،هناك العديد من العوامل أثرت بشكل سلبي على تراجع البيئة الصناعية المحلية، أبرزها كثرة الإعفاءات الجمركية ورخص المنتجات المستوردة مقابل ارتفاع قيمة الدينار العراقي أمام العملات الأجنبية، إضافة إلى تدفق البضائع بشكل غير قانوني، مع عدم سيطرة الحكومة على جزء كبير من المنافذ الحدودية ومنافذ الإقليم بشكل خاص ,ناهيك عن المبالغ المالية “الترقيعية” التي تخصصها الحكومات لتأهيل المصانع والشركات العملاقة، وهي لا تتناسب مع الحاجة الفعلية، بالتالي فإن عجز الحكومة عن توفير الأموال لإعادة التأهيل أو فتح خطوط جديدة جعلها تتوجه نحو الاستثمار والمشاركة مع القطاع الخاص, عدم سيطرة الحكومات السابقة على المنافذ الحدودية وإغراق السوق المحلية بالمستورد، لعدم قدرة المصانع والمعامل على المنافسة، مشيداً بجهود الحكومة الحالية التي تحاول ضبط الحدود ووضع التعرفة الجمركية، مما أسهم في إعادة الحياة لبعض المصانع والمعامل المحلية,, الفساد المالي والإداري وتأثيره على الواقع الاقتصادي، حيث استغلت بعض الشركات الحكومية الفرص الصناعية للتعاقد في مشاريع إنشاء بُنى تحتية لمؤسسات الدولة من خلال الاعتماد على المقاول الثانوي أو الاستيراد، بدلاً من تشغيل مصانعها وكوادرها، دون وجود محاسبة فاعلة,كما لعب العامل السياسي دوراً مهماً في تهديم الصناعة العراقية نتيجة عدم وجود جدية من قبل القوى السياسية المهيمنة على مؤسسات الدولة في توحيد الجهود والاتفاق على النهوض بواقع الصناعة العراقية، وحل الإشكالات التي تحول دون التقدم الصناعي للبلد , ونذكر بتأثير الدول المستفيدة من انهيار الصناعة على السياسيين العراقيين، والامريكان لعبوا دورا مهما في منع استقرار المنظومة الكهربائية، مما اضطر العراق إلى استيراد الكهرباء من دول الجوار، وهذا ما أنتج استحالة تشغيل المصانع، لعدم وجود طاقة كافية لتشغيلها كما أن المتغيرات السياسية وتقلب المزاج الدولي والإقليمي المؤثر بشكل كبير في الشأن الداخلي العراقي جعل الحكومات المتعاقبة مكبلة في اتخاذ أي قرار إستراتيجي، مما أدى إلى انهيار سيطرة الدولة على كافة قطاعاتها الاقتصادية غير النفطية واعتمادها الكامل على سعر النفط
وكان وزير الصناعة والمعادن خالد بتال قد قال ، في مؤتمر صحفي، ان “وزارة الصناعة باتت أشبه بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية فهي تدفع رواتب لأشخاص، لا ينتجون شيئا، وهذا أشبه بما يحصل عليه العاطلون عن العمل, واشار الى ان “واقع الصناعة مر جداً وهناك تركة ثقيلة جدا من تراكمات السنوات السابقة, ويعتقد بتّال أنّ المصانع القديمة ﻻ يمكن إعادة العمل فيها، مستدركًا “ولكن ذهبنا باتجاه هيكلة بعض الشركات وفق البرنامج الحكومي، ونعمل حاليًا على هيكلة (الشركة العامة للنسيج والجلود، والشركة العامة للصناعات الغذائية)، وهذا ﻻ يعني إلغائها أو تسريح العمال، ولكن ندرس المصانع المتوقفة غير قابلة العمل فيها، أما نحيلها إلى اﻻستثمار أو نوقفها ونتصرف فيها وفق القوانين التي تسمح بذلك, ويرى بتال أنّ “أغلبها لا يمكن العمل فيها كونها متقادمة وتعود إلى حقبة الستينيات و الخمسينيات”، وفعلًا، بدأ العمل في بعض مصانع العراق بالخمسينيات، مثل معمل سمنت بابل الذي افتتح في أيام النظام الملكي 1954، ومعمل سمنت الرافدين الذي افتتح في العام 1957، ولم يتمّ تحديث هذه المصانع، وفقًا لخبراء
ويوضح مختصون ان وزارة الصناعة أعدت خطة من 3 مراحل توزعت ما بين القصيرة والمتوسطة والطويلة لإعادة أغلب المصانع العراقية التي أصابها التعطيل, وزارة الصناعة والمعادن كان لديها قبل الاحتلال 76 تشكيلاً مكون من مئات المصانع والمعامل ولكن بعد عام 2003، تم اختصارها بـ29 تشكيلاً و4 هيئات بواقع 288 معملا ومصنعا, والوزارة ماضية بخطتها التي وضعتها للتأهيل بقية المعامل الأخرى من الـ288، وقد عمدت في بعض منها إلى إشراك القطاع الخاص واستثمار البعض منها لعدم توفر المخصصات المالية اللازمة
ويصف خبراء , وضع الحكومات المتعاقبة تجاه قطاع الصناعة بـ”الشلل المتوارث” نتيجة تراكمات سببها الاحتلال والإرادات الدولية والإقليمية التي كان تأثيرها أكبر من قوة الحكومات، بل عملت هذه القوى على إضعاف بغداد كي تمنع أي محاولة لاتخاذ قرار يمكن أن ينتشل القطاعات المختلفة من الانهيار, ويوصون ويتمنون وجود طبقة سياسية تدرك تماما أن لا مناص من إعادة العراق إلى وضعه الطبيعي، بجعله “ساحة” للتقارب وتبادل المصالح، وليس ساحة للصراعات والاقتتال بالوكالة ووضع مصلحة العراق أولا، في حين يرى خبراء اقتصاديون ضرورة مكافحة الفساد ووضع إستراتيجية وطنية اقتصادية من قبل مختصين، مدعومة بإرادة سياسية للنهوض بالاقتصاد العراقي من جديد