18 ديسمبر، 2024 11:08 م

كيف يمكن لايران الحيود عن النقمة والسخط الشعبي لها في العراق

كيف يمكن لايران الحيود عن النقمة والسخط الشعبي لها في العراق

هذا الشعور عميق للغاية. بيد أن تعبير “الشعور المعادي لإيران” مطّاطي إلى حدٍّ ما، إذ أعتقد أن معاداة العراقيين لطهران أقرب إلى السخط منها إلى العداء الإيديولوجي الذي ينضح به خطاب المحافظين الجدد الأميركيين المعادين لإيران. والأهم أن هذا الشعور السائد في العراق اليوم – العميق للغاية كما ذكرت – هو في نهاية المطاف نتيجة الغضب العارم من النظام السياسي العراقي. من المهم التشديد على ذلك لأن السخط الراهن يستهدف النظام السياسي العراقي والأوليغارشية الحاكمة. أي أن الشعور المعادي لإيران ليس سوى نتيجة عرضية للغضب الموجّه ضد المنظومة الحاكمة، لذا من الإشكالي للغاية وصف الاحتجاجات بأنها معادية لإيران من دون تحديد خصائص أخرى.

سيبقى الفساد وانعدام الكفاءة اللذين نخرا المؤسسات العامة وقذفا بشرائح كبرى من العراقيين نحو أشداق الفقر متفشّيين على نطاق واسع، بغضّ النظر عن العامل الإيراني. لكن الكثير من العراقيين ينظرون إلى طهران عن حق باعتبارها الحامي والداعم الأساسي للنظام السياسي. ويُعتبر الشعور المعادي لها جزءاً من الرفض الشعبي الأوسع لأي تدخل خارجي مهما كان نوعه. يبقى مع ذلك أن إيران تتلقى الحصة الأكبر من السخط الشعبي لأنها الطرف الخارجي الأكثر تأثيراً في العراق.

العراقيون مستاؤون من أن جنرالاً إيرانياً هو من بين محكّمي النزاعات السياسية العراقية، وأن الكثير من الفصائل السياسية العراقية البارزة تبدو على أتم استعداد لتنفيذ رغبات إيران، حتى وإن كان على حساب المصالح العراقية. واقع الحال أن حلفاء طهران لطالما كانوا الجهات الأقوى في المشهد السياسي العراقي، لذا اتّسع نفوذ إيران في الحياة الثقافية والسياسية والأمنية العراقية باطّراد. إذن، لا شك في أن ينطوي الغضب الراهن من النظام السياسي العراقي على شعور معادٍ لطهران، نظراً إلى الدور الذي تلعبه في السياسات العراقية.

الإقرار بأن ثمة شعوراً معادياً لإيران في العراق لا يفسّر بتاتاً المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والهيكلية التي تشوب الحراك الاحتجاجي العراقي. لكن لا جدوى من إنكار وجوده، سيما وأنه عميق. فقد اقتحم المحتجون مقر القنصلية الإيرانية في كربلاء وأحرقوا صور آية الله علي خامنئي، وهذه أفعال لم تكن في الحسبان قبل أسابيع قليلة.

يُعزى ردّ الفعل القوي هذا إلى عوامل أربعة. أولاً، بلغ التدخل الإيراني في العراق مستويات كبيرة. فالتعيينات السياسية غالباً ما تمليها إيران، ناهيك عن أن العديد من العراقيين يعتبرون أن طهران تحرّك خيوط اللعبة السياسية العراقية وتستخدم البلاد كساحة لخوض

ثانياً، فاقم التدخل الإيراني من خلال ميليشيات وسياسيين مدعومين من طهران النظام الإثني والطائفي الفاسد في العراق، أي النظام الذي يريد المحتجّون إسقاطه. وهنا يُشار إلى أن الوزراء والميليشيات أفادوا من هذا النظام المثير للانقسام لمراكمة الثروات غير المشروعة والانخراط في أنشطة إجرامية من أجل الحفاظ على الوضع القائم، بدلاً من الاستثمار في مؤسسات الدولة العراقية وتعزيز الاقتصاد.

، بات يُنظر إلى الميليشيات المدعومة من إيران على أنها أدوات قمعية في يد السلطة، بعدما كانت تُعتبر بطلة المعركة ضد الدولة الإسلامية. فالكثير منها مُتّهمة باستخدام العنف ضد المتظاهرين خلال الاحتجاجات الراهنة، منها تلك التي شهدتها البصرة العام الفائت.

رابعاً، يمكن تلمّس النفوذ الإيراني على المستوى الثقافي أيضاً، إذ تنتشر على نطاق واسع صور الشخصيات الدينية الإيرانية، ولاسيما في المدن الشيعية جنوب البلاد. فالكثير من العراقيين مستاؤون من فرض النسخة الإيرانية من المذهب الشيعي، خاصة لأن ذلك يرسّخ ادّعاء إيران بأنها زعيمة العالم الشيعي، وهي رؤية يرفضها العراق.

تجلّى الشعور المعادي لإيران بأشكال عدّة خلال الجولات الأخيرة من الاحتجاجات العراقية. فإلى جانب ظهور الشعارات المناهضة لإيران بشكل متكرّر، كشفت الاحتجاجات النقاب عن أعمال عنف متوسّعة ومفتوحة ضدّ أصول ومصالح إيرانية أكثر مما حصل مقارنةً بتظاهرات واضطرابات سابقة. ففي محافظات عدّة، عمد المتظاهرون إلى إحراق مقرات الفصائل التي تدعمها إيران داخل قوات الحشد الشعبي مثل عصائب أهل الحق، ومنظمة بدر، وحركة الأبدال. الأهم من ذلك أن المتظاهرين في مدينة كربلاء المقدسة قاموا بمهاجمة القنصلية الإيرانية

من غير المفاجئ أن العديد من أولئك الذين ينتمون إلى الفصائل المدعومة من إيران في قوات الحشد الشعبي قد تحدثّوا عن وجود نوع من المؤامرة وراء الاحتجاجات. صحيح أن شرعية هذه الفصائل تعزّزت كجزء من ظاهرة قوات الحشد الشعبي الأوسع حين كان تنظيم الدولة الإسلامية يشكّل تهديداً وجودياً، لكن انحسار هذا التهديد كشف عن فشلها في تحسين الحياة اليومية للمواطنين، كفرص العمل والخدمات الأساسية.

تُعتبر هذه الأحداث بمثابة تذكرة بأن الشعور المعادي لإيران عابر للانقسامات الطائفية في العراق، وأن هذا الشعور ليس خصيصة لأهل السنّة في البلاد. مع ذلك، سيكون من الخطأ اعتابر هذا الشعور المعادي لإيران عميقاً إلى درجة اعتبار الاحتجاجات الحالية “تمرداً ضدّها”. على العكس، من الأصح وصف الاحتجاجات بأنها رفض شامل للنظام القائم بعد العام 2003. وبالنظر إلى أن إيران ووكلائها في العراق (من بين أطراف أخرى) تمكّنوا من استغلال هذا النظام لمصلحتهم الخاصة على حساب الشعب، من غير المفاجئ أن ينصبّ السخط الشعبي جزئياً عليهم.

لم تكن الاحتجاجات في العراق تتعلّق في الدرجة الأولى بإيران أو أنها كانت معادية لإيران، لكنها تعارض البيئة السياسية التي استثمرت فيها إيران بشكل كبير. في السابق، كانت إيران والولايات المتحدة، في لعبتهما ذات الحصيلة اللاصفرية، هما القوى الأجنبية الأكثر تأثيراً في العراق، في سياق الانقسامات الطائفية التي شكّلت إلى حدّ كبير الولاءات السياسية. وأدّى ذلك إلى إضعاف التعبئة الشعبية التي كانت عابرة للطوائف أو غير طائفية. وقد صوّرت المجموعات المتحالفة مع إيران دور هذه الأخيرة على أنه ضروري لمواجهة محاولات واشنطن وحلفائها الإقليميين الهادفة إلى حرمان الأغلبية الشيعية من دورها القيادي في عراق ما بعد العام 2003. هذه السردية وجدها الكثير من الشيعة مقنعة، نظراً إلى أن الطائفية شكّلت السياسة الداخلية والإقليمية بعد العام 2003.

في الوقت الراهن، وفي سياق تجاوز الطائفية بعد هزيمة الدولة الإسلامية والانسحاب الأميركي من العراق، باتت الظروف الاجتماعية والاقتصادية والمطالب بحوكمة أفضل هي القضايا الجديدة التي تجري حولها التعبئة. ثمّة في الواقع وعي متزايد في أوساط العراقيين بأن إيران هي القوة الأجنبية الرئيسة التي لا تدعم الفصائل الشيعية المهيمنة وحسب، بل تسعى أيضاً إلى إضعاف الدولة العراقية من الداخل من خلال تمكين الميليشيات وأمراء الحرب. وقد تعزّز هذا الوعي بسبب الدور الذي قيل أن هذه الميليشيات لعبته في قتل المتظاهرين ومحاولة المجموعات المتحالفة مع إ يران الترويج لسرديّة تُصوّر الاحتجاجات كمؤامرة أجنبية.

وطالما تعمد إيران إلى مساندة الفصائل الحاكمة في تحركها لمقاومة التغيير الحقيقي في الطريقة التي يُحكم بها العراق، سيتغلغل الشعور المناهض لإيران أكثر فأكثر في خطاب وتصوّرات المتظاهرين والمتعاطفين معهم.

 

ويتجسد الدور الحساس الذي تلعبه طهران في العراق في تحالفاتها مع كيانات سياسية رئيسية ودعمها لقوات الحشد الشعبي التي تضمّ فصائل موالية لها وباتت جزءاً من القوات الأمنية الحكومية.

اقتصادياً، يعتمد العراق بشكل كبير على استيراد الطاقة من إيران الخاضعة لضغط عقوبات اقتصادية أميركية، كما أنه ثاني مستورد للبضائع الإيرانية، حيث تملأ السيارات إيرانية الصنع والزهيدة شوارع بغداد وغالبية المدن العراقية، فيما تنتشر المنتجات الإيرانية في معظم المراكز التجارية.

وفي هذا السياق، يرى خبراء بأن الانتخابات التشريعية المقررة في 10 تشرين الأول، لن تنجح في إحداث أي تغيير وسيبقى “التحدي الأكبر” أمام طهران اليوم استعادة الثقة الشعبية في العراق.

و “واحدةً من الأمور التي ثير قلق إيران في العراق حالياً هي الشعور العام بالاستياء” من النفوذ الإيراني، مضيفةً “لم تتوقع إيران ذلك وهذا أمر جديد عليها التعامل معه”.

وبدا الاستياء من النفوذ الإيراني واضحاً خلال الاحتجاجات الشعبية التي هزت البلاد في تشرين الأول 2019، للمطالبة بإصلاحات سياسية ومحاربة الفساد وتحسين الخدمات في البلاد، إذ أعرب خلالها المتظاهرون عن غضبهم حيال طهران، متهمين إياها بأنها مهندسة النظام السياسي في العراق.

تصاعدت حدة الغضب تجاه إيران خصوصاً بعد القمع الدموي لاحتجاجات “تشرين” الذي خلّف نحو قرابة 600 قتيل وحوالى 30 ألف جريح، واتهم ناشطون “مجموعات مسلحة” في إشارة إلى فصائل شيعية مدعومة من إيران بالوقوف وراء تلك الحملة وهو ما تنفيه الفصائل.

“إيران خسرت جزءاً كبيراً من قاعدتها الشيعية في وسط وجنوب (العراق)، بعدما كانت تعتقد ولمدة طويلة بأنها ستحتفظ بقاعدة موالية لها هناك”.

وان “أحزاباً كثيرة متحالفة مع إيران تواجه صعوبة أكبر في الحفاظ على شعبيتها”.

نجح العديد من مرشحي الحشد الشعبي من الدخول إلى البرلمان في انتخابات العام 2018 التي شهدت نسبة مقاطعة غير مسبوقة، مدفوعين بالانتصارات التي شارك الحشد في تحقيقها ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

ويسعى هؤلاء اليوم إلى حصد مقاعد أكبر في مجلس النواب، لكن خبراء يشككون بقدرتهم على تحقيق ذلك.

ولاكن الولائي والمجاهد التعبوي والاستراتيجي لايتوافق مع الواقع والحقيقة !!! ورؤيته للاسود سمائي او وردي

في مقابلة تلفزيونية في أيلول، أعرب أحمد الأسدي أحد الشخصيات البارزة في الكتلة البرلمانية التابعة للحشد والمرشح للانتخابات المقبلة عن أهمية العلاقة مع طهران من وجهة نظر الفصائل الموالية لها، قائلاً إن “علاقاتنا مع الجمهورية الإسلامية ليست علاقة ناشئة، هي علاقة استراتيجية”.

وأضاف: “ليست علاقة تبعية ولا علاقة انحياز، هي علاقة استراتيجية مبنية على توازن بين مصلحة العراق ومصلحة الجمهورية الإسلامية”.

وهو ما أيده محمد محي، المتحدث باسم كتائب حزب الله أبرز فصائل الحشد الشعبي، قائلاً بهذا الخصوص، إن “العلاقة إيجابية لصالح الشعب العراقي وينبغي أن تُعزز”.

و”لم نشهد من الجمهورية الإسلامية أي تدخل سلبي في الشأن العراقي، وعادة ما تكون إلى جانب خيارات الشعب العراقي ولا تعترض على أي خيارات إيجابية للشعب العراقي”.

و أن “أولوية” مرشحي الحشد في جهودهم داخل البرلمان “تقديم الخدمات العامة واعادة البنى التحتية بشكل كامل وبناء المنظومة التربوية والصحية كذلك البنية الأمنية”.

وأثار في الوقت نفسه هدفاً أساسياً آخر على “المستوى الأمني والاستراتيجي هو إخراج القوات الأميركية من العراق واكتمال السيادة وتعزيز القوات الأمنية”، حيث تعدّ الولايات المتحدة القوة النافذة الأخرى المتواجدة في العراق وتسعى إلى مقارعة النفوذ الإيراني في البلاد.

وفي بلد تتبدّل فيه التحالفات بعد الاستحقاق الانتخابي، تحمل المفاوضات الهادفة إلى تشكيل حكومة أهمية تفوق أهمية الانتخابات وتوزيع المقاعد في الحكومة.

يخشى لذلك مراقبون ودبلوماسيون وقوع عنف في حال أرادت الفصائل الموالية لإيران مثلاً الضغط لضمان التمثيل الذي تطمح إليه في الحكومة.

ويرى المحلل السياسي العراقي علي البيدر بأن الفصائل الموالية لإيران “تحاول بشكل جاد وحقيقي تثبيت نفسها وغرز جذورها عميقاً في رحم العملية السياسية وفي الحكومات المتعاقبة”، مشيراً إلى أن الفصائل “تعمل بشكل مكثف على التواجد في قطاعات مختلفة كالجوانب الدبلوماسية والثقافية والرياضية”، لتغيير نظرة الشارع العراقي إليها بأنها “لا تستطيع التواجد خارج (إطار) المنظومة الأمنية والعسكرية”.

لكن في بلد عادة ما يأخذ فيه تبلور التحالفات السياسية داخل البرلمان حيزاً كبيراً بعد الانتخابات، ستكون المشاورات الخاصة بتشكيل الحكومة الملف الأساسي في المرحلة المقبلة.

وان طهران ستبحث عن “رئيس وزراء يمكنها العمل معه ويكون مقبولاً لبرنامجها”.

و “في العادة، مرشح الحل الوسط ليس بالخيار السيئ” لأنه مساوٍ “لرئيس وزراء ضعيف”. وفي هذه الحال ترى هيجل بأن طهران يمكنها “العمل إما بشكل مباشر مع مكتبه، أو على الأقل مع جهات فاعلة أخرى من حوله”.

وان”النقطة المحورية ستكون الصفقات التي تجري خلف الكواليس لتشكيل الحكومة”، مضيفاً أنه “في هذه العملية، لطالما اضطلعت طهران تاريخياً بدور كبير. لقد أثبتت إيران بأنها اللاعب الخارجي الأكثر نفوذاً عندما يتعلق الأمر بتشكيل حكومة في العراق”.

 

تُشكل إيران فاعلا رئيسيًّا في تفاعلات الساحة العراقية، وعلى مختلف الأصعدة؛ إذ تمارس دورًا مؤثرًا في العراق، ورمت بثقلها للمحافظة على هذا الدور وتعزيزه باستمرار، لإدراكها أهمية العراق الاستراتيجية، وكونه بمثابة بوابة مهمة للدخول إلى المنطقة العربية، ومن خلاله يتحقق التواصل الملائم لإيران مع حلفائها في باقي دول المنطقة.هذا الدور ذو الأبعاد السياسية، الأمنية، الاقتصادية، والعقائدية، ما كان ليصل إلى ما هو عليه لولا الأزمات التي يمر بها العراق؛ إذ أُتيحت الفرصة الأولى لإيران لمد نفوذها في العراق بعد الاحتلال الأمريكي في مرحلة ما بعد 9 نيسان/ إبريل 2003. وجاءت الفرصة الثانية في ظل الأزمة الأمنية التي يشهدها العراق منذ مطلع عام 2014، وتفجرت في 10 يونيو/حزيران من العام ذاته بعد استيلاء تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام”داعش” على عدد من المحافظات العراقية. فقد مر الدور الإيراني بمرحلة جديدة حينما أخذ شكلا أمنيًّا حاسمًا في الحرب ضد تنظيم داعش في العراق من خلال وجود ضباط وخبراء وقوات إيرانية بشكل مباشر في الساحة العراقية، وكذلك عن طريق بيع الأسلحة والمعدات العسكرية وتقديم المعلومات الاستخبارية للقوات العراقية. وتعيين قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قبل عدة أيام، مستشاراً عسكرياً للحكومة العراقية. وسياسياً رفض العراق عاصفة الحزم التي تقودها المملكة العربية السعودية ضد الحوثيين في اليمن وتحفظه على القرار الصادر عن جامعة الدول العربية في آذار/مارس من العام الحالي، باعتبار حزب الله اللبناني حزبا إرهابياً. هذا الدور ، تنامى واستفحل نتيجة التغيرات في موازين القوى الداخلية العراقية، وكذا الإقليمية والدولية في بيئة الشرق الأوسط. وفي هذا السياق سنسلط الضوء على كيفية اختراق إيران بُنية العراق.