هل أحسنت إيران قراءة الرسالة الخليجية التي حملها وزير الخارجية الكويتي؟ كيف قرأت إيران الموقف الأميركي بعد استقالة مايكل فلين؟ وكيف قرأت الموقف الروسي من مؤتمر آستانة؟ والأهم كيف تقرأ الموقف الإسرائيلي؟ هل قرأته من خلال رغبة نتنياهو في استمرار بعض بنود الاتفاق النووي الذي يؤخر قيام دولة إيرانية نووية؟ أم قرأته من خلال حث إسرائيل على تقييد يد إيران في دعم حماس و«حزب الله»؟
لنتذكر فقط أن الخطاب العلني الإيراني ليس سوى جزء من السياسة الإيرانية ولا يعكس موقفها الحقيقي، فهو أداة للتفاوض تصعده إيران لإرضاء الجماهير الثورية كما تسميهم وتفاوض به من سيجلس على الطاولة معها، ولكنه لا يعني أبدًا حجم «التنازلات» التي من الممكن أن تقدمها إيران حفاظًا على بقاء نظامها ومصالحه، إن هي أجبرت على الجلوس، وهي الآن في وضع مجبرة فيه على التفاوض مع روسيا وأميركا ودول الخليج.
إنما إيران قرأت الرسالة الخليجية على أنها ضعف، وردت بأن على دول الخليج لا إيران «انتهاز الفرصة التي قد لا تتكرر». لم تفهم إيران أن تلك الرسالة ما جاءت إلا بناء على إلحاح من دول خليجية ترى ضرورة منح إيران فرصة جديدة لتعود لعقلها لمنع صدام إيراني أميركي تزيد احتمالاته يومًا تلو آخر، وذلك ليس من صالح المنطقة ككل.
إيران لا ترى إلا الزاوية الخاصة بها، فتعتقد أنه بناء على أن لها اليد الطولى في الملفات التي ترغب الدول الخليجية في حلها فذلك وضع يقوي موقفها التفاوضي ويضعف الموقف الخليجي، وكل ما تحتاجه إيران هو كسب مزيد من الوقت من خلال تحييد الموقف الخليجي بسلسلة جلسات تفاوضية طويلة تغير فيها من واقع الأمر بالقدر الذي تمنحه إياها الفرصة، وكذلك تنظر للمواقف الخليجية المتباينة على أنها فرصة لشق الصف الخليجي وزعزعة تماسكه، فكان هذا هو فحوى الرد الذي حمله روحاني لمسقط والكويت، بأن على دول الخليج لا إيران، انتهاز الفرصة التي قد تكون الأخيرة لهم!! ذلك منتهى العمى السياسي، إن صح التعبير.
وكما قرأت إيران الموقف الخليجي خطأ قرأت كذلك الموقف الأميركي خطأ، حين هللت لخبر تقديم مايكل فلين مستشار الأمن القومي استقالته، خاصة أن فلين كان قد أصدر تحذيرًا رسميًا لها بألا تلعب بالنار وتختبر حزم الرئيس الأميركي الجديد. فاعتبرت الصحف الإيرانية خبر إقالة فلين انتقامًا ربانيًا لها، تلك قراءة قاصرة، فملابسات استقالة فلين لا علاقة لها بالموقف الأميركي الجديد من إيران، بل بالعلاقة الروسية الأميركية، التي لا يجرؤ أي من الأحزاب الأميركية على التهاون معها.
إيران التي فرحت بإقالة فلين لم ترَ أن هناك طاقمًا كاملاً قادمًا كالبلدوزر تجاه التشدد معها، لا كرهًا فيها ولا حبًا في الدول العربية، إنما هي مصالح استراتيجية مهمة للولايات المتحدة ترى شريحة كبيرة من الجمهوريين ومن المؤسسة العسكرية الأميركية أنها تعرضت للتهديد نتيجة سياسة أوباما الكارثية في المنطقة نتج عنها تصاعد حدة الإرهاب وتعرض الأمن الدولي كله للخطر بسببها، وتتفق تمامًا أن إيران لها دور كبير في ذلك التصاعد، والآن جاء دور تلك الشريحة كي تعيد الأمور لنصابها.
فإذا علمنا أن ديفيد بتريوس من أبرز المرشحين لتولي المنصب خلفًا لفلين فإننا أمام رجل قال إن أموال الاتفاق النووي الإيراني هي ما يمول الحرس الثوري الإيراني، وإذا أخذنا في الاعتبار أن الإدارة الأميركية تدرس تقديم مشروع اعتبار تلك المؤسسة العسكرية الرسمية الإيرانية منظمة إرهابية، فإننا أمام تطور غير مسبوق في المواجهة الأميركية الإيرانية.
وإن ذهب فلين فإن وزير الدفاع ماتيس من أشد المنتقدين للاتفاق النووي ولسياسة أوباما تجاه إيران، وكذلك هو مايك بومبيو رئيس الـ«سي آي إيه»، المعروف بموقفه المعادي لإيران وللاتفاقية النووية، والذي قال في تغريدة له على موقعه الخاص إنه يتطلع إلى «إلغاء الاتفاقية الكارثية مع أكبر دولة راعية للإرهاب»، في إشارة إلى الاتفاق النووي مع إيران.
وهذا الرجل حصل على 66 صوتًا داخل مجلس الشيوخ حين رشحه الرئيس الأميركي، رغم أن مرشح هذا المنصب لا يحتاج لغير نسبة 50 في المائة + 1 من الأصوات لكي يتم تثبيته.
إيران إذن أمام غالبية في السلطة التشريعية وغالبية حكومية أميركية تكاد تتوافق تمامًا مع التشدد تجاه سلوكيات إيران في المنطقة، هذه هي القراءة الصحيحة للموقف الأميركي الذي يجب أن تقرأه إيران.
الأهم أن الموقف الإسرائيلي وإن حبذ استمرار الاتفاق النووي فإنه مع تشديد العقوبات على إيران للحد من دعمها للمنظمات التي تعتبرها إسرائيل مهددة لأمنها.
فإذا وضعنا في الاعتبار تململ الروس من عرقلة إيران لاجتماع آستانة وتمسكها بعدم خروج «حزب الله» من سوريا، فإن إيران أمام إجماع أممي اتفق على ضرورة التصدي لها، وتلك قناعة إذن لم تعد تقتصر على دول الخليج، قد تختلف الآليات، إنما تتفق على الهدف، كانت تلك هي الرسالة الخليجية التي لم تحسن إيران قراءتها.
* نقلا عن “الشرق الأوسط”