من اصل اكثر من 48 الف محطة اقتراع موزعة على المحافظات العراقية وضمن اكثر من 8400 مركز انتخابي، لايسمح للصحافة والاعلام بتغطية سوى 50 مركز انتخابي وهي نسبة غير منظورة، هذا العدد الصغير من المراكز الانتخابية موزع على مراكز المدن فقط، ولنكمل زواية النظر علينا معرفة الامور التالية: تبين كل الاحصائيات الحكومية ان النسبة الاكبر للمقترعين تاتي من الارياف ويمكن القول ان نسبة 65% من المقترعين المشاركين في الانتخابات هم من سكان الريف، اما نسبة من يحجم عن الانتخابات فتاتي من سكان المدن “الحضر”، والاسباب معروفة على ما اعتقد لسنا بحاجة الى الخوض فيها وما يهمنا هنا هو توزيع المراكز الانتخابية جغرافيا او مايسمى علميا” جغرافية الانتخابات”، والتي تعطي قراءة خاصة جدا مفادها ان اكثر من 66% من هذه المراكز تقع في النواحي والقرى والقصبات والاقضية، اي “الارياف”.
ماذا بعد؟ تفتقر الاقضية والنواحي والقرى والقصبات الى الامور التالية: اولا، ( التغطية الاعلامية ) ليس فيها مراكز اقتراع مسموح بتغطيتها اعلاميا، ثانيا، (مكاتب فاعلة للكيانات السياسية المتنافسة) فاغلب الكيانات السياسية التي تخوض الانتخابات وان لم يكن كلها، لاتملك تغطية كاملة من المراقبين في هذه المناطق وتركز على المدن ومراكز المحافظات فقط، والاسباب كثيرة:( مادية، لانها لاتملك الاموال الكافية لتامين احتياجات ونفقات شبكة واسعة من المراقبين تغطي كل مراكز الانتخابات على الاقل في مناطق نشاطها الانتخابي. قصور اداري وتنظيمي، حيث لاتزال الكيانات السياسية الانتخابية قاصرة الفهم في اصول الحملات الانتخابية وضروراتها)، واخيرا فان (مفوضية الانتخابات) تعطي حصة محدودة من الباجات لمراقبي الكيانات السياسية وهو امر يقيد قدرة الكيانات على الوصول لكل مركز اقتراع وبالتالي تجهض “الشفافية” بيد حكومية.
ماذا بعد؟ في القرى والارياف التي تبعد عن مراكز المدن وبعيدا عن اعين الاعلام والمراقبين تحصل امور كتلك التي تحصل في صحارى وغابات ماوراء الحضارة والانسان، وعلى سبيل المثال فان الناحية فيها خمسة رموز وهم (مدير الناحية، عضو المجلس البلدي، مدير مركز الشرطة، شيخ العشيرة واخيرا رجل الدين المقيم في الناحية) وهؤلاء يمارسون صلاحياتهم وبقوة على سكان تلك المناطق، وهؤلاء السكان على الاغلب من متدني التعليم ولايزالون يخشون الرموز تلك ويسمعون ويطيعون لها، وما يزيد الطين بلة ان المحافظات العراقية كلها ذات مساحات كبيرة واقرب ناحية على مركز محافظة يبعد مسافة 30كم وهو عائق كبير بوجه فرق المراقبة المدنية للوصول الى تلك الاماكن. وهنالك نواح تبعد عن المركز اكثر من 180كم،( كالصويرة عن مركز محافظة واسط)، ولاننسى الانبار ومساحتها الشاسعة، تلك المسافات مع نظام “حضر التجوال” المتبع في كل انتخابات عراقية يجعل كل قضاء وناحية وقرية وقصبة اقطاعية تعيش في عزلة ومن حظ الكيان الذي لديه ممثل من الرموز الخمسة التي ذكرناها في اعلاه، وفي احيان كثيرة تكون الرموز الخمسة كلها من حصة حزب او كيان واحد وهنا ينطبق المثل الذي يقول “طبلجي والعرس لابنة”، فتقفل صناديق الاقتراع وتختم لذاك الكيان المحظوظ مع امكانية تطبيق مثل اخر نستعيره من بلد شقيق وهو “لا من شاف ولا من دري”.
ماذا ايضا؟ موظفوا تلك المراكز والمحطات هم من ابناء الناحية او القرية او القصبة وولائهم لا شك فيه لكن لمن (الله وحده يعلم)، ومن يحمي تلك المراكز والمحطات؟ (رجال الشرطة) وهؤلاء تحت امرة ضابط المركز وفوقه مدير الوحدة الادارية ولهم ان يستخدموا سلطتهم كما يشتهون، وقد روى لي زملاء واناس عرفتهم واقارب من الجذور القبلية والعشائرية بطولاتهم في انتخابات سابقة وهم يتباهون بانهم استبعدو القائمة الفلانية واقفلوا المحطات لقائمة اخرى في مناطقهم. ومما لاشك فيه ايضا ان نسبة من لايكتب ولايقرء في تلك المناطق مرتفعة وهم بحاجة الى من يقرء لهم ويدلهم على العنوان والرقم الذي يؤشر عليه في استمارة الانتخاب او ورقة الاقتراع، وتخيل عزيزي القاريء كيف ستكون الشفافية.
اما المصيبة الاعظم، فهي ان نسبة السكن الريفي في العراق تفوق 66% وان نسبة الناخبين من الريف تصل الى اعلى مستوى في كل انتخابات في العراق، وكما هو المنطق الرقمي المعلن عنه، ان نسبة ناخبوا الريف هي الاعلى وقد تصل تقريبا الى 10 مليون ناخب من 20 مليون ناخب عراقي، لو اقترع منهم على اقل تقدير 7 مليون فهذا يعني اكثر من 150 مقعد في البرلمان، ورب سائل يسأل (كيف يمكن القول ان 7 ملايين ناخب يشكلون 150 مقعد)، الجواب ببساطة هو ان القاسم الانتخابي تحدده نسبة الناخبين الفعليين وليس العدد الكلي، وقد يفوز بالمقعد من يحصد 8 الاف صوت كما حصل في انتخابات 2010 لابل احد النواب الحاليين كان نصيبه 200 صوت فقط، لكن القائمة التي هو فيها رفعته سواء كاحتياط او ماشابه، بينما فعليا يمثل المقعد 100 الف عراقي وهذا بحث اخر لان المجموع الكلي للعراقيين لاتزيد نسبة الناخبين فيهم على 19-21 مليون.
وقبل ان اختم خربشاتي اتذكر ان صديق اعلامي معروف كان قد رشح نفسه لاحدى الانتخابات وقد طلب مني مساعدته في حملته الانتخابية وفي اتون المعركة الانتخابية كان يجلس يراقب التلفاز واعصابه باردة وانا استغرب من بروده وطمأنينته، وعندما سألته اجاب “لقد وضعنا مدراء المراكز والمحطات والرموز الخمسة في بعض المناطق الريفية في جيوبنا وستجدني انشاء الله ضمن طاقم النواب بعد ظهور نتائج الانتخابات”.
وللحديث تتمة…