الجميعُ يتحدثُون عن التغيير باعتباره بوابة الخلاص من الفشل المستمر المتواصل الذي حلّ بالعراق منذ عام 2003 ولحد الآن . فالمرجعيات الدينية بمختلف اتجاهاتها والصحافة والاعلام والمثقفون وحتى الناس البسطاء من عامة الشعب أصبحَ التغييرُ محلّ اهتمامهم . ولكنّ السؤال المهم كيف يمكن أن يحصلَ التغييرُ ، وماهي الأدوات التي تساعدنا على تحقيقه ؟ ولوْ نظرنا نظرة شمولية للواقع الملموس فإننا سنجدُ أن الحديث عن هذا الأمر مجرّد حديثٍ حلو المذاق وأنيق الكلمات ولكنهُ لا يتعدّى حدود الشعارات والنظريات والخطابات والارهاصات المتنوعة ، لأن الواقعَ محكومٌ بقيود لا تسمحُ لتطبيقهِ التطبيق الصحيح . وكما معروفٌ للجميع أن الانتخابات أولى محطات التغيير في بلدان العالم وليس في العراق فحسب ، ولكن هذه المحطة المهمة جدا فقدتْ قيمتها الفعلية وقدرتها على احداث التغيير في العراق لكون الأسماء نفس الأسماء ( ان كانت أحزابا أو كتلا أو أفرادا ) منذ الانتخابات الأولى . فكيف يستطيعُ المواطن العراقي تحقيق التغيير عبرَ الانتخابات وهوَ لا يملكُ اختيارات أخرى غير المفروضة عليه سلفاً ؟ فهوَ امّا يقاطعُ الانتخابات أو لا ينتخبُ أيّ اسم من الأسماء أو يضطرُ لانتخاب من ينتخبهم – كما حصل في السنوات السابقة – والاختيارات الثلاثة لن تؤدي الى حصول التغيير على الاطلاق . وفي نفس الوقت نجدُ أن الفرص لظهور شخصيات وطنية سياسية جديدة تأخذ على عاتقها الاصلاح الشامل ضعيفة جدا أو تكاد أن تكون معدومة لأن سيطرة الأحزاب المتحكمة بزمام الأمور تقفُ حجرَ عثرةٍ في طريق القادمين من أجل التغيير . ولوْ فرضنا جدلاً قدرة البعض على تخطي تلك الأحجار والعقبات ومواصلة السير نحوَ الهدف ، فانهم سيجدون أنفسهم مضطرين للخضوع لحيتان السياسة ولشياطينها . ومن يحاولُ أن يخرجَ عن الطريق المرسوم لهُ من قبل الحيتان والشياطين لن يستطيعَ أن يصمدَ أكثر من أشهرٍ معدودات – وهذا ما لمسناه عبرَ المرحلة الماضية –
وفي الآونة الأخيرة وجدنا البعض يتحدثً عن عدم انتخاب المجرّب ، وهذه بحدّ ذاتها سخريةٌ من السخريات الكثيرة التي تجعلنا نضحكُ ونبكي في نفس الوقت . لأن الذي يقول مثل هذا الكلام عليهِ أن يرشدنا أولا الى الشخص غير المجرّب ويدلّنا على موقعهِ في قوائم المرشحين . فربّما العمى أصابنا من شدة الاحباط ولمْ نستطع التمييز بين المجرّب وغير المجرّب ، ونحن نعلمُ علمَ اليقين أن الجميع مجرّبون من مواقعهم المختلفة ، وأن رائحة الفشل والفسادِ لا تستثني أحداً منهم . وحتى لوْ فرضنا وجودَ شخص كفوءٍ هنا أو هناك ضمن القوائم الانتخابية ، فهل يستطيعُ هؤلاء الأكفاء قلب الطاولة على الرؤوس المتمرسة على الانبطاح والنطاح ؟ ومن هنا نجدُ فرص التغيير الشامل عن طريق صناديق الانتخابات فرصاً ميؤوساً منها تماماً في الوقت الحاضر وربّما في المستقبل القادم . ولابدّ للعراقيين – وهم أبناء حضارة عريقة – أن يتحملوا المسؤولية التاريخية بمنتهى الحزم والاصرار ، وأن يبحثوا بجدية فعالةٍ عن طريق آخر لإحداث التغيير الشامل . ولابدّ أن يفهموا أن الشعوب انْ ارادت التغيير والاصلاح فلن تستطيعَ أيّة قوة في الأرض أن تمنعهم عن ذلك مهما كان حجمها . وعليهم أن يدركوا أن هذه المسؤولية مسؤوليتهم وحدهم ، وهمُ القادرون على رسم خارطة طريق جديدة للعراق . وخلاف ذلك فانهم سيتحملون وزرَ ما يحصل لبلدهم ولهم من مآسٍ ومن خراب ومن دمار ، ولن يكون لأجيالهم القادمة أي مستقبل مشرقٍ زاهر . والتغيير المنشود – باعتقادي – لن يحصلَ الاّ عن طريق التعبئة الجماهيرية ضدّ رؤوس الفشل والفساد المتحكمة بمصير البلاد والعباد منذ عام 2003 ولحد الآن .