18 ديسمبر، 2024 11:08 م

كيف يدير الملالي الأزمة الإيرانية؟

كيف يدير الملالي الأزمة الإيرانية؟

رغم الرفض المتكرر لنظام الملالي الإيراني لدعوات التفاوض المباشر وغير المباشر مع الولايات المتحدة، ولاسيما تلك التي وجهها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، او التي عرضها السيناتور الجمهوري راند بول، عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، خلال لقائه وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في نيويورك الشهر الماضي، رغم ذلك فإن مجمل هذه الشواهد لا تعني أن الملالي يرفضون الحلول السياسية ويفضلون الخيار العسكري.
من المؤكد أن استراتيجية النظام الإيراني قائمة على الذهاب لأقصى مدى ممكن في تطبيق سياسة “حافة الهاوية” ومواصلة لعبة “عض الأصبع” مع إدارة الرئيس ترامب، مع الإمساك بقوة بخيوط الأزمة وعدم السماح لها بأن تفلت وتخرج عن دائرة السيطرة، مع الاعتماد على إرسال إشارات بين الفينة والأخرى بشأن تأكيد الرغبة في حل سياسي، وأحد هذه الإشارات التي لا يمكن إغفالها ما ذكره وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، بشأن دعوته الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى رفض ما اسماه ظريف بـ “التعطش للحرب” لدى مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، وقال ظريف “الدبلوماسية هي الحكمة، وليست ضعفا”، وكأنها رسالة مبطنة للرئيس الأمريكي تحديداً بأن النظام الإيراني سيقبل بحل سياسي يضمن له النزول من فوق الشجرة التي صعد إليها بدفع الأزمة للحد الذي سمح بإسقاط طائرة أمريكية من دون طيار!
هذا الكلام معناه بوضوح أن الملالي يخشون الحرب ولكنهم في الوقت ذاته يرفضون التفاوض بالشروط والمعطيات الحالية! ومن ثم فإن السؤال الذي يمكن أن يطرحه البعض في التعقيب على ما سبق هو: لماذا لا يقبل نظام الملالي ـ حتى الآن ـ دعوات الحوار طالما أنه يخشى الحرب ويسلّم بالتفاوض سبيلاً لإنهاء الأزمة؟
الإجابة هنا بمنتهى البساطة: أن مايحدث في المرحلة الحالية هو صراع إرادات سياسي، وأن كل طرف ـ الرئيس ترامب والملالي ـ يحاول تعزيز موقفه وتحسين شروط التفاوض بالوصول إلى أقصى مدى من التشدد والتهديد والوعيد واستنزاف طاقات الآخر وإشعاره بالخوف والقلق ـ والملالي ليسوا في عجلة من أمرهم لأن الخسارة قد حدثت بالفعل باقتراب الاقتصاد الإيراني من حافة الإفلاس، وبالتالي لا فائدة من تقديم التنازلات في المرحلة الراهنة، لأنها، ببساطة، تعني الاستسلام، وبالتالي هم يرون في الصمود وتحمل المعاناة والاستمرار في المناوشة والتهديد بتصعيد عسكري انتحاري ورقة مهمة في دفع البيت الأبيض لمراجعة حساباته وإعادة التموقع سياسياً؛ بينما يراهن الرئيس ترامب على أن شبح الانهيار الاقتصادي سيدفع المرشد الإيراني الأعلى في الأخير للاستسلام وقبول “تجرع السم” مثلما حدث للنظام من قبل حين يستشعر خطراً داهماً.
في ضوء ذلك، كيف يمكن أن يتصرف الجانبان؟! الواضح من محاولة فهم إدارة الأزمة أن كلا الطرفين يحرص على التمسك بالحذر وتفادي سوء الإدراك وتجنب التصعيد في حال انزلقت الأمور لمنحنى توتر مفاجئ بقرار من أحد الطرفين، كما حدث في أزمة اسقاط الطائرة الأمريكية من دون طيار “جلوبال هوك”، حيث سيطر البيت الأبيض على انفعالاته ونجح في تسويق موقفه سياسياً بعدم الرد تفادياً لوقوع ضحايا إيرانيين مدنيين، مرسخاً قاعدة جديدة من قواعد الاشتباك وهي وقوع ضحايا أمريكيين في أي اعتداء للجانب الإيراني. الجانب الإيراني يفعل الشيء ذاته، ويجب أن نعي أن الميلشيات التابعة للحرس الثوري قد تلقت ضربات عسكرية عدة في العراق وسوريا، ولم يصدر منها رد فعل مباشر، علماً بأن ساحة المواجهة الأمريكية لا تقتصر على مياه مضيق هرمز، بل تشمل العراق وسوريا واليمن، وهذه الساحة قد تفوق في أهميتها وأولويتها بالنسبة للجانب الأمريكي ما يحدث في مياه الخليج العربي، حيث تسعى الولايات المتحدة للحد من قدرة الحرس الثوري على تهديد أمن إسرائيل، وهذا الهدف يفوق ، من وجهة نظري المتواضعة، هدف استراتيجي مناظر مثل الحد من تهديد إيران للملاحة البحرية في الخليج العربي، باعتبار الهدف الأخير هدف دولي تتشارك فيه جميع القوى الإقليمية والدولية المعنية، بينما انهاء الوجود الإيراني في سوريا والحد منه في العراق هدف أمريكي ذا أولوية قصوى.
الخلاصة أن نظام الملالي يدرك انه يمتلك القليل من الوقت لتسوية أزمته سياسياً، والوقت المتاح لذلك سينتهي بموعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وبعدها يكون الرئيس ترامب، في حال فوزه بولاية رئاسية ثانية كما هو متوقع، متحرراً من كل القيود والوعود الانتخابية، وسيكون قرار توجيه ضربة عسكرية لإخضاع الملالي مسألة أسهل من الآن، ومن ثم فإن نجاح البيت الأبيض في إدامة العقوبات القاسية بكل تأثيرها المتصاعد على الاقتصاد الإيراني حتى بدايات العام المقبل، سيدفع الملالي لتليين موقفهم والقبول بالتفاوض شريطة ان يتم تسويق السيناريو جيداً للحفاظ على ماء وجههم أمام مؤيدي النظام في الداخل والخارج.