حرق وتفجير جوامع في بابل وقتل أبرياء:
في جميع بلدان العالم تعتبر الحكومات مسؤوله قانونا وملتزمة ماديا وادبيا امام شعبها في حفظ الامن والامان وحمايته، وعندما ننظر الى عشرات العمليات من اختطاف وقتل واعتقال عشوائي، وفي أماكن، الدولة لها سطوتها الأمنية فيها، يعترينا شعور بالذهول والحيرة، وينتابنا الخوف والتساؤل عن مرتكبي هذه الجرائم من المنتمين للمليشيات وداعش وغيرها.
ان اعدام الشيخ العالم نمر النمر وظف سياسيا وتحول الى عمليات انتقامية وتصفية حسابات وتفجيرات وعمليات قتل خارج القانون، وقد اكد ذلك المرجع اليعقوبي في تصريحه في 5/1/2016:
( لقد آلمنا أيضا التوظيف السياسي للحادث من قبل بعض المحتجين على الفعل والمطالبين بالثأر واستغلالهم الفرصة لتصفية الحسابات مع الخصوم الداخليين والخارجيين، مما أنسى أصل القضية والتعاطي الحكيم معها…) حيث تم تفجير أربعة جوامع وقتل أناس أبرياء في محافظة بابل، وبدت آثار اندلاع النيران على محتويات المساجد من أثاث وفرش وكتب القرآن، وعلى اثرها وجه السيد العبادي في 4/1/ 2016 (قيادة عمليات بابل بمطاردة العصابات المجرمة من عناصر داعش وأشباههم الذين اعتدوا على المساجد في المحافظة) وادانت الجامعة العربية تفجير المساجد في العراق.
من اتخذ حكم الإعدام بحق العالم الجليل نمر النمر وتنفيذه هي السلطة السعودية، وليس امام جامع في بابل، والمثير للاستغراب ان قبل عدة أيام تعرض ضريحي الإمامين العسكريين عليهم السلام لعدة قذائف هاون، وكانت ردة الفعل طبيعية وأخف بكثير من ردة الفعل التي اتخذت بحق إعدام نمر النمر، وبدون بيانات أو اعتذارات او احتجاجات او مظاهرات او تهديدات من أحد، ولا اعرف هل قصف الضريحين لا يحتاج منا ان نقوم بعمل احتجاجي اشد من حكم الإعدام؟
من المفروض ان تقوم القوات الأمنية بالاقتصاص والقبض على مرتكبي جرائم حرق الجوامع وعمليات القتل من دون توجيه القائد العام للقوات المسلحة؛ وتقوم بتعقب المجرمين وملاحقتهم والقصاص منهم فورا، بخاصة ان العنف جريمة يحاسب عليها القانون ويعاقب عليها الجاني، لكن المؤسف والحاصل غالبا، ان يكون هناك تواطئ وغض نظر واحيانا مشاركة ضمنية في ممارسة تلك الاعمال(خاصة بغداد والبصرة وديالى وبغداد)، وتحول القانون الى أداة لتنفيذ القتل وغض النظر عن المجرمين، والى أداة لنشر الخوف والإرهاب بين الناس، فلماذا يتم التستر على هذه الجرائم وعلى مرتكبيها، وما زال المجرمون الذين يمارسون هذه الاعمال أحرار وهم ينتظرون تنفيذ جريمة أخرى، والفاعلين معروفين وهم أنفسهم من اختطف العمال الاتراك والصيادين القطرين ومن يقوم بعمليات الخطف والقتل في بغداد والبصرة وديالى، ان جريمة حرق الجوامع والمساجد تمت جهارا وعلنا وبأعداد كبيرة والسهولة في معرفة الجناة والقبض عليهم اشبه بقراءة صحيفة يومية لو كانت النيات معقودة على ذلك.
ان تلك الممارسات الاجرامية التي تتم علنا وأحيانا باسم القانون وبدون محاسبة؛ منافية للمنطق وللعدالة والإنصاف، وأدت الى نشوء فكر متطرف استكمل مسلسل إراقة دماء بريئة كانت أم مذنبة؛ دماء سالت نتيجة للثأر الطائفي، وخلافات تبدأ، ولا تلوح بالأفق بوادر حل لها، وهذا الفكر المتطرف وضع الطرف الآخر في موقع العداء، ويبيح استخدام كل الوسائل للقتل والانتقام، وكل ذلك في بعض الأوقات يكون باسم القانون.
ان الحكومة العراقية كعادتها تشكل لجنة تحقيقية والنتائج في ذمة الخلود بسبب هناك قصور مبطل بالتحقيقات، وقد يكون متعمد أحيانا، كما حدث في حادثة ثائر الدراجي وواثق البطاط وحادثة اغتيال قاسم سويدان والشواهد بالعشرات عن لجان شكلت وبدون نتائج بصدد جرائم معلوم منفذيها، ولاحظنا ان الأجهزة الأمنية لديها حس امني عالي جدا عندما تكون الحوادث الجنائية الاجرامية الإرهابية قد حدثت في مناطق معينة وعلى مكونات محددة وفي مناسبات دينية؛ بحيث ان هذه الأجهزة تقوم دائما بعد يوم او يومين بالقبض على الجناة، لكن عندما يتعلق الامر بأرتال ميلشياتيه او عصابات مسلحة معروفة الميول تمر من امام السيطرات وتقتل وتختطف وتفجر، فان الحس الأمني للأجهزة الأمنية يكون في ادنى مستوياته وقد يكون متواطئ، وهذه الوقائع الجرمية تعزز فرضية هناك اتفاق جنائي بين المتهمين من المليشيات والعصابات المنظمة وقسم من الأجهزة الأمنية، وما يزيد من حضوض هذه الفرضية؛ هو انعقاد إرادة كل منهم وتلاقيها مع إرادة الآخرين في عالم الواقع لا في عالم الأفكار والخواطر أو الأوهام والظنون، والركن المعنوي لهذه الجرائم شاخص وماثل للعيان، ويتمثل بذلك العزم المشترك المصمم عليه والإرادة الجامعة المقصودة على الاتحاد المذكور، إنعقاداً واضح المعالم ومحدداً ومؤكداً، بخاصة ان عمليات الاختطاف والتفجير والقتل تتم على أيدي مسلّحين على درجة عالية من التنظيم والتسليح وباستخدام زي رسمي وارتال سيارات دفع رباعي لا تتوفر عادة لعصابات الجريمة، ولكنها متاحة للميليشيات؛ بهدف تصفية حسابات مع أطراف محلية وإقليمية، وبغرض ترهيب الشارع، وباسم القانون، واكثر هذه الجرائم المنظمة الحكومة العراقية تعرف منفذيها لكنها لا تستطيع عمل شيء؛ لأنها تكون محصنة برضا السلطة السياسية عن جرائمها، ومدعومة من قيادات سياسية ودينية، من المستحيل قيام عصابة مسلحة تتكون من اعداد كبيرة وسيارات حكومية من دون وجود عنصر(قيادي) يقف خلفها، له موقع سياسي معين في الدولة العراقية، فتلك (مصيبة) لأنها كسرت زند القانون العراقي وهشمت جسده، وكما يقول الشاعر: لا يلام الذئب في عدوانه إذ يكن الراعي عدو الغنم
لا غرابة إذ في عراق اليوم ليس المطلوب تكريس العدالة بل العثور على ضحية وتلبيسه التهمة تهدئة للخواطر الثائرة من جهة وإبراز كفاءة أمنية زائفة من جهة أخرى، وغير بعيد من ذلك ما صرح به رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بابل بعد تفجير الجوامع (أن تنظيم داعش والسعودية يقفان وراء التفجيرات التي طالت جوامع لأهل السنة في المحافظة..) ولا نعرف كيف توصل السيد رئيس اللجنة الأمنية الى تلك النتيجة، هل اطلع على تحقيقات تم اجرائها، وتمخض عن هذه التحقيقات ضلوع داعش والسعودية في تنفيذ تلك التفجيرات؟ ام هي معزوفة عليه عزفها تطبيقا لأجندة معلومة؟ وكيف له ان يعرف ذلك وهو واجبه تشريعي رقابي محلي أي ليس تنفيذي؟ علما ان تصريح سعد معن الناطق الرسمي لوزارة الداخلية لم يشير الى ذلك، وانما ذكر بان هناك عناصر مدسوسة لزرع الفتنة هي من قامت بذلك، ومن استقراء مضامين تصريح رئيس اللجنة الأمنية، نجده يوزع الاتهامات بطريقة غير مهنية ومقصودة ومن شخص عالم ببواطن الأمور وعارف بالجناة الحقيقيين وقد يكونوا من حزبه او من مليشيات تنتمي لحزبه، لذا فهو مصر لإلباس التهمة لأبرياء يتم انتزاع اعترافات منهم بالإكراه ليقولوا نحن من داعش او القاعدة، ليكون الهدف هو إفلات الفاعلين الحقيقيين من العقاب.
ان الاستعجال لا يحقق الوصول للعدالة، بل يحرف التحقيق نحو الخطأ في تحديد هوية الجناة والضحية في العادة أناس أبرياء بينما يترك الجناة الحقيقيون أحرارا ما يمهد لهم ارتكاب المزيد من الجرائم في المستقبل وهذا ما حصل ويحصل على الدوام، كما في جرائم واثق البطاط وأبو عزرائيل وغيرهم، والذين ظهروا انهم مدعومين من قيادات عليا؛ منها حكومية واخرى سياسية وبعضها دينية.
وهذه الجرائم يجب ان يتم محاسبة مرتكبيها إذا أردنا ان نحيا بظل دولة القانون، وعلى الحكومة ان تقوم فورا بإلقاء القبض على مرتكبيها وتسليمهم للقضاء لتنصب العدالة موازينها، حيث ان السكوت والتغافل المتعمد عن تلك الجرائم، يؤسس الى عمليات قتل خارج القانون.
هذه الاحداث لا نسوقها حشوا، ولا نذكرها ترفا، والمنطقة العربية والاسلامية بحالة انقسام طائفي عامودي واصطفاف مذهبي افقي، والممارسات الإقصائية والكيدية هي التي أجّجت الضغائن المذهبية، لا تجعلوا الشعب ضحية انتعاش غير مشروع لأوهام “القيادة العادلة ودولة الحق”، فهو محتاج من يكفكف من شجنه وآلامه.
وصدق الامام علي (عليه السلام) حين كتب لاحد ولاته ( واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم اكلهم فانهم صنفان : اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق )