يعتبر كوكب الأرض الكوكب الوحيد في المجموعة الشمسية القابل للحياة على سطحه إلى الآن، فتعيش عليه مختلف الكائنات الحية ومن ضمنها الإنسان نظراً لتوفر الظروف المناسبة والملائِمة لعيشها، حيث إنّ درجة الحرارة التي تصلها من الشمس معتدلة نظراً لبعدها
المناسب، كما توجد المياه التي تساعد على نمو النباتات التي تتغذى عليها الحيوانات والإنسان حسب السلسلة الغذائية، والأوكسجين الضروري لتنفس الكائنات الحية، ويحمي الغلاف الجوي سطح الأرض من الأشعة الضارة التي تأتي من الشمس ومن بقية أجزاء الكون.
تشير الأدلة الأحفورية على أن الحياة يعود تاريخها إلى أكثر من 3.7مليار سنة، ويوحي نموذج البوليمرات الأولى لحمض RNA الذي شكل أساس الحياة الأولى (أقدم مادة وراثية والموجودة لدى كل إنسان، إلى جانب الحمض النووي الريبوزي منقوص الأوكسجين
DNA) أن تكون قد ظهرت قبل 4.17 مليار سنة، بعدما أمطرت النيازك الغنية بالكاربون الأرض ورشحت العناصر الأساسية في برك صغيرة دافئة، وفي هذه البيئة الغنية بالمغذيات التي ترعرع فيها أول الجزيئات الذاتية التكاثر، ولدت أول شفرة وراثية للحياة، كما أشار
إليها تشارلز داروين في القرن التاسع عشر.
وخلص الباحثون إلى أنه إذا كانت الحياة بهذا القدم، فلربما تكون الحياة البسيطة شائعة في الكون، وأتت عن طريق النيازك إلى الأرض، لأنها يمكن أن تقوم في ظروف معادية أو غير صالحة للعيش، ففي ذلك الوقت لم تكن الأرض محمية بطبقة واقية من الأوزون
لتصفية الأشعة فوق البنفسجية الضارة من الشمس، بالإضافة إلى قصف النيازك، ولكنها قد تكون علامة أيضا على أن الحياة الذكية تستغرق وقتا طويلا للتطور، وبالتالي من المرجح أن تكون بعمرالكون نفسه الذي يبلغ نحو 13.8مليار سنة هو أقدم ثلاث مرات فقط من
الأرض، وكشف العلماء عن وجود الماء والمركبات العضوية في نيزكين يعودان إلى 4.5 مليار عام، وكانت هذه النيازك قد سقطت على الأرض منذ ما يقارب 20 عاما.
كان أوّل ظهور للحياة فوق المسحات المائيّة من محيطات وبحار ومستنقعات، فاختلط الماء بالتراب مكوّناً مادّة الطين، تعفّن الطين وتكوّنت البكتيريا والفطريات وكائنات حيّة أخرى دقيقة جداً لا ترى بالعين المجرده، ظهر من هذه الكائنات الدقيقة النبات والحيوان.
وقد أجرى العالم ميلرتجربة استخدم فيها سلسلة من قوارير الزجاج وقام بتوزيع أربع مواد كيميائية يُشتبه في أنها كانت موجودة في الأرض المبكرة: الماء المغلي والهيدروجين والأمونيا والميثان، وقد قام بإخضاع الغازات للصدمات الكهربائية بشكلٍ متكرر، لمحاكاة الصواعق
التي كانت شائعة الحدوث على الأرض في ذلك الوقت.
وجد ميلر أن لون المياه في القارورة قد أصبح وردياً بشكلٍ ملحوظ بعد اليوم الأول، وبحلول نهاية الإسبوع كان المحلول عكراً ولونه أحمر قاتم فقد كان بشكلٍ واضح، عبارة عن تكوّن خليطٍ من المواد الكيميائية.
عندما قام ميلر بتحليل الخليط وجد أنه يحتوي على إثنين من الأحماض الأمينية: الجلايسين وألانين. وتوصف الأحماض الأمينية غالباً بأنها لبنات بناء الحياة، فهي تُستخدم لتكوين البروتينات التي تتحكم بمعظم العمليات الحيوية في أجسامنا. وقد صنع ميلر إثنين من
أهم مكونات الحياة من نقطة الصفر.
كانت أولى الكائنات الحية التي ظهرت على الأرض هي كائنات طفيلية لا توجد بها حياة في حالتها العادية، فهى تنمو وتتكاثر علي مثل خلايا الكائنات الحية الأخرى وتشبه الفيروسات من هذه الناحية، ويظن أنها ظهرت في الزمن السابق في مياه الشواطيء الضحلة
الدافئة، كانت تستطيع أن تلتهم بعض الجزيئيات الصغيرة الأخري وتقوم بتحليلها، ولا سبيل اليوم إلي البرهنة علي صحة وجود مثل هذه الكائنات الأولية التي سبقت ظهور البكتيريا أو الجراثيم، فمثل هذه الكائنات لا وجود لها اليوم علي سطح الأرض، كما أنه لا توجد
لها حفريات يمكن منها الاستدلال عليها لمعرفة أول كائن حى ظهر على الأرض، فالكثير من العلماء لا يعترفون بأن تكون بعض أنواع البكتيريا أو الجراثيم وحيدة الخلية التي نعرفها والتي تعيش بيننا اليوم هي أول كائن ظهر علي الأرض في المرحلة التي تلت تجمع
الجزئيات الأولية، ونتج عن ذلك ظهور بعض النباتات الجديدة التي تتكون أجسامها من عدد كبير من الخلايا، ولا يعرف السبب الحقيقي وراء تجمع الخلايا في مستعمرات، ولكن هناك من يرون أن هذا يمثل نوعا من التعاون والتكافل بين هذه الخلايا، بينما يري البعض
الآخر أن هذه التجمعات الخلوية قد نتجت عن عدم انفصال الخلايا بعد انقسامها، فقد كانت الكائنات الحية لا تموت طبيعيا بمرور الزمن قبل ظهور الجنس، فكان الكائن الحي عندما يستكمل نموه لا يشيخ ولا يموت ولكنه ينقسم إلي كائنين جديدين يستمران في الحياة
فترة ثم يعاودان الانقسام وهكذا، وقد نتج عن تجمع الخلايا أو عن عدم انفصالها بعد الانقسام أن ظهرت كائنات حية جديدة أكبر في الحجم وأكثر صلاحية للحياة من الخلايا المفردة، وأدي التعاون بين هذه الخلايا إلي تعدد مهام الكائن الحي وإلي زيادة قدرته علي مجابهة
ظروف البيئة المحيطه به، وقد ظهرت في هذه المرحلة التي استمرت نحو ثلاثة آلاف مليون عام أشكال جديدة من الكائنات الحية لم تكن معروفة من قبل، ولكن يمكن اعتبارها أول كائن على الأرض حي، وظهرت الخلايا النباتيّة التي تعتمد على ضوء الشمس للحصول
على الطاقة اللازمة لحياتها، وكان الغلاف الجوي للأرض يتكون أغلبه من الميثان وثاني أكسيد الكربون. وكانت الخلايا الأولية في ذلك الوقت تحصل على الطاقة من خلال تحويل المركبات العضوية المعقدة لمركبات عضوية أبسط يمكن استهلاكها لتكون طاقة، فيها
يعرف بالتخمر fermentation. ثم بدأت بعض الكائنات الأولية في التطور وتصنيع غذائها باستخدام التمثيل الضوئي الغير منتج للأوكسجين لتوفير الطاقة، حتى بدأت النقلة النوعية منذ 2.4 – 3.2 مليار عام مع تطوير البكتيريا الزرقاء Cyanobacteria لقدرة
استخدام التمثيل الضوئي المنتج للأوكسجين، فكانت تستخدم طاقة الشمس والماء وثاني أكسيد الكربون لتوليد طاقة، وتُخرج الأكسجين كفضلات للعملية.
وفي البداية كان الأوكسجين المنتج يسخدم في أكسدة المعادن في قشرة الأرض خصوصا الحديد والحجر الجيري، ولذلك لم يكن يؤثر في نسبة الأكسجين في الغلاف الجوي، حتى تشبعت معادن قشرة الأرض منه، فبدأ الأوكسجين يتراكم في الغلاف الجوي تدريجيا. وتسمى
فترة بداية ظهور الأكسجين في الغلاف الجوي بـ Great Oxygenation Event أو حدث التأكسج الكبير، وكانت منذ 2.3 مليار عام تقريبا، أي في بداية دهر الطلائع. وبسبب طاقة الأشعة الفوق البنفسجية القادمة من الشمس، كونت جزيئات الأكسجين غاز
الأوزون والذي تجمع أعلى الغلاف الجوي ليكون طبقة الأوزون، والتي كانت وما زالت تحمي الأرض من التأثير الضار للأشعة فوق البنفسجية. وتكوُّن طبقة الأوزون سمح للبكتيريا بالتكاثر واستعمار سطح الأرض، بعدما كانت الأشعة فوق البنفسجية تعيقها عن ذلك.
وللتمثيل الضوئي المنتج للأوكسجين تأثير آخر على الأرض، فالبكتيريا البدائية التي كانت تعتمد على التخمرهي باكتيريا لا هوائية anaerobic organisms لا يمكن أن تعيش في بيئة بها أوكسجين، ولذلك كان ظهور الأوكسجين في الغلاف الجوي سببا لأول ظاهرة
انقراض في تاريخ الكوكب.
بعدها نشأت الكائنات ذات الخلية المتطورة حقيقة النواة Eukaryote، كما نشأت الكائنات متعددة الخلايا، ويرجع ذلك لزيادة نسبة الأوكسجين في الجو والذي كانت تسخدمه الخلايا حقيقية النواة في توليد الطاقة. فقد تطور نوع من البكتيريا يسمى Proto-
mitochondrion قادر على استخدام الأوكسجين، واستطاعت هذه البكتيريا الاندماج في الخلايا حقيقية النواة لتكون عضيات الميتوكوندريا mitochondria المسؤولة عن توليد الطاقة داخل الخلايا الحية حتى الآن.
وتكونت أيضا في هذه الحقبة الزمنية ، منذ حوالي مليار عام، الخلية النباتية، وذلك من خلال اندماج البكتيريا الزرقاء cyanobacteria القادرة على توليد الطاقة من التمثيل الضوئي، داخل بعض الخلايا غير ذاتية التغذية، وذلك لتصبح البكتيريا الزرقاء هي
البلاستيدات الخضراء Chloroplasts المنتجة للطاقة في الخلية النباتية. وبدأت الخلايا النباتية في النمو على سطح الأرض بعد أن غزت الطحالب الشواطئ. وطورت الخلايا حقيقية النواة قدرة التزاوج الجنسي بين خليتين لإنتاج جيل جديد يحمل صفات الخلايا الأب.
بعدها شهدت الأرض آخر فترة جليدية شديدة العنف Cryogenian period، منذ 750- 635 مليون عام تحولت الأرض فيها لكرة جليدية متجمدة السطح والأنهار والمحيطات، وليست هناك تفسيرات واضحة للعصور الجليدية، ثم حدث الانفجار الكامبري Cambrian
explosion (يعني ظهور مفاجيء لأغلب الكائنات الحية)، وهو أهم حدث بيولوجي في تاريخ الأرض، حدث منذ 542 عام واستمر حسب السجلات الأحفورية لمدة 30 مليون عام فقط، وتكمُن أهمية الانفجار الكامبري في سرعة ظهور فصائل الكائنات الحية المختلفة
وتطورها في فترة قصيرة جدا بعمر الأرض والحياة أيضا، ففي نهاية دهر الطلائع كانت أكثر أشكال الحياة تطورا هي الادياكارا بيوتا، وهي رغم تعقيدها النسبي مقارنة بما قبلها، ما زالت بدائية جدا، ولا تملك أي هيكل داخلي أو خارجي، ولا تملك أي أطراف.
وفي الانفجار الكامبري ظهرت الكثير من الشعب الرئيسية Phylum. كما بدأت الكائنات الحية في تكوين الهياكل القشرية الخارجية والهياكل العظمية الداخلية والأطراف، وظهرت الرخويات والقشريات ومفصليات الأرجل، وظهرت أيضا الفقاريات، والأسماك الأولية
Pikaia، والتي تطورت في العصر التالي للكمبري للأسماك الفقارية، وانتهى العصر الكمبري منذ 488 مليون عام بحدث انقراضي كبير يسمى حدث الانقراض الكمبري-الأوردوفيشي Cambrian–Ordovician extinction event والذي أدى لانقراض العديد من
الشعب البدائية التي كانت مسيطرة على الأرض وقتها، ويقول السجل الأحفوري أن مفصليات الأرجل بدأت منذ 450 مليون عام في الخروج من المحيط لتستعمر الأرض وتكمل تطورها مستعينة بمصادر الغذاء النباتي الوفير على سطح الكوكب.
ومنذ حوالي 380 حتى 375 مليون عام، بدأت الكائنات رباعية الأطراف tetrapods في التطور من الأسماك، فبدأت الزعانف تتحول لأقدام تساعد الكائنات على الحركة على اليابسة قليلا، وبدأت البرمائيات amphibians في الظهور، فهي تعيش حياتها في الأرض
لكنها تتكاثر وتبيض في الماء. ومنذ 360 مليون عام بدأت النباتات في التطور وإنتاج البذور، مما ساعد بقوة على انتشارها. وبعد حوالي 20 مليون عام طورت بعض البرمائيات طريقة التزاوج وأصبح بيضها الآن يحمل قشرة أقوى وغشاء سلوي amniotic egg
فاستطاعت وضع بيضها على الأرض، وبالتالي قضاء حياتها بالكامل على الأرض، وسميت السلويات Amniote. وخلال الـ 30 مليون عام التاليين تمايزت السلويات بين الـ Sauropsida والتي تضم كل الزواحف والطيور وبين الـ Synapsids والتي تضم
الثدييات، كما استمرت باقي الفصائل في التطور والتنوع الداخلي، وطورت النباتات الزهور وبدأت التزاوج الجنسي، وقرب نهاية حقبة الحياة القديمة حدث الانقراض البرمي الترياسي Permian–Triassic extinction event، والذي يطلق عليه الموت العظيم. وهناك
العديد من النظريات لتفسير أسباب هذا الانقراض، كازدياد نشاط البراكين، أو اصطدام كويكبات بالأرض، أو زيادة نسبة غاز الميثان في الجو، وقضى هذا الانقراض على 90% من الكائنات البحرية، و 70% من الفقاريات، و57% من عائلات الحشرات. واحتاجت
الحياة لأكثر من 10 ملايين عام تالية لتستعيد عافيتها مرة أخرى.
وظهرت رباعيات الأطراف منذ حوالي 230 مليون عام وفي حقبة الحياة الوسطى Mesozoic era، بدأت رتبة الديناصورات في الظهور، وبعدها حدث انقراض كبير يسمى الانقراض الترياسي-الجوراسي، انقرضت فيه الكثير من الكائنات الحية على الأرض، وتبقى
القليل منها وبينهم الديناصورات. وهيمنت الديناصورات في تلك الحقبة على الحياة في البر والبحر، كما أنها بدأت تطور القدرة على الطيران منذ حوالي 150 مليون عام تقريبا لتهيمن على الجو أيضا، واستمرت الديناصورات حتى نهاية العصر الطباشيري، ثم انقرضت
فيما يعرف بـانقراض العصر الطباشيري-الثلاثي Cretaceous–Tertiary (K–T) extinction والذي له العديد من التفسيرات العلمية، وأهمها هو فرضية الكويكب: فمنذ 66 مليون عام اصطدم كويكب عملاق يبلغ قطره 10 كيلومترات بكوكب الأرض، وأطلق
الاصطدام كميات مهولة من الغبار والأتربة والحطام وبخار الماء، كونت طبقة في الغلاف الجوي تمنع وصول ضوء الشمس للأرض وبالتالي توقفت عمليات التمثيل الضوئي وتغير المناخ المناسب للحياة. وقضى هذا الانقراض على 75% من الحياة على الأرض بما
فيها جميع الديناصورات البرية. بينما نجت الديناصورات الطائرة من هذا الانقراض، وهي تعتبر الأجداد القديمة لجميع الطيور الحالية.
وبدأت بعد ذلك حقبة الحياة المعاصرة Cenozoic era وهي حقبة سيطرة الثدييات، والتي كانت أثناء هيمنة الديناصورات مجرد كائنات ليلية ضعيفة غير قادرة على المنافسة. فبعد انقراض الديناصورات وبدء الأرض في التعافي من آثر الانقراض الأخير، بدأت الثدييات
في التطور والتنوع، وبدأت تنتشر في البيئات المختلفة. فتطورت الحيتان في البحر، كما تطورت الرئيسيات primates في الغابات وعلى الأشجار، وتطورت الحيوانات اللاحمة والمتوحشة على البر، وأثر تغير الطقس على توزيع الغابات وبدأت أعشاب وغابات السافانا
في الانتشار. وساعدت البيئة المتغيرة الثدييات في التطور والازدياد في الحجم والقوة. وبدأت الرتبة القططية ورتبة الأفيال ورتبة الحافريات في الظهور. وكان النشاط التكتوني ما زال مستمرا في تلك الفترة، وأهم نتائجه هو تكون برزخ بنما والذي فصل بين المحيط الأطلسي
والمحيط الهادئ، والذي أوصل بين الأمريكتين وخلط بين حيواناتهما مما أدى لظهور فصائل جديدة.
ومنذ حوالي 2.5 مليون عام بدأ العصر الحديث الأقرب Pleistocene epoch وذلك حتى 11700عام، وتميز هذا العصر بالعديد من الفترات الجليدية Ice Ages، والتي كان يتجمد فيها جزء كبير من سطح الأرض ناحية القطبين، وكانت الحيوانات الضخمة
Fauna هي صاحبة الكلمة العليا في هذا العصر، كالفيلة والماموث، والنمور ذات الأسنان السيفية، والدببة، والوعول الإيرلندية، وحدثت في تلك الفترة الكثير من الهجرات الجماعية للحيوانات من المناطق المتجمدة للمناطق الأكثر الأقرب لخط الاستواء الأكثر دفئا. وتقول
الدلائل العلمية أن الإنسان قد مر بسلسلة من التطور في تلك الفترة عن طائفة الرئيسيات، حتى ظهر الإنسان الحالي Homo sapiens منذ حوالي 11000 عام، وبدأ الإنسان بناء الحضارة ومضى في تعمير الأرض……يتبع أسلاف الأنسان وظهور الأنسان الحديث