1
الهنود الحمر ..
إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية هي اللاعب المركزي الأول عالمياً، في هذه اللحظة فإن دورها المركزي في تحقيق ذلك لا يحتاج إلى تفسير، فهي تسعى دائماً لاستنساخ ذاتها في كل نقطة من نقاط الكون وعليه لاحظنا وسنلاحظ لاحقاً إنها تسعى في ذات الوقت لتحويل الوهم القديم المتعلق بعلاقة اليهود الحاليين بالتاريخ القديم إلى حقيقة قائمة عبر إعادة إنتاج وجودهم الواقعي الحاصل الآن من جهة وعبر إبادة كل من يتصدى لهذا المشروع بكل الوسائل اللاأخلاقية واللاشرعية ولا حاجة هنا للحديث عن الاخلاق أو المجتمعات المدنية والإنسانية، فالكيان الصهيوني ليس تابعاً للولايات المتحدة كما يوّد البعض أن يفهم ولا حليفاً لها إنه جزء عضوي عبر تداخلات ومصالح عدة إقتصادية وسياسية وعسكرية وعقائدية تتجاوز حدود الإحتكار إلى ما هو أبعد منه وهي في الإساس الصورة الأخرى الحقيقية لأميركا وما يحيطها، وبهذا المفهوم سيصبح أو أصبح الآخرون هنوداً في المفهوم أو العرف وليس التسمية هذا هو التغيير الديموغرافي الذي يسعى إليه الأثنان بصورة جذرية والذي هو شكل من أشكال التفكيك والتدمير المفرط اللامحدود وعليه ستنتفي الحاجة لرفع اللثام عن أسطورية المشروع الصهيوني الذي يسكن وعينا منذ النكبة الأولى، ومنذ (قسم الرومان الناس قسمين: رومانا وبرابرة، وقسم العرب قسمين: عرباً وعجماً وقسمهم اليهود منذ خمسة وثلاثون قرناً قسمين: يهوداً وجوييم أو أمماً، أي غير يهود، ومعنى جوييم عندهم وثنيون وكفرة وبهائم وأنجاس وإليك بعض مقتطفات من البيان: (يعتقد اليهود أنهم شعب الله المختار وأنهم ابناء الله وأحباؤه وانه لا يسمح بعبادته ولا يتقبلها إلا لليهود فغيرهم اذن جوييم أي عباد أوثان أو وثنيون مهما يكن الإله الذي يعبدونه واليهود وحدهم لهذا السبب هم المؤمنون فغيرهم إِذن جوييم كفرة واليهود يعتقدون، حسب أقوال التوراة والتلمود، أن نفوسهم وحدهم مخلوقة من نفس الله وأن عنصرهم من عنصره فهم وحدهم أبناؤه الأطهار جوهراً كما يعتقدون أن الله منحهم الصورة البشرية أصلاً تكريماً لهم على حين انه خلق غيرهم الجوييم من طينة شيطانية أو حيوانية نجسة ولم يخلق الجوييم إلا لخدمة اليهود ولم يمنحهم الصورة البشرية إلا محاكاة لليهود لكي يسهل التعامل بين الطائفتين اكراماً لليهود إذ بغير هذا التشابه الظاهري، مع أختلاف العنصرين، لا يمكن التفاهم بين طائفة السادة المختارين وطائفة العبيد المحتقرين) .
2
الإفراط في القوة: لغة الحروب القذرة ..
كل من يرضى بمشروع السعوديين أو يدخل باباً منه، من نفس الزنا لكن بحالات الطمث، السعوديون اسرائيل مهما كحلوا مشروعهم ولقد يلقون بالعظمة اسكاتاً لمن ينبح من تحت الموائد/مظفر النواب
سأخوض في موضوع الحرب، مستعملاً لغتها لا لغة الحظر القادمة من خلف المكاتب والاوامر الصادرة من الملوك والجنرالات وسيبقى إطار تناولنا لها من باب معرفتنا للبشاعة والجنون وحتى لا نبدأ بسؤالنا التقليدي: ماذا لو لم تكن هناك حروب؟ هذا السؤال يعيدنا لنقلب صفحات التاريخ من جديد ونمعن النظر في الصدمات والخسائر والنكبات التي ألحقتنا بها الحروب نحن الأحياء الذين عاصرناها ونشاهدها يومياً عبر الأثير أو نقرأ عنها وكلها تمت هكذا دون أن نحس بها أو نعي مدى ضراوتها، ناهيك بنتائجها المروعة، لكن الحرب بطبيعتها البربرية لا تقف عن حدود ذلك البلد أو تلك المدينة أو هذا المجتمع بل تتجاوزها إلى ما هو أبعد من ذلك فإما أن نكون شهوداً فاعلين، وفي الفعل يأتي الخطر، أو صامتين، وفي الصمت تأتي السلامة، من هنا نعيد صياغة السؤال أعلاه ليكون اليوم قادراً على التمييز بين السلامة والخطر، بين الولوج إلى عالم الغد ونفض غبار الماضي أو الانتباه إلى الخريطة الجديدة وأين سيكون موقعنا القادم هذا إذا كان هناك ثمة موقع، فقد أدركنا منذ زمن بعيد أن هناك تواطؤاً ما، ما بين السعوديين بمختلف توابعهم من العرب وبين الغرب وهذه المسألة لم تكن صدفة تاريخية عابرة إنها الحسابات الايديولوجية والاقتصادية والطائفية، قد يكون الأمر واضحاً عندما نسمع الحاكم السعودي، المصري،الهاشمي وغيرهما يتحدثون بهذه الطريقة أو تلك متجاهلين، عن عمد، ما يحدث في بغداد أو بيروت أو دمشق أو هنا وهناك من دمار وتقتيل، وهذا ما نراه يحصل بوضوح في الحروب الدائرة الآن فضلاً عن الاحتقان الطائفي المتصاعد، وهذه الممارسات الحاصلة ستؤدي حتماً إلى المزيد من خيبة الآمال والتوقعات . الدعم السعودي المسرف، وبعضه العربي، سيجعل من المواقف الجوفاء المناصرة لفظياً، مع هذا البلد العربي أو ذاك، ظاهرة ساخطة فقط ينمو فوقها التشاؤم ليتحول فيما بعد إلى أداة لقهر وأستعباد (الإنسان الشرق أوسطي الجديد) في شكل خاص، إذن أمامنا تلك التجارب، بلدنا العراق، فقد شاركت السعودية، وممن تحالف معها من العرب وغير العرب، بشكل كبير في تدميره وما زال العراق حتى لحظة كتابة هذه السطور يعيش في غيبوبة قاتلة وحرائق متواصلة، وها هو الجلاد ثانية يصنع ضحيته الثانية دمشق وهي الآن بين يديه يفعل بها ما يشاء، فلنمزق بكارة الخجل من جديد فالواقع الذي يرجمنا بجماجم الضحايا والأبرياء هو نفسه الواقع القادم الذي سنرتطم معه لكن بمزيد من الجماجم والقبور، هذه هي سقطات الحضيض التي ستتحكم بمصائرنا من جديد وهذا هو السعي المحموم الذي ستقودنا إليه المبادرات المشبوهة المتبنية لكل النقائض الحاملة لشمولية الطغيان، إنه القانون الجديد الذي يليق بمافيا التطاحن التي ستجعل من المجتمعات أن تعيش علاقاتها البدائية بطريقة أكثر بدائية من قبل وستقدس الثأر والانتقام وستعيد لنا أنظمة القبضة الحديدة والفوضى العارمة وعليه سينتعش الأحتلال، بكل أشكاله المعنوية والمادية، طالما بقيّ العقل العربي العاق القاصر حاضراً بقوة ليقدم له المبررات اللازمة لاستمراره على طبق من الكرستال هذه المرة . الكل يدرك أن بقاء هذه الأسر الحاكمة في السعودية أو قطر وغيرها رهن باستمرار الظلاميات والعقائد المغلقة، إذن المطمح والمطمع واضحان ومحددان، ولا حاجة للاسهاب أو الاستطراد الممل .
3
داء الحرب ..
أي كلام وأية شهادة يمكن أن يكتبهما المرء عن الحروب الدائرة الآن وفي جعبته الكثير من أسماء المعارك والهزائم الدامية، نحن أبناء الذعر المزمن والأنتظار المرير سخرنا وثرنا على مشعلي الحروب فأسمونا المجانين ذاك لأننا كنا نكتب شهاداتنا المجردة من هناك خصوصاً بعد أن عرفنا كيف تندثر الضحكة وتختفي الضرورة؟ كانت عباراتنا الاعترافية حاضرة دوماً، تفضح كل شيء وتكشف هذا الخراب وتلك الخرائب . عوّدنا قادة المعارك الفاصلة ومشعلو الحرائق والفتن في معظم حروبهم أن يقدموا لنا عدداً من الشاذين الجدد وبعضاً من خيالهم المريض المجنون الذي يصيبنا بغثيانات متكررة، داء الحرب هذا، حمل لنا العديد من (المواهب) الجديدة، المحترفة للموت في أي لحظة وليس شرطاً أن يندمج القاتل بالضرورة في تمثيل دور القتيل بل الشرط الأهم أن يستطيع هذا القاتل أن ينقل إلى المتفرج من خلال التفاصيل التهويمية الصغيرة الدقيقة الأحساس بما قام به القتيل أو قد يحمله المشهد العام للخراب الآني أو القادم الذي يهجس به المتفرج، كما يرتكز جهده، على الأخص، في توضيح الحالة النفسية بصورة متسلسلة لمضمون المشهد ككل ولطبائع الحرب وعاداتها وبالتالي التركيز على الأحساس الذي يراد إيصاله إلى المتفرج وبهذا تلعب التهويمات العقائدية والاسرار الغيبية لعبتهما السردية أنطلاقاً من وعيه القاصر وفكره الضامر اللذان أسهما بصورة مباشرة في الإعداد لهذا الموت بعد أن قذفا نفسيهما في خضم هذا التحدي الأهوج والإنجرار الأعمى، أما ما يتعلق بالإنجاز الذي قد حققاه، كما يتوهمون، ليس في كونهما أهملا قراءة آلاف الصفحات من كتب التاريخ والمعرفة والتجارب، بل الإنجاز هو في عملية الأختيار نفسها، أختيار الموت، وفي عملية التحويل إلى نهر جار من الدماء، وبالتالي إلى مشاهد الدمار المرعبة، دموية الحرب وعبثيتها لم تتبّدد، ولم تتخّل عن خصالها القذرة بل تجاوزتها إلى ما هو أبشع من ذلك وهي، لهذا كله، لا تشكل فقط جزءاً من التاريخ الدموي بل تشكّل أيضاً جزءاً من التاريخ الأسود لتجارب الشعوب .
4
الحرب: الجرب الأبدي ..
يتساقط الموت من السماء، تترنح الأحلام، هذه الضحكة الهاربة تأتي من هنا فاردةً ذراعيها لتحتضن ضحكة أخرى تليق بجربنا الأبدي أو تسخر منه . الطائرات مخلوقات ما بعد الوحشية وهي الوحيدة القادرة على تحديد أعمارنا وضحكاتنا الهستيرية ولتخبرنا أيضاً أن ما سوف نحياه، لاحقاً، ليس حياة بل موتاً محتملاً أو موتاً قابلاً للتجديد، الحرب ليست مجازاً أو كلمات، هي تلك التي تسقط علينا الموت والخوف والعتمة، هي الموت القادم من بطن التاريخ، ترتدي جلود التماسيح وهي القاتل والقتيل بجدارة . أيها الموت، ماذا صنعت بنا؟ لا تغلقوا السماء، لا تتركوا لنا فسحة الرجوع إلى البيت، أغفروا للقاتل كلامه المحظور عن القتيل، لم يَقُلْ أحدٌ له: يا سيد الموت ماذا صنعت بنفسك أو ماذا صنعت بنا؟ الطائرات القادمة من هناك تضحك من بلادتنا .
أشارات:
1 اليهود في بلاد المغرب يسمون غيرهم هناك جوييم حتى الآن أي القوم أو الأمة (لغير اليهود) أنظر كتاب محمد خليفة التونسي/الخطراليهودي/برتوكولات حكماء صهيون الطبعة الرابعة/صفحة 51
2 أشار القرآن إلى هذه العقيدة اليهودية الهمجية ورد عليها فقال: (وقالت اليهود نحن أبناء الله وأحباؤه، قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل انتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) سورة المائدة/آية 18
3 مقطع من قصيدة بعنوان ( طلقة ثم الحدث ) من الاعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي مظفر النواب الصادرة عن دار قنبر/لندن/1996