إذا لم يحالفهم الحظ هذه المرة ومضت الأمور كماهي عليه اليوم فإن الكرد كأمة ممزقة حالمة ستسحق ثانية وبطريقة مشابهة لمامر عليها من عذابات وحروب ودمار وسحق على يد العرب والترك والفرس، وربما سيعود الغرب كما فعل أول مرة ليتركهم الى مصير مجهول، فهذه الأمة تثير غضب العرب من عراقيين وسوريين وكذلك غضب الفرس والأتراك حين يقررون المضي في عملية صناعة مستقبل مختلف عن الذي تطمح إليه الأمم التي أخضعتهم لسلطانها طوال القرون التي مرت. فعبر تاريخهم الطويل كان الكرد موزعين على تركيا وإيران والعراق وسوريا، وكانت الدول الكبرى راضخة لتقسيم واقعي لتلك الأمة المعذبة والحالمة ومنذ أيام إتفاقية سايكس بيكو التي أعقبت الحرب الكونية الأولى لم يكن ممكنا للأكراد سوى أن يرضخوا، أو يتمردوا فيتم قمعهم بطريقة وحشية كما فعل معهم النظام العراقي السابق الذي إستخدم الأسلحة المحرمة في إبادتهم، وشتتهم ودمرهم بلارحمة ولاهوادة لكنهم تنفسوا الصعداء بعد سقوط صدام وظهور الدولة الديمقراطية في العراق التي توزعت فيها السلطة على الكرد والشيعة والسنة، بينما إستقلوا عن بغداد وشكلوا إقليمهم الخاص بحكومة وكيانات مؤسساتية ولم يتركوا مكاسبهم من الدولة العراقية فكانوا كمن شكل دولتين بعاصمتين.
في تركيا يقاوم الكرد النزعة القومية التركية المتصاعدة ويقاتلون بشراسة في الجبهات الجنوبية والشرقية، وصعدوا هجماتهم بعد إندلاع الأحداث في سوريا، وظهور الحركة الكردية في هذا البلد يقابلهم في ذلك أكراد إيران المتحمسون والخائفون، فالإيرانيون أشد فتكا وبطشا ورهبة في تعاملهم مع أي نزعة إنفصالية، خاصة وهم يرون الحركات الكردية تصعد من طموحاتها في سوريا والعراق، وتنهج أسلوب العمل السياسي وحتى العنفي لو أضطرت لذلك.
في العراق يتقدم الكرد نحو مناطق في شمال شرق ديالى ومناطق محاذية للموصل وصلاح الدين وكركوك التي يطمحون للهيمنة الكاملة عليها برغم المقاومة العربية والتركمانية، ويبدو أنهم يمسكون بأسباب القوة بعد تفكك العرب طائفيا ووجود قوة سياسية كردية فاعلة في المركز من خلال عشرات المناصب الرفيعة التي إستحوذ عليها القادة الكرد عبر نظام المحاصصة العرقية والطائفية. غير إن سلوكهم هذا يقابله تذمر سني خجول نكاية بالشيعة. فالسنة يرون أن الكرد أهون من الشيعة، ولكنهم لابد أن يصلوا الى مرحلة الصدام الكامل حين يتوسع الأكراد بإتجاه المناطق العربية في الموصل، ويستولون تماما على سنجار وسهل نينوى الكبير ومناطق من صلاح الدين وديالى، ويهددون كامل الوجود السني والتركماني في كركوك.
بعد أن ينتهي ملف داعش قد نضطر لنعيش جولة صدام سياسي وعسكري عنيف، وربما سيتعين على الشيعة الأقل تضررا من طموحات الكرد أن يدفعوا العرب السنة الى المواجهة ويعاضدونهم وسيجدون أن دول الخليج مضطرة لتقديم دعم ما، وكذلك تركيا وإيران وسوريا، وسيجد العالم الغربي إنه غير قادر على حماية الكرد، وسيتنازل عنهم كما فعل في المرات السابقة، إلا إذا كان حظ الكرد كبيرا الى الحد الذي سيجعل ماحولهم من بناء منهارا، بينما يعلوا بنيانهم.