23 ديسمبر، 2024 2:21 م

كيف تخسر صديقا في عشرة دقائق ؟

كيف تخسر صديقا في عشرة دقائق ؟

خيم المشهد السياسي في العراق ونقل أزماته بكل تجلياتها وانفعالاتها إلى المجتمع، وغطى بذلك الحياة الاجتماعية والاقتصادية والنفسية للناس، وتحولت الأفعال السياسية الى حدث يومي لدى المواطنين، وصار الجميع في لحظة واحدة يمتلكون تجربة سياسية واسعة ويطلقون الإحكام والاراء جزافي، الا أنها تكشف حجم الاهتمام المبالغ به.

المصيبة أننا انسحبنا إلى المشهد السياسي دون ان نشعر، وتحولت فضاءات مواقع التواصل الاجتماعي الى  فضاءات متشنجة من الخطاب والتحريض والتسقيط المستمر، بين الجميع وضد الجميع، مبتعدين بذلك عن الفعاليات والاهتمامات الجمالية والترفيهية.

تحولت تلك المواقع الى مواقع سياسية، اذ انك قد تتفاجئ أحيانا حينما تجد ان هنالك من لا يتابع الشأن السياسي ولا يعلق عليه، وتلك المواقع اختصرت للناس الكثير كي تكون عن قرب من الحدث وتتفاعل به، اذا تجد ان الجميع يتحدث بآخر المستجدات السياسية واخر المناكفات التي تحصل واخر ملفات الفساد التي يتم الكشف عنها.

وليس الامر في السياسة فقط، بل بكل الجوانب والاتجاهات والاهتمامات الحياتية في العراق، ويبدو ان تشنج الخطاب السياسي انعكس بشكل واضح على الخطاب الثقافي والإعلامي، حيث تحولت العلاقات الى مشاكل ومشاحنات مستمرة بسبب الموقف السياسي.

أدى ذلك إلى بروز متسلقين في الأحزاب، وهولاء انتشروا بشكل واسع، وانصهرت قيم الحزب ومبادئ الانتماء فوق مبادئ الوطن والإنسانية والمحبة واحترام الناس، انسحبت كل تلك الأمور لصالح مبادئ الحزب “البراغماتية” التي يحاول ان يثبت وجوده في كل مكان مستغلا الظروف الاقتصادية والعاطلين عن العمل كي يروج نفسه لهم، ويقلل فرص خياراتهم إزائه.

هذه المشاكل دفعت الكثير من الأصدقاء الدخول في مناقشات سياسية كبيرة على فيسبوك أدت الى خسارة الاصدقاء لبعضهم وبطرق مؤسفة وأدت التقاطعات إلى العزلة، وكانت هذه النتيجة انفصام وخراب بين الجميع.

تجربة الأحزاب في إدارة البلد ووقوعنا في مشاكل وأزمات متلاحقة جعلت الجميع يفكر ان يكون سياسيا او وزيرا او نائبا ويكون حتى مرشحا في أقصى الحالات، لا لرغبة لبناء البلد، بقدر الحصول على الاستثمارات والصفقات في ظروف قياسية، ولعل اقصرها التحريض على الطائفية واستغلال مشاعر الناس.

زحفت كل تلك القضايا وأثرت على العلاقات بين الناس، وصارت التقاطعات بين الأصدقاء او الأقرباء بشكل واسع ، بسبب الاختلاف حول موقف سياسي او موقف يتعلق بقضية دينية، ثم تحولت التجاذبات خلال التعليقات في فيسبوك ومن ثم تحول الى الشتم وبعدها بلحظات يبدأ الحظر من كلا الطرفين.

ومن الحظر الالكتروني الى الحظر الواقعي، صار احدهم لا يحدث الآخر ولا يود رؤيته وهذا صار طبيعيا نشاهده كل يوم مع الكثير من الأصدقاء والاقرباء.

وهكذا بسبب السياسة وفيسبوك، يمكنك ان تفقد صديقا في عشرة دقائق، وربما ستفقد عشرة أصدقاء في عشرة دقائق، بمرور الزمن، فيما لو ظلت الأوضاع تسير إلى الهاوية، باستمرار، وابتعاد الجميع عن مظاهر الجمال التي هي جزءا من حياتنا، وليس المشهد السياسي وأزماته الذي سرق منا الكثير.