23 ديسمبر، 2024 8:49 ص

كيف يلتقي الفقر والنفط في بلد واحد!؟

كيف يلتقي الفقر والنفط في بلد واحد!؟

مقال سبق لي أن نشرته بتاريخ 8 / 7 / 2011 في جريدة الاتحاد (البغدادية)، عن ثورة تصحيح اقتصادي  في العراق مستقبلا ستؤتي أكلها وثمارها، وأنهيت مقالي بجملة “لننتظر لنرى”، ولا أرى بداً ونحن في نهايات 2015 من إعادة نشره اليوم أيضا، حيث لم أر حلما جميلا قد تحقق .. وشكرا!!
ذاك تساؤل قد حيّرَ جميع العراقيين وأسقط في يدهم وأصابهم غماً وزادهم هماً، كما وألهب مشاعر الكتـّاب الذين راحوا يكتبون ويشرحون، يحللون ويمحصون، فصار بيت الشعر البليغ (كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمولُ) خير وصف لحال عراق الأمس واليوم!!، كيف لا والفقر والحرمان والجوع تكاد تبطش بأكثر من ربع مواطنيه حسب إحصائيات دولية ووطنية برغم ما يمتلكه من مقومات العيش الرغيد الكريم، وما يجري تحت أقدام أبنائه من خير وفير، سواء في باطن أرضهم متمثلاً بالنفط، أو على مد أبصارهم متمثلاً بوفرة مياهه وما يمتلكه من أرض زراعية خصبة كان يضرب بها الأمثال في غابر الأزمان حين كان يطلق على العراق يوماً … بأرض السواد!!.

    ولكي لا نجانب الحقيقة، وأن نكون منصفين في الطرح والتشخيص، فإن ظاهرة الفقر في عراق النفط لعمري مشكلة متجذرة، وهي ليست لعمري وليدة اليوم، فجذور تلك المشكلة تمتد إلى ما قبل عام 2003، والتي كانت تحصيل حاصل طبيعي للسياسات الاقتصادية الخاطئة والمتعثرة والتخطيط المرتبك الذي جعل الاقتصاد العراقي يعتمد بشكل كامل على عائدات الثروة النفطية، متناسين في الوقت ذاته بأن النفط ثروة زائلة ستنضب يوماً ما شئنا أم أبينا (والحكيم الفطن يتعظ)، ناهيك عن غياب البرامج التي تطور مسيرة الاقتصاد العراقي وتنعش مرافقه في ذلك الحين، يضاف لها سنوات الحصار الجائر المفروض على العراق وشعبه، مما تسبب ذلك كله مجتمعاً إلى تدني الاهتمام بقطاعات اقتصادية مهمة كالصناعة والزراعة وتصدير ما ينتج منهما، مما أثر سلباً في الناتج المحلي الإجمالي، فكان الفقر والعوز والحرمان!!.

    وفي المقابل، كان لزاماً علينا أن نذكر بأن الكثيرين من أبناء العراق، لاسيما الطبقة المحرومة والكادحة كانت قد استبشرت خيراً وتعشمت بحالة نهوض اقتصادية واسعة في أعقاب سقوط النظام السابق، وأنها كانت قد سمعت الكثير عن ثورة تصحيحية كبرى في الاقتصاد العراقي سيُنقـَل فيه العراق وشعبه من حالة الفقر والعوز والحرمان إلى حالة مشرقة فيها الأمان والعيش الكريم الرغيد أسوة بدول الخليج العربي الغنية، ولا أغالي لو قلت بأنني كنت أعلل النفس بالآمال كما غيري بأن نتفوق على دول الخليج العربي الغنية بأشواط وأشواط لاسيما وأننا نمتلك ميزات تفتقر إليها هذه الدول كوفرة المياه والأرض الخصبة واليد العاملة الخبيرة والمجربة، فيتم استثمار تلك العوامل جميعاً في انتهاج سياسة اقتصادية أكثر حكمة ورشاد يتم من خلالها تحرير العراق من اتكال اقتصادياته الوطنية على ثروته النفطية وذلك من خلال وضع الخطط والبرامج الرصينة التي تعمل على استثمار عائدات النفط في تطوير مرافق الحياة المختلفة في العراق ومن ضمنها الاقتصاد العراقي –لاسيما الواقع الزراعي منها تحديداً-، لكن الإحباط واليأس قد لازمنا بعد طول انتظار لسنوات ما بعد السقوط، فلم نتلمس ما كنا ننتظره ونتوقعه وما تناهى لأسماعنا عبر الفضائيات ووسائل الإعلام!!، وراح العراقيون يتساءلون بمرارة عن أسباب عدم تغيير واقعهم المأساوي حتى اليوم، لاسيما تلك الشريحة الكبيرة من العراقيين التي لا يتجاوز دخلها اليومي عن دولارين في دولة لديها ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم!!؟.

    لطالما كنت اعتبر بأن الزراعة كنز العراق الدائم الذي لا ينضب، فكل مقوماته متوفرة، من ماء وأراض زراعية شاسعة مترامية خصبة وأيد فلاحية لها من الخبرة ما نحتاجها، ولا أرى بداً ولا حرجاً في مقالي هذا من التركيز مجدداً على الواقع الزراعي لأهميته القصوى في تأمين الأمن الغذائي الوطني، فمتى ما تحقق الأمن الغذائي وامتنع العراق من استيراد ما يحتاجه من محاصيل زراعية، فإن جانباً كبيراً من مشاكل شعبنا ستحل بطبيعة الحال، وما دمنا بصدد الحديث عن ثورة تصحيحية في الاقتصاد العراقي لما بعد سقوط النظام السابق، فإننا كنا قد سمعنا عن مشاريع زراعية كان قد أعلن عنها بعد عام 2003، وأن عقوداً واتفاقيات قد أبرمت وذلك للنهوض بالواقع الزراعي، وعن إستراتيجية وطنية للتخفيف من الفقر في العراق، ولا ندري حقيقة انعكاسات تلك العقود والاتفاقيات المبرمة والأنباء على واقعنا المعاش، وما الذي تحقق منها وما نسب إنجازها، فعلى سبيل المثال لا الحصر وللتذكير ليس إلا:

    1- ما أعلن عام 2009 عن قيام الحكومة العراقية بوضع إستراتيجية وطنية للتخفيف من الفقر في البلاد بدعم وإسناد فني من قبل البنك الدولي، وهي إستراتيجية وضعت من خلال مؤشرات عن مستويات الفقر والتفاوت باستخدام نتائج المسح الاجتماعي والاقتصادي للأسرة في العراق عام 2007، حيث جاءت هذه الإستراتيجية في ضوء اتفاقية التعاون المشترك بين وزارة التخطيط والبنك الدولي، وأن لجنة عليا لإستراتيجية التخفيف من الفقر قد شكلت لهذا الغرض، ضمت ثلاث نائبات برلمانيات وعدداً من ممثلي الوزارات والجامعات وحكومة إقليم كردستان!!.

    2- وإن خبراً بتاريخ 16 آذار 2011 كان قد نشر مفاده أن وزارة الزراعة العراقية تنفذ مشروع “استخدام تقنيات الري الحديثة”، يهدف إلى مضاعفة الإنتاج الزراعي من خلال استخدام تقنيات الري الحديثة، وأنه من المؤمل أن يغطي هذا المشروع نحو ثلاثة ملايين دونم من المساحات الزراعية في العراق وبطاقة إنتاجية كلية تصل إلى أكثر من ثلاثة ملايين طن من مختلف المحاصيل الإستراتيجية، أعقبه خبر كانت السومرية نيوز قد نشرته نقلاً عن المستشار الزراعي في السفارة الأمريكية في بغداد مفاده بأن الواقع الزراعي في العراق مُقـْدِم على نهضة من خلال خطة أمريكية لرفع الإنتاج المحلي العراقي من الحبوب والخضروات من خلال مساعدة رجال الأعمال الأمريكيين لإيجاد أسواق لهم في العراق!!، وأن بنود الخطة الأمريكية تلك تتركز على البيوت الزجاجية ونقل التقنيات الحديثة للعراق، فضلا عن إتباع الوسائل الحديثة في السقي بواسطة التنقيط!!.

    تلك أنباء جميلة ورائعة وتثلج الصدور، ستنقل العراق فيما لو نفذت لواقع أكثر إشراقاً وبهجة، غير أننا كنا قد تعلمنا من تجاربنا السابقة ألا نستعجل الأحكام – سلباً كانت أو إيجاباً- قبل تلمس وظهور النتائج، فلا نقل لشيء أنه “سمسم” قبل أن نتذوق طعمه في فمنا كما جاء بالمثل العراقي الشهير “لا تكول سمسم حتى تـِلـْهَم”، فهل ستبقى تلك المشاريع حبراً على ورق!؟، وهل سيبقى ما قرأناه وسمعناه هذه المرة مجرد أقاويل وأحاديث وإعلامية يقصد منها تخدير أبناء شعبنا الصابر المحتسب فنبقى حيث كنا نراوح تحت خط الفقر ولسنوات قادمة لنعتاش على مفردات البطاقة التموينية الحكومية، فنكون بذلك أشبه بحال تلك العيس العطشى رغم ما تحمله من ماء على أظهرها!!؟، أم أن ثورة التصحيح الاقتصادي ستؤتي أكلها وثمارها!؟.
    لننتظر ونرى!!.

    سماك برهان الدين