18 ديسمبر، 2024 7:50 م

كيف هبطت ثلاث طائرات مختطفة بالقرب مِنّا؟؟!!

كيف هبطت ثلاث طائرات مختطفة بالقرب مِنّا؟؟!!

ما سبق ذكره
بمقالتي السابقة التي نُشِرَت على صفحات هذا الموقع المحترم يوم 22/10/2020 عن تصاعد الأوضاع في عموم الأردني قبل أحداث أيلول/1970، فقد فَضَّلتُ أن لا أُطيل على المتابع الكريم عَمّا شاهدتُه وعشتُه من ساعات عصيبة -بحُكم القَدَر- لحدث في التأريخ لم تسبقه أية عملية إختطاف أُقتُرِفَت قبلها، وسوف لن تشابهها سوى واقعة 11/أيلول/2001 التي غَيََرَت مسيرة العالم والشرق الأوسط، وقد فَضَّلْتُ إرجاءَه لهذه المقالة التي أسرد أحداثها الآن أمام ناظِرَيكم.
وقد ذكرتُ في تلك المقالة أن فصيلاً يسارياً متطرفاً للمقاومة فلسطينية -لم يكن ذائع الصيت- نجح بتوقيتات متقاربة من نهار يوم الأحد 6/أيلول/1970 في إختطاف (3) طائرات ركاب مدنية ضخمة تمتلكها ثلاث خطوط جوية ذات شهرة عالميّة، تحمل بضع مئات من الرُكّابِ المدنيين، وإنطلقت مطارات مدنية آوروبية محترمة.
طائرتان فوق رؤوسنا
كانت ساعاتٍ حُبلى بأخبار مُثيرة ومتلاحقة وشبه فَورِيّة تتناقلها إذاعات عالمية عن أحداث تهمّ المملكة الأردنية وفلسطين المحتلّة وعموم الشرق الأوسط، حتى مالَت الشمس نحو المَغيب وقتما فوجئتُ بهدير طائرتَين مَدَنِيّتَين عملاقَتَين ذوات (4) محرِّكات نفاثة ضخمة، وهما تحلّقان فوق رؤوسنا وعلى إرتفاع غير معهود ومنخفِض للغاية، وكانتا تبتعدان عنّا عدة كيلومترات وتَحومان في شبه دوائر ثم تقتربان وتبتعدان ثانية.
ولِما كنتُ مولَعاً بالطائرات فقد ميّزتُهما، الأولى أمريكية والأخرى سويسرية، وقد أنزَلَتا عجلاتهما العديدة وكأن قبطانَهُما حائران في محاولاتهما بالعثور أو إيجاد أو تشخيص بقعةٍ مستوية وصلبة يستطيعان الهبوط عليها في تلك الصحراء بطائرتيهما الضخمتين واللتان تزن كل منهما حوالي (130) طنّاً.
إلتَمَّ أصدقائي الضباط حوالَيَّ، وكلنا مستغرِبون من إقتراب إحداها من الأرض وهبوطها بسلام على مبعدة بضع مئات من الأمتار من مُخيّماتنا وسط صحراء “خَو” القاحلة، وقد خلَِّفَتْ وراءها وحوالَيها غباراً كثيفاً لم يركد إلاّ بعد عدة دقائق لنرى سلامتها، قبل أن تتبعها الثانية بعد دقائق وتقف على مقربة منها.
شخّصتُ الأولى فكانت من طراز (بوينغ-707) لشركة الخطوط الجوية الأمريكية عبر العالم (TWA)، والثانية (دوغلاس DC-8) أمريكية المنشأ تابعة لشركة الطيران السويسرية (SWISS AIR)، والتي شَبَّ في عجلاتها اليُمنى حريق ملحوظ لحظة إحتكاكها بالأرض أُخمِدَ سِراعاً، ولم أَدرِ كيف تمّ إطفاؤه!!
إرتباكنا كثيراً
لقد أحسسنا بأنفسنا ووحداتنا المقاتِلة والسانِدة تحت ظلال واقعة جَلَل وقريبين للغاية من مهبط طائرَتَين مختطفَتَين على يد فدائيّين فلسطينيّين موصوفين بالإرهاب، فأصابنا الإرتباك لأكثر من الأسباب الآتية:-
أننا جحفل لواء عراقي مدرع تعداده (3500) عسكرياً.
التشكيل بمجموعه يحتضن أكثر من (200) دبابة وعجلة قتال مدرعة و(18) مدفع ميدان و(18) مدفع مقاومة طائرات وأسلحة مشاة مزوّدة بملايين الأعتدة ذات العيارات والأوزان المختلفة والذخائر المتنوِّعة، ناهيك عن مئات الشاحنات وسيارات الجيب وسواها.
والأهم من ذلك أن “نظامِ حُكمٍ ثَوري” يُجاهِر بدعمه للكفاح الفلسطينيّ والعربيّ المسلّح يتحكّم بأمورنا، ومن نستلم التوجيهات.
مَن سيصدّق أننا -نحن العراقيون- لسنا على علمٍ بهذه الإختطافات، ولم نُرَحِّب بها؟؟؟!!
ومن سيتقبَّل موضوعة أن حكومة “بغداد” لم تُنسِّق مع الخاطِفين لتهبط هاتان الطائرتان بالقرب منا وفي هذا الموقع النائي عن الأعين.
بل هناك مَن سيشير ويُصِرّ إلى كوننا نحن الذين مَهَّدنا للعملية!!!
وفوراً عَمّمَ آمر لوائنا المدرع/6 “العقيد الركن دَخيل عَلي الهِلالي” أمراً صارماً بإلتزام الجميع للمعسكر وعدم التقرب بشكل مطلَق نحو مهبط الطائرتَين ولأي سبب كان.
طائرة مختطفة إلى القاهرة
وهناك طائرة رابعة أُختُطِفت اليوم، تتبع شركة (PAN AMERICAN) الأمريكية، وهبطت في “مطار بيروت الدولي”،قبل توجّهها لهذا المهبط، ولكن قبطانها أقنع الخاطفين بإستحالة هبوط طائرته العملاقة الأضخم في العالم من طراز (بوينغ-747- جَمبو) في هذه البراري إطلاقاً، لذلك توجّهت إلى “ميناء القاهرة الجوّي”، ولكنها حالما إستقرّت في ساحة المطار مساءً حتى أُفرِغَت من جميع رُكّابها وفُجِّرَت أمام الأنظار بعبوات ناسفة، وذلك قبل أن تقبض قوة خاصة من الشرطة المصرية على خاطفيها المسلَّحين بعملية فورية.
من المسؤول؟؟
سارعت “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” -وهي منظمة راديكالية يسارية متطرِّفة تدعمها سوريا ومقرّها في دمشق- بزعامة السيد “جورج حبش” في تبَنّيها لعمليات الخطف، وأطلقت على موقع الهبوط تسمية “مطار الثورة”، وأعلنت أن جميع ركاب تلك الطائرات هم رهائن لا يُفرَج عنهم إلاّ بعد إطلاق سراح الفِدائية “ليلى خالد” -التي أُلقِيَ القبض عليها فجر اليوم في مطار “هيثرو” إثر فشل عملية إختطاف طائرة الركاب الإسرائيلية- ومئات الفدائيين الفلسطينيين المسجونين والمُحتَجَزين لدى كل من “بريطانيا، سويسرا، وإسرائيل” وفي أية دولة أخرى بالعالم.
وقد إستجلب أسماعنا أن “منظمة فتح” -وهي الفصيل الأعظم قبولاً والأساس لمنظمة التحرير الفلسطينية- أصدرت بياناً أوّلِيّاً مقتضَباً تطرّقت فيه إلى المؤامرات القائمة على الفدائيين من دون ذكرٍ واضح لخبر إختطاف الطائرات سوى عبارة ((أن50 إسرائيلياً هم الآن في مطار الثورة)).
ولكن السيد “ياسر عرفات” -رئيس منظمة التحرير الفلسطينية- أبدى تأييده الضِمنيّ لعملية الإختطاف وإعتبرها نصراُ ناجزاً لعموم المقاومة الفلسطينية أزاء الإحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين المسلوبة.
توجيهات قائد فرقتنا
في صبيحة اليوم التالي (الإثنين- 7/أيلول/1970) سارع قائد فرقتنا المدرعة/3 “العميد الركن إسماعيل تايه النعيمي” إلى مقر لوائِنا آتياً من مقر قيادته بمعسكر “المَفرَق” وبصحبته رئيس أركان الفرقة “العقيد الركن محمد فتحي أمين”، ليتفقّدنا قبل أن يطلب حضور آمري وحدات جحفل اللواء وآمري السرايا والبطريات -وكنتُ من بينهم- ليلتقي بنا مجتمِعين.
وإليكم أسماء الضباط الحضور مِمَّن لم أَنسَهُم:-
الرائد الركن عبدالغني الشاهين- مقدم اللواء، مع ضباط ركن مقر اللواء.
المقدم الركن طارق جلال القاضي- آمر فوجنا.
الرائد الركن نعمة فارس المُحَيّاوي- آمر كتيبة دبابات المقداد.
النقيب الركن عبدالعزيز الخطيب- آمر كتيبة دبابات خالد.
النقيب فائق جاسم الأعظمي- وكيل آمر كتيبة المدفعية/19.
الملازم أول نجات سعدالله الصالحي- وكيل آمر سرية الهندسة المتجحفلة مع اللواء.
آمر بطرية مقاومة الطائرات الملحقة باللواء… لا يحضرني إسمه.
ولكننا رأينا السيّد القائد -الذي كنّا نُحِبُّه ونُبَجِّلُه- بوجه مُتَجَهِّم يشوبه بعض الإرتباك على غير عادته، حيث تحدث عن الموقف القائم حوالَينا، وقد وقف إلى جانبه آمر لوائنا المدرع/6 “العقيد الركن دخيل علي الهلالي”:-
هذه البقعة التي هبطت فيها هاتان الطائرتان ليست مجرّد أرض صلبة وسط صحراء مثلما تتصوّرون، بل هي مَدرَج متروك لمطار عسكريّ بريطانيّ تحت مُسَمّى “داوسون” كان يخدم معسكر الزَرقاء، وقد أُستُخدِمَ منذ العشرينيّات وخلال الحرب العالمية الثانية وما بعدها، قبل أن يُهمَل مؤخَّراً ويُلغى.
الموقف الراهن حسّاسٌ للغاية، وهذه العملية -رغم جرأتِها- ستكون لها ذيول وذيول، فالعالم لا يتقبَّل مثل هذه التصرفات التي يُحتَمَل أن تُسِيء للقضية الفلسطينية أكثر ممّا تخدمها.
ليست قيادتنا السياسية -لوحدها- لم تكن على غير علم بهذه العملية، وأن الأخ “ياسر عرفات” لم يُبَلَّغ بها فحسب، بل أنها تصرّف وقرار إنفرادي أقدمت عليه الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
ولكن الذي أستغربه في هذا الشأن، وأتساءَل:- كيف إستطاع هولاء المسلّحون والُمجَهّزون بمتفجِّرات من إجتياز نقاط التدقيق وتسلّلوا عبر أجهزة التفتيش المفترَضة والنَشِطة وسط مطارات محترمة؟! وكيف دخلوا في متن عدة طائرات مدنية بأوقات متقاربة وسيطروا عليها وأرغموا قباطِنَتَها على تغيير مساراتها والتوجّه نحو مطارات عربية والهبوط فيها؟؟!! ولماذا لم يتدخّل أفراد الحماية الرسمبّون المسؤولون عن سلامة هذه الطائرات قبل الإقلاع وأثناءه وبعده وخلال التحليق كما عملت مجموعة حماية الطائرة الإسرائيلية قُبَيلَ هبوطها؟؟؟!!!
وكيف حَدّد المختطِفون إحداثيات موقع هذا المهبط الصحراوي المتروك والمُهمَل الذي يتحمَّل هكذا طائرات ثقيلة والتي يبلغ وزن كلّ واحدة منها عشرات الأطنان؟؟؟؟!!!!
كلّ هذه الأسئلة لا أجد إجابات أو إيضاحات مقبولة بالوقت الراهن.
والآن آمُرُكُم جميعاً بالإبتعاد عن هذه المعضلة وعدم الإحتكاك أو الإلقاء بشكل مطلق سواءً مع القوات الأردنية أو مسلَّحي الجبهة الشعبية الذين يحاصِرون هذا الموقع.
وبشكل خاص أبلغوا الضباط الفلسطينيين العاملين في وحداتكم بذلك، فوجود أيّ منهم على مقربة الطائرات مرتدِياً قيافة عسكرية عراقية قد يسبّب لنا مشكلات وأقاويل نحن في غنىً عنها.
لا تسمحوا لأي عسكري أو مدنيّ أردني أو فلسطيني أو أجنبي التقرّب من مخيّماتكم، ولا تستقبلوهم مطلقاً أو تساعدوهم حتى لأسباب إنسانية.
آمُرُكُم وضباطكم وجنودكم بعدم إلتقاط ولو صورة واحدة إلى جانب أيٍّ من مُراسِلي الصحف والتلفزيونات العربية والأجنبية، كي لا يُفَّسَر ذلك أن الجيش العراقي يدعم فُلاناً أو عِلاّناً.
وإعتباراً من اليوم قررنا إيقاف مناهجكم التدريبية على التمارين والمناورات المزمَعة، وعليكم إلتزام مخيّماتكم هذه حتى إشعار آخر.
يوم 7/أيلول/1970
ومن الطبيعي تنفيذ أوامر السيد قائد الفرقة، لذا إضطررنا إلى مراقبة الطائرتَين الجاثمتَين وما يُحيطُهما بإستخدام نواظيرنا اليدوية المُكبِّرة إضافة إلى مَراقب المدفعية التي تُكَبِّر (40) مرة.
كنا نراقب -عن بُعد- عشرات المسلّحين الفلسطينيين المُلَثَّمِين بـ”الياشماغ” الأحمر وقد أحاطوا بهما عن قُرب، فيما تُحيط بهؤلاء -بدائرة أوسع- عدد من المدرعات والدبابات وسيارات الجيب المسلَّحة وجنود القوات الخاصة من الجيش الأردني.
وبينما تدفَّقَ العشرات من مراسلي ومصوِّري الصحف والإذاعات والتلفزيونات العربية والأجنبية، فقد كانت هناك حركة دؤوبة لسيارات إسعاف من الهلال الأحمر الأردني وأُخريات من الصليب الأحمر الدولي وسيارات مدنية ذاهبة وآيبة لم نتعرّف على هويّاتها… أما نحن فقد كانت بأيدي البعض منا أجهزة راديو نستمع من الإذاعات -وبالأخص الأجنبية- مُجرَيات الأمور ولو كانت على مئات الأمتار من مخيّماتنا.
وأخيراً نفدَ صبري!!!
ولما حلّ عصر ذلك اليوم نَفَدَ صبري ولم أعُدْ أتحمَّل مشاهدة هذا الحدث التأريخي القائم عن بُعد، فهرعتُ إلى آمر فوجنا “المقدم الركن طارق جلال القاضي” في خيمته لأستئذن منه الذهاب قريباً من الطائرتين لألتقط ولو صورة واحدة قربهما بآلة تصوير لا يمتلكها سواي دون زملائي في حينه، وإصطف إلى جانبي الصديق العزيز “النقيب مصطفى علاء الدين” -الضابط الإداري لفوجنا- وبعد رجاء وإلحاح وافق السيد الآمر شريطة أن نترك مسدساتنا في الخيم ولا نتنقل بسيارتنا العسكرية بل نسير على قدَمَينا، ولا نختلط هناك بأيّ أحد.
وجاءتنا طائرة ثالثة!!!
إنقضى نهار اليوم الثالث للحدث (الثلاثاء- 8/أيلول) ببعض الهدوء المشوب بمناقشات ميدانية وبأعصاب متصاعدة وأخرَيات تجري وراء الكواليس حتى تواردت الأنباء عن موافقة قيادة الجبهة الشعبية بنصائح الصليب الأحمر الدولي على إطلاق سراح البعض من كبار السن والمرضى والنساء والأطفال الذين نُقِلوا تحت حراسة مشددة إلى فندق “إنتركونتِنِنتال” الفاخر في قلب العاصمة “عَمّان”.
ولما حلَّ ظهيرة (الأربعاء- 9/أيلول) تناقلت وسائل الإعلام نبأ إختطاف مسلّحين من الجبهة الشعبية ذاتها طائرة ركاب بريطانية ضخمة كانت في طريق عودتها من العاصمة البَحرَينية “المَنامة” إلى “لندن”، ولم تَنقَضِ سوى ساعتين حتى إصطفّت بمثابة طائرة مختطفة ثالثة إلى جانب زميلَتَيها بعد هبوطها بصعوبة بالغة في “مطار الثورة”، وكانت من طراز (VC-10) التابعة لـ”شركة الطيران البريطانية فوق البحار” (B.0.A.C) العملاقة، في حين لم أتأخر في إلتقاط صور تذكارية أخرى بالقرب منها مساء اليوم ذاته.
المخطوفين والخاطِفين
ساعات يومَي الثلاثاء والأربعاء (8-9/أيلول) كانت إمتلأت بأحداث لم تكن لصالح الخاطفين، وكان أفضلها إطلاق سراح البعض من الركاب تباعاً وتسليمهم للصليب الأحمر الدولي، وعلى أمل أن يتم إطلاق المرتَهَنين الآخرين كونهم باتوا يُعانون مع مصاعب جراء حرارة الطقس بواقع يزيد على (40) درجة مشوبة برياح الصحراء القارضة وأتربتها ورمالها طيلة النهار مع تَدَنّيها ليلاً إلى ما دون (5) درجات مئوية، ومحدودية الطعام وشحّة الماء الصافي للشرب والإستعمالات الأخرى، والتزاحم المضطرد لإستخدام المرافق الصحية المحدودة عدداً والصغيرة مساحة داخل الطائرة، والتي تراكمت فيها الفضلات وباتت روائحها تُزكِم الأنوف مع إنعدام مياه الغسيل المفترض توفيرها، ناهيك عن الإرهاصات النفسية مع إقتراب الموعد الأوّلي الذي كان مقرّراً أن ينتهي خلال (72) ساعة، قبل أن يمدِّدُه “جورج حبش” (24) ساعة فقط ويحدِّده بالساعة الرابعة من فجر (الخميس 10/أيلول) لضرورة إطلاق سراح جميع السُجَناء والمعتقَلين الفلسطينيين لدى الدول صاحبة الطائرات المختَطَفة.
وبينما إلتزمت “واشنطن ولندن” وسواهما الصمت أزاء مطالب الخاطِفين ونَوَّهَت “بيرن” لإحتمال قبولها للمطلَب، فإن “غولدا مائير” -رئيسة وزراء إسرائيل- خرجت على العالم في خطاب غاضب ومُتَلفَز أمام “الكَنيست” مفاده أنه يستحيل على حكومتها إطلاق سراح ولو مسجون أو معتقل فلسطيني واحد بطلب يبتغي أولئك المختطِفون فرضه على “تل آبيب” حتى لو كان لنتائج هذا القرار أبهظ الأثمان… فيما بَدَتْ وكأنها (تأمر) الدول الثلاث الأُخرَيات لتنتهج نهج حكومتها.
توقّعات الخبراء والمحلِّلين
كنتُ -مع عدد من أصدقائي الضباط- نتابع الأنباء الساخنة من الإذاعات الأجنبية الموثوقة وشبه الحيادية من دون الإذاعات العربية التي أغلقناها لتعاكس وجهات أنظارها حسب أنظمة الحكم وزعمائها، كي لا تتشابك الوقائع والحقائق على أسماعنا وعقولنا.
والأكثر من ذلك فقد إنصبَّ إهتماماتنا بآراء الخبراء والمحلِّلين الستراتيجيين والعسكريين والسياسيين الأجانب حيال ما ينظرون إليه عن بُعد، فَهُم عادةً لا يرتبطون بهذا وذاك فلا يجامِلون، بل يحترمون أنفسهم ووظائفهم وإختصاصاتهم لدى مراكز بحثية تمتاز بثقلها ورَصانَتِها على مستوى العالم.
كانت الأخبار والتحليلات تشير إلى الكثير من الأمور التي تشغل البال وتُرهِق الأعصاب وتضع أيِّ مُتابع ومُدرِك يضرب أخماساً بأسداس ويتوقّع الإنحدار نحو الأخطر فالأخطر، وأستطيع إختصارها على شكل نقاط:-
تباين شديد في الطروحات العربية، والتَضادُّات الأشد تبرز في مواقف الدول المتاخمة للأردن.
القوات المسلّحة الإسرائيلية وُضِعَت في أقصى درجات الإنذار، ونخبة من قواتها الخاصة مُهَيَّأَة للتدخّل لإنقاذ المُرتَهَنين من الطائرات الثلاث… ولكن هذا الإحتمال أُستُبعِدَ خشية تعرّض العشرات من المدنيين إلى الموت بلا رَيب، ناهيك عن كون الطائرات ملغومة وجاهزة للتفجير بُعَيدَ هبوطها.
“سوريا” تُهدِّد بالتدخّل و”العراق” يُنوِّه إعلامياً إذا تعرّض الخاطِفون والفصائل الفلسطينية لأيّ أذىً، و”مصر والسودان والجزائر” غاضبة ولكنها ناصِحة، و”السعودية” وإمارات الخليج العربي تدعو للتهدِئة.
“واشنطن” تُلَوِّح بإستخدام القوة، وقد أوعز “البنتاغون” للأسطول الأمريكي السادس يترك أواسط البحر المتوسط ويتحرَّك إلى شَرقِيِّه، ذلك الأسطول الضخم الذي تتوسّط بوارجَه ومدمِّراته وفرقاطاته حاملة طائرات واحدة محمولة بـ(93) طائرة، في حين توجّهت حاملتا طائرات عملاقتان أُخرَيان مع (3) من سفن الصولة البرمائية المجهزة بعشرات الهليكوبترات والمحملة بلواء مشاة بحري (مارينز) في طريقهم ليكونوا خلال بضعة أيام تحت إمرة قيادة الأسطول السادس.
“بريطانيا” أنذَرَت قواتها الجوية وعزّزت وحداتها البرية المنتشرة بقاعدتَيها في جزيرة “قبرص”، فيما أتت بمجموعات من قوات عملياتها الجوية الخاصة (S.A.S) لإحتمالات التدخل في الأردن وسواه.
المواقف الميدانية الأخطر والتي تشغل البال أكثر من الأُخرَيات، هي:-
وجود آلاف الفلسطينيين في صفوف وحدات القوات المسلَّحة النظامية الأردنية، والذين يحتمل أن يكون البعض منهم مَيّالين لتوجّهات الفصائل الفلسطينية أو ربما يَنضَمّون لصفوفها، أو لربَّما يخرجون على أوامر قادتهم فيتَشَظى الجيش الأردني.
تعداد تشكيلات الجيش العراقي بدباباته ومدرعاته المتمركزة في معسكرات الزرقاء والمَفرَق ومحافظة درعا السورية المتاخمة للحدود الأردنية ربما يفوق ما يمتلكه الجيش النظامي الأردني بكامله، فإنْ إصطف “العراق” لجانب الفلسطينيين عندئذٍ يغدو “الأردن” في موقف صعب للغاية.
وينطبق ذلك على الجيش السوري، من حيث إنتشار معظم وحداته المدرعة في بقاع قريبة للغاية أو متاخمة للأرض الأردنية.
خاتمة الكلام
أما نحن في مخيمات اللواء المدرع/6 المُتاخِمة لمهبط الطائرات المختَطَفة والمتعايِش مع هذه الأحداث، فإننا لم نستلم أية أوامر أو توجيهات من أي أحد سوى حديث السيد قائد الفرقة قبل ستة أيام، فلا ندري ماذا سنفعل إن وقع أيٌّ من أسوأ التوقعات، وكيف سنتصرف أزاءها!!!!
ولكن هذا ما سنأتي عليه في مقالة قريبة قادمة بعون الله.