بداية لنتفق ومن خلال تجارب الشعب العراقي المغلوب على أمره الكثيرة والمريرة على أن أية جماعة ترفع راية الإصلاح من دون إخضاع رؤوسها الكبيرة للمساءلة الذاتية علنا بعيدا عن مقص الرقيب والمونتاج مجرد زوبعة في فنجان ، جعجعة من غير طحين ، هواء في شبك ، وبخلاف ذلك يصدق على هؤلاء قول الشاعر :
وَإِذا عتِبـــــــتَ عَلـــــى السَفيــه وَلُمتَهُ .. فــــي مِثــلِ مـــا تأَتي فَأَنتَ ظَلــومُ
ولنتفق أيضا على أن الحزب ، التيار ، الجماعة التي لاتعمل بستراتيجية (من أين لك هذا ؟) وتبدأ بقادتها أولا وقبل أي كان لا خير فيها لمحاربة الفساد في أي زمان ومكان ، كبر ذلك الفساد ، أم صغر ، ينطبق عليهم قول الشاعر:
يــــــــا أيـــها الرجـــــل المعلــم غيــره ..هـــــــلا لنفســك كـــان ذا التعليـــم
ولنتفق كذلك على أن الفساد يجب أن يعالج في مرحلتي التقمل والتسول ،ﻻ في مرحلة التغول التي يتعملق فيها الفاسد ويصبح عصيا على الإجتثاث، اذ أن علاجه في المرحلة اﻷخيرة ما بعد العملقة = أحداث النجف الدامية التي ستتكرر مرارا ﻷن المتغولين صاروا دويلات داخل الدولة ، سلطنات داخل السلطنة ، إمارات داخل الامارة ، ملكيات داخل المملكة ، جمهوريات داخل الجمهورية ، زعامات داخل الزعامة فضلا عن إحاطة المتغولين واحتفاظهم بملفات لاتعد ولاتحصى عن اﻵباء المؤسسين سيخرجونها ساعة احساسهم بعظيم الخطر المحدق الذي يتهددهم فيبرزونها للمساومة أو الابتزاز أو لضمان السكوت على فسادهم كما في المراحل السابقة ايضا !
وفي هذه الحالة وأعني الإجتثاث اثناء مرحلة التسلق والابتعاد عن التعامل مع الفاسد خلالها بسياسة غض الطرف وعدم الاكتراث هي الطريقة المثلى للقضاء على الفساد والفاسدين للوصول الى المأمول في الاصلاح والتغيير :
فَهُنـــــاكَ يُقبَـــــل مــا وَعَظتَ وَيُقتَـدي .. بِالعِلـــــمِ مِنــــكَ وَيَنفَــــعُ التَعليــــم!
وألفت الى أن المقمل والمتسول – الحزبي – وبعد وصوله الى مرحلة ” التغول” وبناء المؤسسات والمراكز والابراج والمطاعم والمولات وكان قبل ذلك وكما قال المتنبي “: يبرى بظفره القلم ” سيعلن انشقاقه عن الجماعة ، الحزب ، التيار ، اﻷم فورا لحظة مطالبته بدفع المغرم الموازي للمغنم الذي حازه في مرحلة التسول والوصولية التي يحلو للمتحزبين تسميتها بـ – مرحلة النضال أو المسيرة النضالية أو الجهادية أو الكفاحية – ونحو ذلك بحسب التوجه العام وطبيعة الايدولوجيا التي يتبناها يسارية كانت أم يمينية، ليس هذا فحسب بل وسيفضح كل المفاسد الهائلة التي رآها بأم عينيه خلال مسيرته والتي أحاطت به من كل جانب إحاطة السوار بالمعصم داخل المنظومة التي رعته طويلا لولائه المطلق لها – ولو تقية – ولم ترعه لكفاءته ولا لنزاهته ولا لوطنيته ولا زهده ، ما يفسر لنا حجم التضاد بين النظرية والتطبيق ، وحجم التنافر بين المؤدلج على الورق وبين المبرمج على أرض الواقع ، علما ان الكل وفي نهاية المطاف سيحترق بنيران الولاء المتخطي لحدود الله وشريعته ولحقوق الشعب ومطالبه المشروعة التي لم ير أي منها حتى الان سوى على اللافتات ولم يسمع أي شيء عنها سوى من فوق المنصات وفي المؤتمرات ﻻ اكثر ولات حين مندم !
وبناء عليه فإنك قلما تجد حزبا ، جماعة ، تيارا ، ائتلافا ، تحالفا في العراق يبدأ مسيرته الواعدة بمليون – مناضل – على وفق زعمهم وتصنيفاتهم هم ، يحافظ على هذا العدد بعد سنين من اعلان انطلاقته المشؤومة لتنتهي معظمها بألف – بياع كلام – من الحرس القديم الجامد فحسب ﻻ اكثر والتي ستؤول ﻻمحالة الى حل المنظومة ككل في نهاية المطاف أملا بالتخلص مما لحقها من العار والشنار من جهة و- للظهور مجددا – ولكن بعناوين براقة جديدة خالية كسابقتها من المضامين، وبمبان مفرغة كسابقتها من المعاني ، لعل جحافل من المخدوعين أو العتاكين والمقملين والمتسولين الجدد أملا بالتغول المستقبلي تنضم الى المسيرة النضالية التي تحاول النهوض كطائر فينينق من بين رماد البلاد التي احترقت كليا بنيران سعرتها المسميات القديمة وشعاراتها وقادتها و التي تحاول ايهام الشعب مجددا بمسمياتها الجديدة بأنها الوحيدة القادرة على النهوض بالبلاد والعباد واعادة الاعمار والانتصاف للمظلومين والمهمشين مع انها احد أهم اسباب دمارهم الشامل وعلى الصعد كافة !
ومن أوجه الفساد الكثيرة في العراق ذلكم التطابق بين بعض “القنوات الفضائية” التي أسست بأموال السحت الحرام وبين ” قنوات الصرف الصحي ” مع أن الثانية أفضل منها بكثير فهي تعمل على التخلص من النفايات البشرية السامة حفاظا على البيئة والصحة العامة ،فيما تعمل اﻷولى على ضخ أكبر كمية ممكنة من المواد والنفايات السامة والعمل على تدويرها في اﻷدمغة والعقول لتعمل عملها في النفوس والقلوب، وبالتالي فإن “قنوات الصرف الصحي ” هي أجدى وأنفع للبشرية من بعض ” القنوات الفضائية ” التي تزوق الفاسدين وتثير الفتن وتشوش على الرأي العام بما يخدم الغرض الذي انشئت من أجله ابتداء !
وما محاولة ربط ” العرق الزحلاوي “بالمثقف في برامجها و” الويسكي ” بالممثل في منوعاتها ، و”الحشيش” بالملحن ، و” الكرستال “بالشاعر ، و” الماريجوانا ” بالعازف ، و”المواخير ” بالفيلسوف ،و” بيوت الدعارة ” بالمفكر ، والسيجار الكوبي ” بالمنظر ” ، والسجائر والمقالات الصفراء الرخيصة ” بالصحفي ” ، وربط ” الراقصات والنساء الغواني ” بثورات التحرير ضد المستعمر الاجنبي ، بالتزامن مع محاولة ربط التخلف والسرقات بالعمائم ، اﻻ أسلوب شعوبي رخيص جدا وستراتيجية خائبة تحاول تصوير أن – جهنم وبئس المصير – لاتضم سوى ثلة من العباقرة والمبدعين والمفكرين والاعلاميين فيما لاتضم – الجنة – سوى الاطهار من الذنوب والانقياء من الابداع على سواء !
وبالتالي فأن من اراد الوصول الى الجنة بحسب ما تروج له ” فضائيات الصرف الصحي “تلك فما عليه سوى الاصطفاف في طوابير الكسالى والمغمورين والمهمشين ، والعكس صحيح بالنسبة للمبدعين = ان البشرية ستقلب موازين تفكيرها بالتدريج لتخون اﻷمين وتستأمن الخائن ، تكذب الصادق وتصدق الكاذب ، تقرب الطالح وتستبعد الصالح ، تحب – الهز ياوز – وتكره – ابو ركعة – لتصل الى نتيجة نهائية شيطانية معكوسة في نهاية المطاف خلاصتها ” ان الجنة هي للعركجية والقندرجية والتكنجية ” وان النار هي ” للتنبلجية ” .
وعلى أهل الصلاح والاصلاح إثبات انهم الاكثر ابداعا وتألقا ونزاهة وعطاء واخلاصا وفي كافة الميادين من شياطين الانس والجن ، وهذا الاثبات لايتأتى بالكلام والتنظير وببوستات الفيس بوك او بتغرديات تويتر كما جرت عليه العادة مؤخرا فحسب وانما بثورة فكرية وتعبوية وواقعية شاملة تقلب عالي مفاهيم – الخدة والخدر – التي ارضعتها مجتمعاتنا في عصور الهزائم والانكسار والاستعمار وفي زمن العتمة ..سافلها !
وعلى جميع التيارات والاحزاب العراقية أن تفسر لنا ” لماذا السكوت على الفاسدين – المقملين – لحين تغولهم ؟ ” قبل رفع رايات الاصلاح ، وتفسير كل مانراه منها ونسمعه عنها من عجائب وغرائب تخالف وبدرجة 180 كل ما تعلن عنه بما تساءل عنه الشاعر قديما وأعرب عن إستيائه وعلامات الحيرة تعلو محياه : أرى حمرا ترعى وتعلف ما تهوى ..وأسدا جياعا تظمأ الدهر لاتروى!
اودعناكم اغاتي