19 ديسمبر، 2024 9:28 م

كيف يعيد العبادي بناء الثقة المفقودة في العراق؟

كيف يعيد العبادي بناء الثقة المفقودة في العراق؟

منذ بدء العملية السياسية في العراق عام 2003 و جميع الأطراف المشاركين فيها يعانون من قضية أساسية و هي انعدام الثقة.

و في الوقت الذي يواجه فيه العراق اليوم عدواً لا يعرف من قيم الحضارة الإنسانية شيئاً سوى القتل و الإرهاب ، يجد السياسيون أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما. فإما أن ينجحوا في تشكيل حكومة يتفق عليها الجميع أو أن يكونوا في مواجة الإرهاب كل على حدى.

و أمام هذه التحديات يواجه رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي مسؤولية كبيرة في توحيد وجهات النظر و تلبية المطالب التي تضعها كل كتلة كشرط لبدء المفاوضات حول تشكيل الحكومة المقبلة.

فالمكون الكردي يطالب بإقرار قانون النفط و الغاز و ضم البيشمركة إلى منظومة الدفاع الوطني و بالتالي شمولهم بالمخصصات المقرة من وزارة الدفاع و تسديد رواتب موظفي الإقليم و تحديد مفهوم العلاقة بين بغداد و أربيل.

أما المكون السني فيطالب بإطلاق سراح المعتقلين الأبرياء و تحقيق مشاركة أكبر في الحكومة و المؤسسات الأمنية و تفويض أكبر للصلاحيات الممنوحة لمجالس المحافظات.

و مع أن هذه المطالب قد تشكل صلب الخلاف في العملية السياسية إلا أن جوهر المشكلة يكمن في انعدام الثقة بين جميع الأطراف. و إذا ما نظرنا إلى جميع هذه المطالب كسلة واحدة فإن الأمور قد تزداد تعقيداً لكن إذا تناولنا كل مطلب بمعزل عن الآخر يمكن أن نتقدم باتجاه حل يرضي الجميع و يمنح الطمأنينة لمكونات العملية السياسية.

فإقرار قانون النفط و الغاز يمكن من خلال اعتماد مسودة القانون التي اتفق عليها الجانبان في وقت سابق لتقدم إلى البرلمان الحالي مع تحديد سقف زمني لذلك. أما ما يخض البيشمركة فالقتال المشترك بين القوات العراقية و الكردية لاستعادة سد الموصل من داعش خير دليل على أن الدفاع يشمل الكرد و العرب و بالتالي فإن البيشمركة جزء من القوات العراقية التي يجب أن تكون قيادتها مشتركة و عقيدتها عراقية خالصة لا تميل إلى فئة أو طائفة أو دين. إن العمل على بناء العقيدة الوطنية للجيش العراقي و من ضمنه البيشمركة سوف يحل الكثير من القضايا و المخاوف التي تنتاب كلاً من بغداد و أربيل.

أما ما يتعلق بقضية الرواتب و الموازنة فتصدير النفط من إقليم كردستان و إن تم بعقود لم يطلع عليها المركز فإن عائدات تلك العقود ستوزع بين الطرفين بحسب الدستور مع ضرورة تشكيل مجلس أعلى للنفط يكون له دور فاعل في حسم القضايا العالقة بين الجانبين كتسديد مستحقات الشركات و العقود المستقبلية. وبالتالي فإن منح موظفي الإقليم لرواتبهم لا يتم على أساس أنهم كرد فقط و إنما هم جزء من عملية التنمية و تطوير الاقتصاد في العراق الفيدرالي.

إن النظر إلى الازهار الحاصل في إقليم كردستان على أنه نتيجة عمل مشترك مع بغداد و وفق برنامج مشترك للتنمية سوف يحل الكثير من القضايا. و سيكون هذا الأمر منطلقاً جيداً لحل القضايا المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها. فكركوك يمكن أن تكون منطقة حرة للاستثمار يشارك ثرواتها الجميع من خلال صندوق أعلى للاستثمار توزع عائداته بحسب ما يتفق عليه البرلمان العراقي و بالتالي يكون للجميع حصة في البناء و جني العائدات.

إن النظرة الضيقة للمصالح و الاستئثار بالسلطة سيكون حجر عثرة للجميع لذا فمن الأفضل أن ينظر إلى تلك المناطق على أساس وطني لتكون النتائج أفضل و يستغل الوقت في البناء و التطور.

و هذا الأمر ينطبق على المحافظات الغربية أيصاً فمنح المزيد من الصلاحيات الإدارية و المالية لمجالس المحافظات و خاصة في المناطق الغربية سيكون له أثر كبير في القضاء على الروتين و تسريع عملية إعادة الإعمار أضف إلى ذلك التخفيف من العبء القانوني و الإداري لتلك المناطق. و هذا يشمل الجانب المتعلق بالملف الأمني الذي يشكل التنوع في إدارته على أساس العقيدة الوطنية حلاً للكثير من التعقيدات.

إن المفاوضات حول تشكيل الحكومة المقبلة لا يمنع من البدء في تطبيق بعض الخطوات اللازمة لإعادة الثقة بين جميع الأطراف. فمن غير المنطقي أن يبقى موظفوا الإقليم من دون رواتب و أبناؤهم يقاتلون إرهابيي داعش جنباً إلى جنب في الموصل و من غير المعقول أن تطالب العشائر في الرمادي و الأنبار بالصمود أمام مجازر و فواحش داعش و لهم أقارب معتقلون في السجون. إذا ً فالقضية تحتاج إلى قرارات شجاعة تشعر الطرف الآخر بأن الحكومة القادمة تنطلق من خطوات عملية نحو تحقيق مصالحة وطنية حقيقية و إنجاز برنامج عمل تنموي يشمل جميع الأطراف.

بالمقابل فالأطراف الأخرى مطالبة بإبداء المزيد من المرونة في التعامل مع التشكيلة الحكومية المقبلة و أن تتقبل ما يقدم إليها من ضمانات كدليل على صدق النوايا في التعامل. و لا يجوز أن يكون إلقاء المسؤوليات على جانب واحد في حين أن الجميع يعترفون بالتقصير.

إن قدرة السيد العبادي على اتخاذ قرارات شجاعة و مسؤولة سيكون لها دور كبير في إعادة الثقة إلى العملية السياسية. و مع أن معيار الكفاءة في اختيار الوزراء هو أساسي لإنجاح عمل وزارته و إخراج العراق من أزماته الحالية إلا أنه يجب أن يترافق مع خطوات عملية على الأرض لطمأنة المشاركين في برنامج عمله الحكومي.

إن الثقة التي فقدت في السنوات السابقة من عمر العراق يمكن استعادتها اليوم إذا كان هناك نظرة أشمل و أوسع لمشكلات العراق كوطن للجميع. لذا فإن البرنامج الوزاري القادم يجب أن يركز على الإعمار و تنويع مصادر الدخل خاصة و أن العراق يواجه حجماً هائلاً من التحديات الأمنية و الاقتصادية.

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات