سؤال يجيب البعض عنه عملياً بصور سلبية شتى لا تخفى عليكم فتجار عاشوراء كُثُر ومتنوعون، ولن نخوض في تفاصيل ذلك وليس هذا ما يهمنا، عاشوراء عنوانها الذي اختاره له الإمام الحسين عليه السلام في كلمته الشهيرة هو “طلب الاصلاح”، ونعني بالاستفادة وفقاً لهذا المعطى الكبير ووفقاً لتفاعل الناس مع الحدث في أطر وأساليب متنوعة تتناسب والزمان والمكان.عاشوراء وفقاً لأسبابها هي طلب الاصلاح كما قلنا، ومن منا يرفض القول بأننا كأفراد وكمجتمع وكأمة بحاجة إلى اصلاح؟من الناحية الدينية الحال لا يخفى على المتتبعين فلا سوقنا-نقصد في الاعم الاغلب طبعاً- سوق مسلمين ولا دوائرنا دوائر مسلمين ولا تعاملنا تعامل مسلمين، ولا إعلامنا إعلام مسلمين ولا سياستنا ولا ساستنا ساسة مسلمين!
أبحث عن الاسلام في هذه الاماكن والمواقع وغيرها تجده قد رُكن في زاوية مهملة ولو شاء الله أن ينطق لقال: عُدت غريباً كما قال نبيكم!
أما الامراض الاخلاقية التي تعصف في المجتمع فنظرة سريعة إلى الدعاوى وأنواعها في المحاكم ومراكز الشرطة تخبره إلى أي مستوى تردينا!
نعم هناك حالات إيجابية كثيرة وقد يقول البعض إن الحال ليس بهذا السوء الذي وصفناه، ولكن بلا شك لن يختلف معنا أحد إن الحال يتطلب إصلاحاً.
أما من الناحية السياسية فبلاد المسلمين بين رازحة تحت حكم ظالم مستبد أو فوضى سياسية وأمنية في الغالب والاستثناءات قليلة.أما الحال في العراق فحدث ولا حرج فدعوات الاصلاح كثيرة ومتنوعة والكل يدعو للإصلاح بشكل ملفت للنظر، ولا تعرف من المفسد المقصود بالإصلاح ولمن نوجه دعوة الاصلاح، عموماً لا يختلف عاقلان على إن الوضع سياسياً سيء ويتطلب اصلاحاً.أما من الناحية الاقتصادية فالفقر والعوز هي الطابع العام للبلاد الاسلامية ما عدا بعض الاستثناءات، ولم تنجح الدول الاسلامية في بناء اقتصاديات رصينة إلا في النموذج الايراني والتركي بعض الشيء، وتجربة ماليزيا الرائدة، وتجربة الامارات وإن كانت اقتصاد فقاعة كما يقول أهل الاختصاص، أما في العراق فكأن المسألة الاقتصادية تدار بلعبة زار فلا تعرف متى يظهر لك أي رقم والتقشف جاء ليقضي على الكثير من الآمال.
أما من الناحية العلمية والفكرية فالحديث طويل ومؤلم.
الخلاصة نحن وحالنا بحاجة للإصلاح، فكيف نستفيد من عاشوراء في ذلك؟بحسب تصوري إن للأمر ثلاث محاور:
الأول: محور تحليل الحادثة وأسبابها وأدواتها والافادة من ذلك:
ونقصد به فهم وقراءة عاشوراء قراءة صحيحة فيما يتعلق بالأسباب وادوات العمل، فعاشوراء معركة طلب اصلاح نجحت وأدل دليل على نجاحها خلودها، ونستفيد من ذلك في معاركنا الاصلاحية مع أنفسنا وفي المجتمع من ناحية:1-التوقيت: فاختيار التوقيت مهم جداً، فالإمام الحسين عليه السلام منذ استلامه الإمامة بعد أخيه الحسن عليه السلام وهو يتلقى دعوات النهوض ولكنه لم يتفاعل معها إلا بعد وفاة معاوية وبعد مجموعة إجراءات قام بها يزيد، كما إن اختيار موسم الحج لم يكن عبثياً.
2-المكان: اختيار محل الانطلاق سواء في الاعلان عن الاصلاح أو البدء به مهم جداً، لاحظ إن الامام الحسين عليه السلام من أين انطلق وبأي أماكن مر وأين استقر به الحال.
3-الانصار ومستوياتهم:
لا يمكن الحصول على أنصار لفكرة اصلاح بمستوى واحد، ولكن مستوى عددي معين ومستوى قبول وتفاعل معين هو المطلب للبدء بالإصلاح، ولا يمكن تصور البدء بدونه وأحاديث الأئمة عليهم السلام بهذا الخصوص كثيرة وواضحة.4-الاعلام:له دور كبير في البدء والتفاعل كما إنه يمثل تحدياً، فالعدو يستطيع تحريك الإعلام أيضاً ولعله أقدر منا بحكم إمكانياته المادية ومغرياته وعدم تقيده، ومع ذلك كسب الإمام الحسين عليه السلام المعركة إعلامياً عبر استخدام وسائل غير مألوفة كإحضار النساء والاطفال في ساحة المعركة مثلاً.
5-اسلوب إدارة المعركة: لو تابعنا مجريات إدارة المعركة لوجدنا الكثير من الجوانب التي اختصت بها كربلاء، لخصوصية قيادة الإمام الحسين عليه السلام وخصوصية المعركة نفسها، وكل حالة من حالات عاشوراء هي درس ننتفع به.
من خلال ملاحظة كل ذلك يمكننا أن نستفيد من عاشوراء عبر الاستفادة من دروسها على مستوى إصلاح النفس وإصلاح المجتمع وكيفية ذلك زماناً ومكاناً وإدارة، فأول وأهم درس ينبغي أن نتعلمه ونستفيده من عاشوراء هو: أن نكون طالبي إصلاح، والدرس الثاني: إن للإصلاح توقيته ومكانه ورجاله واسلوبه، والدرس الثالث: إن طالب الاصلاح ينبغي أن يكون صالحاً، والدرس الرابع: إن النظر للنتائج أمر متعب وتوطين النفس على الصبر وتوقع الاحتمالات السيئة هو الصحيح، والدرس الخامس: إن السعي للإصلاح أو طلبه بدون توقع تقديم تضحيات أكذوبة، فلا بد من تقديم تضحيات، والدرس السادس: إن هناك دروس كثيرة فكلما تعمقنا في قراءة عاشوراء جيداً وطبقنا ما نعرف وأخلصنا النية كلما حصلنا على دروس وفوائد لا حصر لها من عاشوراء. الثاني: محور التعاطي مع تفاعل الناس مع الحادثة:
ونقصد به التأثير الكبير الواضح لعاشوراء على الجميع تقريباً، فلا يوجد صغير أو كبير، مثقف أو جاهل، صاحب جاه أو إنسان بسيط، غني أو فقير، إلا وأثرت فيه عاشوراء، ويمكن من هذه الناحية الاستفادة من عاشوراء في التالي:1-الضمانة الأخيرة:
عاشوراء-وكل ما يتعلق بالحسين عليه السلام- لها تأثير عاطفي على الناس بشكل كبير، وتأثير العاطفة ليس كتأثير الأدلة المنطقية، إذ يمكن تحريك العاطفة بأدنى تأمل وأدنى تأثير وبدون تكلف، فلذا ينبغي عدم تشويه صورة عاشوراء العاطفية وعدم إهمالها، لأنها تمثل للكثيرين الضمانة الاخيرة للارتباط بالدين وخط الرجعة-كما يعبرون- لهم، وهذه فائدة كبيرة، ولذا نرى سريان الافكار الهدامة من الإلحاد وغيره في المجتمعات الشيعية أقل من غيرها لأن هناك خط رجعة يمكن أن يقود الشخص لإعادة النظر.
2-الروح الجماعية:
في عاشوراء ومراسيمها المختلفة- بغض النظر عن تقييمنا لها- روح الجماعة هي السائدة في العمل، وفي الاسلام واحدة من علل التشريعات الجماعية كالجمعة والجماعة وغيرها هي بث هذه الروح وتقويتها، والحال إن عاشوراء مذهلة في ذلك ، فترى الكل يعمل وكأنهم خلية نحل، وهذا أمر مهم وكبير، ينبغي الاستفادة منه عبر توضيحه وشرح أهميته ومحاولة دراسته ونسخه في مجالات أخرى نحن كأحوج ما نكون للروح الجماعية فيها.
3-التواضع:
خلق يرافق الجميع واقعاً أو تصنعاً -حتى إنه لشدة التواضع يطلق على من يشارك في الفعاليات “خادم” وهذه صفة لو اطلقت على أحد في مكان أو زمان آخر لرفضها- في مراسيم عاشوراء وما يرتبط بها امتداداً إلى الزيارة الاربعينية وغيرها، وهذا الخلق ينبغي أن يتم التركيز عليه والحث عليه أكثر، ومحاولة استنساخه في مجالات الحياة الأخرى، فخادم الحسين خادم له في كل حين وليس في محرم أو صفر واثناء تقديم الخدمة فقط وتحقيق ذلك يكون عبر الاستمرار على هذا الخلق في باقي أيام السنة وتطويره سنة بعد سنة.
4-أخلاق التعامل الأخرى:
الأمر ليس منحصراً بالتواضع فأخلاق التعامل مع الآخر على افضل حال في عاشوراء بين الناس، وهذا ما ينبغي دراسته والحث عليه ومعرفة كيفية الحفاظ على ديمومته.
والامر لا ينحصر بهذا بل يتعداه إلى بث روح الالفة بين الناس والرحمة والتعارف بينهم خاصة في موسم زيارة الاربعين فتجد الزوار من مدن مختلفة بل من دول مختلف وبلغات مختلفة، وشخصياً اعرف اشخاص صارت لديهم صداقات مع اشخاص من دول أخرى بسبب عاشوراء ومواسمها.
5-موسم الوعظ الكبير:
إنها موسم الوعظ الكبير، ففي غير عاشوراء والمناسبات الاخرى لن يستمع لك الكل يا خطيب و يا واعظ و يا كاتب و يا مفكر و يا آمر بالمعروف وناهي عن المنكر، فنوّع في الاساليب واختر من الوعظ الاكثر تأثيراً والأثبت أثراً، وليس التنويع على مستوى الوعظ فقط بل ينبغي التنويع في الاسلوب والطرح والآليات في فعاليات عاشوراء كافة، فما المانع من أن تكون إلى جنب الموعظة أو عمل الموكب مسابقة فكرية مثلاً، أو معرض كتاب، أو غير ذلك.
6-تسويق الإسلام:
وهذه أهم نقطة ونختم بها في هذا المحور فالفوائد كثيرة وكبيرة اقتصرنا على المهم الواضح منها، نعم فلو استحضرنا أخلاق عاشوراء بما مثله الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه، وأهدافهم ، لكانت صورة الإسلام عند الآخر صورة أخرى، فعاشوراء-مواسم وفعاليات- أداة مهمة من ادوات تسويق الاسلام والتشيع، ولكن ذلك يتطلب تكاتف وتركيز على ما ذكرناه سابقاً، واستبعاد كل ما من شأنه أن يشوه الصورة أو أن يكون أداة هدم بيد الآخر كبعض الافعال المنسوبة للشعائر مثلاً. الثالث: فوائد أخرى غير ملتفت لها في الغالب ونذكر أمثلة فقط:اقتصادية:
عاشوراء والاحتفاء يتطلب منتجات خاصة من ملابس ورايات وغيرها لماذا لا يكون هناك صناعة محلية مرتبطة بعاشوراء تجنبنا التبعية للمنتجات الاجنبية واحتمال استخدامها من قبلهم كأداة لتسويق أفكار معينة، وتشجع على خلق صناعات اخرى، وتشغل العاطلين عن العمل ولعله تكون محل منافسة مفيدة؟ ويمكن أن تكون اداة من أدوات تسويق الفكرة للآخر فكم من فكرة سوقت لنا عبر منتج اقتصادي!
وللفائدة الاقتصادية صور أخرى، بشرط أن لا تكون أساس في نظرنا لأن ذلك يفقد القضية بريقها وتأثيرها في النفوس والاصلاح.فنية:
لعاشوراء فنها الخاص فبدل الابقاء عليه في مستواه البسيط فلنرتقي به إلى العالمية ليكون أداة تسويق واصلاح هو الآخر، فمن التشابيه التي يمكن أن تكون مكاناً لإبداع فني فيما لو وجدت من يرعاها، إلى الخط ، إلى الرسم، إلى النحت وغير ذلك.
إبداعية:
يبتكر اصحاب المواكب وغيرهم ممن يعملون في مواسم عاشوراء أفكار وأساليب جديدة لجذب الزائر والمشارك وإراحته، فلماذا لا تكون عاشوراء موسم إبداع في الميادين العلمية، قبل بضعة سنوات نقلت إحدى الفضائيات عن شاب من كربلاء أو من الحلة صنع حذاء تشحن إثناء المشي لمساعدة المشاة في الزيارة الاربعينية على شحن هواتفهم، وفي أحدى مواكب محافظة ذي قار على طريق الناصرية-سماوة شاهدت أحد المواكب وقد قام الخدام فيه بتحوير بعض السخانات والخزانات للحصول على أكبر كمية من الماء الحار لخدمة الزائر، العلم أو التقنية بالذات الآن في العالم ترفع كشعار للحل، فالحل التقني صار يأخذ مساحة كبيرة في حل الكثير من المشاكل، ويمكن تشجيع مثل هكذا حلول بل وعرضها وتوسيعها.
وغير ذلك من الفوائد التي لا يسعنا الخوض في تفاصيلها كافة كالرياضية والعمرانية والاجتماعية وغيرها.