17 نوفمبر، 2024 1:39 م
Search
Close this search box.

كيف جرى التلاعب بالرأي العام

كيف جرى التلاعب بالرأي العام

كيف تغيرت افكار وعقائد الناس في منطقتنا العربية من الاشتراكية والتقدمية والقومية العربية الى الاسلامية السياسية والاسلامية المتطرفة والطائفية التي تنكر الآخر وتكفره . ومابعدها الديموقراطية الشكلية المشوهة التي تسلقت فيها الاحزاب الدينية الزائفة الى السلطة باي ثمن !

ان ذلك لم يحدث بالصدفة ولا بين ليلة وضحاها. بل جرى العمل عليه منذ فترة ليست بالقصيرة . وقد تم توجيه الرأي العام العربي بطريقة ممنهجة لاحلال الفكر الديني بحلته المتخلفة محل التوجهات العصرية والتقدمية التي ناضلت الشعوب العربية من اجلها .

هنا يثور سؤال عن كيفية تغيير الرأي العام الجمعي للشعوب . ومن يغيره هل هم النخبة ام عوامل خارجية ؟
وماهو الرأي العام ؟

في الادبيات
الرأي العام هو مجموعة الأحكام والقيم والمعتقدات والتقاليد والأفكار التي يشترك فيها بشكل أو بآخر أفراد ينتمون إلى نفس المجتمع أو السكان .

حتى نهاية القرن التاسع عشر ، كان الرأي العام يتشكل في الأماكن العامة مثل المقاهي والساحات والمؤسسات العامة والاحزاب السياسية والنقابات العمالية وغيرها من منظمات المجتمع المدني .

وكان ظهور الرأي العام مصحوبًا بظهور الإعلام وتسييس الشعب .
حيث لعبت الصحافة والنشرات في تلك الفترة وماقبلها دورًا مهمًا في تشكيل الرأي الجمعي للشعوب .

وفي عصرنا الحاضر اصبح للاعلام دورا مهما في إثارة اهتمام الجمهور في مختلف المجالات المعرفية والاجتماعية والسياسية ، نتيجة للتطور التكنولوجي والانتشار الواسع للادوات الاعلامية ومنها وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة . فزادت فاعليته وتأثيره الواسع حتى اصبح من اهم وسائل توجيه الرأي العام في العالم الغربي وكذلك في منطقتنا العربية . وقد ظهر ذلك جليا قبل وبعد غزو العراق عام 2003 . وفي أحداث الربيع العربي لاحقا” .

لطالما كان لوسائل الإعلام الامريكية والغربية ، مثل وكالات الأنباء والقنوات التلفزيونية ومحطات الإذاعة والصحف المكتوبة والمواقع الإعلامية ، تأثير فعال في اللعبة السياسية الدولية وفي توجيه الرأي العام .

يقول ابراهام لنكولن “حكومتنا تستند على الرأي العام. وكل من يستطيع تغيير الرأي العام، يمكنه تغيير الحكومة ” .
ان غسيل الدماغ الذي مورس على الشعوب العربية ، ابتداء” من العراق قد اشتغل بقوة بهدف حرف توجهات الشعوب العربية عن الافكار التقدمية والاشتراكية ، واستبدالها بمفاهيم وعقائد طائفية ودينية مزعومة تصب كلها في صالح امريكا ومعها الدول الغربية ، اضافة الى اسرائيل .

ويذكر ان الفيلسوف والمفكر الأمريكي نعوم تشومسكي قد اورد في كتابه الموسوم السيطرة على الاعلام ، حجم النفاق الذي يقف وراء إمبراطورية الإعلام العالمي وتحديدا الإعلام الأمريكي، القادر على تغيير أنظمة وإبادة شعوب وإشعال حروب طاحنة عن طريق الترويج لأخبار كاذبة ونشر دعايات لا أساس لها من الصحة، لتشكل بها ما يشبه الصدمة الكبرى تجعل المتلقي على استعداد كامل لتصديق أي شيء يُعرض عليه.

ان وسائل الاعلام الامريكية قد استغلت فشل الحكومات العربية واخفاقاتها فعملت بنشاط دؤوب على توجيه الرأي العام للشعوب العربية تحت شعارات تدعو الى الديمقراطية وحقوق الإنسان .
مستغلين في سبيل ذلك كل السلبيات والانكسارات التي رافقت التجارب القومية والاشتراكية في المنطقة .
ثم تلتها صفحات الارهاب الذي اتخذ من الطائفية الدينية لباسا له لترويج الافكار الانعزالية والتقسيمية . فاصبح من ابشع ادوات الهدم الفكري في الدول العربية وتحويل اتجاهات الرأي العام من الانفتاح الى الفكر الطائفي المنغلق والشاذ .

واستكمل السياسيون من خلال دغدغة عواطف الجمهور بالخطاب الديني المزيف مهمة حرف الرأي العام عن المصالح الحقيقية للشعب ، واستثمروا الانتخابات لصالحهم مدفوعين برغبتهم في الاستخواذ على المال العام والسلطة ، فضاعت القيم في سوق الفساد السياسي والاداري .

وهناك جهلة وطبالون اعانوا الفاسدين وادعياء الدين على الاستمرار بغيهم في افساد الرأي العام ، كما اعانوا الاجنبي ابتداء” على تخريب البلاد والعباد . وكلما زاد الجهل زادت الخرافات وزاد التطرف وانعدمت القيم الاخلاقية .

فاختلطت الاوراق على الشعوب حتى وجدت نفسها محاصرة بين الفكر الديني المشوه والتجهيل ، فانحسرت القيم وانتشر الفساد على نطاق واسع . وحل الطمع وحب المال محل المروءة والايثار . وانحسرت دور التعليم وروافد الثقافة . ومع زيادة التدين الزائف زاد الفقر والجهل وانعدمت النخوة وحب الناس .

وعملت الدول الطامعة على استعمار العقول وتضليل الرأي العام ، فتم تخريب الشعوب ثقافيا وسياسيا وأخلاقيا ، واحلوا الخرافات محل الدين الحنيف .

ومن خلال هذه العتمة ظهر جيل جديد انفجر في انتفاضات عديدة رافعا شعارات الدولة المدنية والمواطنة والعدالة الاجتماعية ، حتى اضحى التحدي الكبير امام الحكام الفاسدين وادعياء الدين .

ولكن هذا الجيل الواعي بحاجة الى من يؤازره وينقله الى خطوات متقدمة في مواجهة السلطات القمعية ، وتحقيق احلامه في النهوض بهذه الامة .

وهنا تبرز الحاجة الى التنظير والتنظيم القادر على ضبط المجتمع واعادة التوجهات السليمة للرأي العام على وفق الاسس الحضارية والقيم الاخلاقية .
ان الواجب الوطني والانساني يحتم على كل المثقفين والاعلاميين الشرفاء التوجه الى الجمهور لفضح التلاعب والتضليل بالرأي العام عن طريق الزيف والكذب والدجل ، وتعرية كل الحكام والسياسيين الذين تسلقوا سلم الديموقراطية المشوهة ليصعدوا على اكتاف المواطن البسيط واستغلاله ونهب ثرواته . وتوجيه خطاباتهم واقلامهم لاكبر عدد ممكن من الاحرار لشرح وتوضيح ابعاد السياسات الفاشلة للسلطات الحاكمة التي تتمظهر بلباس الدين والتدين زورا” وكذبا .

أحدث المقالات