تعد فترة سبعينيات القرن الماضي، مرحلة زاهرة بالغناء الشعبي العراقي؛ حيث لعبت الثقافة السائدة والذائقة المجتمعية دوراً كبيراً في بروز هذا النوع من الغناء. واعتلى المطربون الشعبيون مسارح الأفراح ،لتكون دنيا تشع ألقاً وغناءً يعكس لسان حال فئة معينة من المجتمع تريد أن يكون لها خصوصية تعزز هويتها كي تناطح بها التقدم التكنولوجي الذي يعد الخطر الأول على ناس تحركهم الفطرة والبساطة.
لهذا النوع من الغناء رواده في مدينة الثورة، ينتقلون في حفلات الأعراس، ليمارسوا لعبة إمتاع الجمهور بالصوت والصورة والحركة البهلوانية وخفة الدم. وهناك الكثير من مطربي الحفلات الشعبية، استطاعوا بأغنياته ذات الأفكار البسيطة أن تراقص الأبدان، ويطرد عن النفوس الأحزان؛ حتى تحولت ساحات الثورة الترابية إلى مسارح مكشوفة تغص بالمتفرجين من جميع الفئات. زاد من شهرة المطربين الشعبيين موجة (الكاسيت) التي كانت سائدة في تلك الفترة حيث يتسابق أصحاب سيارات النقل العام (النفرات) والأجرة إلى إسماع ركابهم سيلاً من (ردحات) هذا وذلك المطرب الشعبي على أشهر أغنية في تلك الفترة( إنا المسيجينه .. أنا،أنا المظيليمه .. أنا، انا إللي باعوني .. هلي، بدينار باعوني .. هلي، بالقوه زوجوني .. هلي، عليه غصبوني .. هلي ) إلى أخير الأغنية. ربما لم يستسغ بعضهم هذه المفردات الموغلة في بالعامية، ولكن الركاب الكثير منهم من تذوقي هذا الفن الشعبي، الذين يجدون فيه سلوتهم في غسل همومهم وتعب عملهم. أنها لحظة حلوة يعيش فيها الإنسان مع صخب الحياة، وهو يعلن ثورته على بعض الأعراف الاجتماعية الجائرة التي سلبت بعض النساء حقوقهن. فكان هؤلاء المطربين، الناطقين الرسمين، والمدافعين عن إظهار مظلومية المرأة في زمن لم تُعرف منظمات حقوق الإنسان والمرأة سوى أنها تمجد السلطة الحاكمة، وتتغنى بإنجازاتها، انه نظام زمن الواحد ولكن فنانو الأعراس كسروا هذا الحاجز وانتصر للمرأة. ربما يسجل السبق في هذا المجال للمطرب عبادي العماري في أغنيته الشهيرة (فصلية) في الثورة على بعض الأعراف التي سلبت المرأة بعض حقوقها وانتصر لبنت حواء.