بالتأكيد إن مقاطعة دول الخليج الثلاثة إضافة لمصر لقطر ستكون له تبعات اقتصادية على هذا البلد، وبالتأكيد إن قطر ستبحث عن بدائل اقتصادية تغنيها عما كانت تحتاجه من هذه الدول الأربع، ومن الواضح إن دول مثل تركيا وإيران استثمرت في الأزمة اقتصادياً وهذا منسجم مع موقفها السياسي من الأزمة إذ هي تقف إلى جانب قطر، ولكن الوقوف إلى جانب قطر ليساً علة للاستثمار الاقتصادي إذ دولة مثل عُمان مع كونها على الحياد في الأزمة إلا إن ذلك لم يمنعها من الاستثمار الاقتصادي فيها، وكذلك لم يمنع الحياد دولة مثل المغرب من البحث عن سبل للاستثمار الاقتصادي كما ورد على لسان عدد من المسؤولين فيها. العراق رغم كونه على الحياد في هذه الأزمة وبعيداً عن تقييم هذا الموقف من الناحية السياسية إلا إنه اقرب من المغرب بكثير للاستثمار الاقتصادي وموقعه الجغرافي يؤهله لأداء أدوار عدة في هذا المجال.
قبل أن نعرف ما مساحات الاستثمار الممكنة لا بد أن نعرف شيء عما خسرته قطر بسبب المقاطعة: قطر خسرت المواد الاستيرادية-خاصة الغذائية منها- التي كانت تأتيها من دول الخليج هذه وخسرت بعض العمالة التي تأتي من بعض هذه الدول أو بوساطتها، وخسرت الاجواء والمنافذ البرية وخسرت في مجال السياحة وغيرها.
أعلم جيداً إن وضع العراق الاقتصادي قد يحجب عنه الكثير من الفرص فهو ليس دولة مصدرة مثل الدول التي ذكرناها، ولا يمكنه أن يحل محل إحدى دول المقاطعة كلياً لاعتبارات كثيرة. ولكن مع ما ذُكر أعلاه ومع إن التصعيد في الأزمة لازال مستمراً ووصل مستويات متقدمة لعل من ضمنها إنشاء قاعدة عسكرية لدول المقاطعة في البحرين ومع ذلك يمكن تصور صور الاستفادة بالتالي:
تصدير بعض المواد إلى قطر:
فالعراق لا يخلو من الكثير من المواد مصنعة أو غير مصنعة يمكن تصديرها لقطر، ومنها في مجال المواد الغذائية : السكر اذا ما دعمت الحكومة معمل الاتحاد غير الحكومي المجهز الوحيد للسكر في العراق، ومنها التمور، ومنها بعض أنواع الرز، ومنها بعض أنواع الخضروات والفواكه وغير ذلك ويمكن معرفة تفاصيل أكثر اذا ما تم دراسة السلة الغذائية في قطر ومصادر استيرادها السابقة. ومنها في المجالات الأخرى: الاسمنت والرمل والحصى خصوصاً وإن قطر لدينا أعمال إنشائية كبيرة متعلقة بكأس العالم فضلاً عن غيره، ويمكن كذلك في مجالات أخرى بحسب دراسة سوق قطر واحتياجاته.
وسيطاً في التصدير لقطر:
الحجم الأكبر للتجارة الآن هو بين تركيا وقطر، والعراق يقع بينهما، وتركيا لن تكون مورداً لمنتجات لها إلى قطر فقط بل قد تكون الطريق الاسهل لقطر لوصول المنتجات الأوربية. تركيا وعلى لسان وزير تجارتها قالت بما مضمونه: “إنه من غير الممكن الاستمرار بتجهيز قطر باحتياجاتها من المواد الغذائية عن طريق الجو”. وطبعاً الأمر أكثر وضوحاً بالنسبة للمواد الأخرى، وهذا متوقع. إذن تركيا بحاجة للوصول لقطر براً أو بحراً، ولا أتوقع بحال أن يكون ذلك عن طريق إيران التواقة هي الأخرى إلى زيادة حجم التبادل التجاري لها مع قطر وأن يكون الميزان فيه لصالحها. لذا فالطريق الاسلم والاسهل هو العراق، فيمكن أن يكون العراق طريقاً برياً وبحرياً لوصول السلع التركية والأوربية إلى قطر وهذا ليس بالعمل السهل وتأثيره على تحريك قطاع النقل والموانئ سيكون كبيراً فضلاً عن القطاعات الأخرى.
العمل والعمالة في قطر:
في قطر الكثير من العاملين من دول المقاطعة أو مرتبطين بها وكذلك شركات، وفي قطر الكثير من المشاريع قيد الإنجاز وأهمها المتعلقة باستضافة كأس العالم. فلذا يمكن الاستفادة من هذا الجانب في تعويض العاملين بمختلف القطاعات والشهادات من العراق وكذلك بالإمكان تشغيل عدد من الشركات العراقية المتمكنة ومنها الشركات الحكومية التي تمتلك خبرة جيدة، وفي هذه الأمور مردودات اقتصادية كبيرة لو تحقق جزء منها وهو ليس بالأمر الصعب.
كما ويمكن الاستفادة من بعض الشركات القطرية أو فروع الشركات الأجنبية فيها للعمل والاستثمار في العراق إذ هذه الشركات والفروع قطعاً ستتأثر سلباً بالمقاطعة وستبحث عن أماكن عمل بديلة.
السياحة في قطر ومعها:
قطر بلد سياحي لدول عديدة منها دول المقاطعة ومن القطاعات التي ستتأثر بالمقاطعة قطاع السياحة، فيمكن أن تكون قطر وجهة سياحية للعراقيين، كما إن عدد من السائحين القطريين ممكن استقطابهم لمناطق السياحة المختلفة في العراق، والسائح القطري أكثر صرفاً للمال من غيره السواح بكثير نتيجة لمستوى دخله المرتفع.
الطيران والنقل بصورة عامة:
من القطاعات التي تأثرت كثيراً بالمقاطعة قطاع الطيران والنقل، وكما ذكرنا سابقاً يمكن أن يكون العراق وموانئه وسيطاً بين قطر وتركيا ثم أوربا، كما يمكن أن يكون العراق محطة انتقال(ترانزيت) للكثير من خطوط الطيران القطرية خاصة المتجه لأوربا أو القادمة منها، او يكون العراق بديلاً لعدد من خطوط الطيران التي تتخذ من الدوحة محطة ترانزيت لها، وهذا ممكن ان يكون له دور كبير في تنشيط قطاع النقل الجوي في العراق وكذلك قطاع النقل البري والبحري.
كما ويمكن أن تكون هناك منافذ أخرى للاستثمار الاقتصادي في مجالات أخرى كالقطاع المصرفي وقطاع الإعلام وقطاع التعليم والتدريب وغيرها كثير.
وهذا الاستثمار لا يتقاطع مع الموقف السياسي المحايد الذي اتخذه العراق من الأزمة ولا يمثل ضرراً لطرف من الأطراف بقدر ما هو مراعاة واقعية للمصالح.