قد يساور بعضهم الأعتقاد إن شهراً واحداً أو أكثر، هي المسافة الزمنية الفاصلة بين طرح قضية الأهوار عالمياً وإدراجها، متجاهلاً أو جاهلاً آلاف التضحيات ومئات المعارك وسنوات طويلة سبقت هذا الحدث؛ مثلت الأساس الحقيقي لهذا النجاح الذي قد يحصد ثمرته، كالعادة، أصحاب المصلحة الذين أسكتهم الترف في المعارضة والسلطة على حدٍ سواء. الواقع الزمني يضع أمامنا خريطة زمنية وحركية موثقة لهذا الإنجاز العراقي..في عام ١٩٩٢ قامت مجموعة من عسكرية بعملية أُسميت بعملية “الحسن المجتبى”.. هدف العملية تفجير السدود التي صنعها النظام البعثي على نهر الفرات والتي غايتها منع إمداد الأهوار بالمياه. نجحت عملية “الحسن المجتبى” من الناحية العملية المرحلية، بيد أنها لم تك قادرة على تحقيق الأهداف الإستراتيجية، نتيجة لإمكانات النظام الهائلة في المطاولة ومعاودة المحاولة، وهذا ما جرى لاحقاً. في تلك الأثناء تحرك ياسين الموسوي (ممثل آية الله محمد باقر الحكيم) في أهوار الجنوب، بطريقة أخرى؛ إذ كانت خطته تقتضي إيصال القضية إلى المجتمع الدولي بما يضمن إلتزام الأمم المتحدة تجاه تلك المنطقة الحضارية وسكانها وحمايتها من بطش النظام. تلك الحركة كان يصاحبها العمل العسكري المقاوم لمحاولات البعث الرامية لتجفيف الأهوار وإنهاء الحياة عليها. تحركات الموسوي كانت تلقى معارضة من قبل بعض قوى المعارضة، منها حركة ماهوود (عبد الكريم المحداوي) و (حزب الدعوة) إلا إنها كانت تحظى بدعم كبير من قبل فريق الحكيم الذي ينتمي إليه الموسوي، ولعل رفض الدعاة فقط لكون الحكيم هو صاحب المشروع. في تلك الأثناء تأسس “المركز الوثائقي لحقوق الإنسان” بقيادة عبد العزيز الحكيم وتنفيذ من قبل الدكتور صاحب الحكيم. وهنا يجب ذكر دور السيدة البارونة إيما نيلكسون المهتمة بالشؤون العراقية، وزياراتها للعراقيين المغتربين وإهتمامها بملف الأهوار. في هذه المرحلة تحديداً وبتلك الجهود، سيما الإعلامية التي نفذها السيد عبد العزيز الحكيم والسيد ياسين الموسوي والدكتور صاحب الحكيم من عمق الأهوار؛ دشن ذلك الملف كقضية عالمية شغلت الرأي العام المختص وبقي الملف عالقاً في ذاكرة ودواليب الأمم المتحدة وعرضة للمساومات، لكنه أدخل كقضية إنسانية حضارية تستدعي المساعدة العاجلة. في موازاة ذلك العمل الحقوقي والإنساني والسياسي، كانت حركة آية الله الحكيم تقاوم عسكرياً محاولات النظام البعثي المتكررة لتجفيف الأهوار، وكان الهدف إبقاء تلك البيئة العراقية دون تغيير. وقد حدثت عشرات المعارك الضارية منذ بداية العام ١٩٩٣، إذ باشر النظام فعلياً بعملية التجفيف التي جائت نتائجها سريعاً، وفي نفس العام أحرقت الأهوار!..
التغيير البيئي الكبير أدى إلى إنعدام الحياة في الأهوار، غير أن القوات بقيت تتنقل من منطقة لأخرى بغية المقاومة ومحاولة إعادة الوضع البيئي السابق، ورغم حدوث طفرات نوعية في أداء المقاومة المسلحة التي يقودها الحكيم، لكن الحراك الأممي أخذ طابعاً يستند على الدليل، وذلك من خلال “المركز الوثائقي لحقوق الإنسان” الذي يرأسه عبد العزيز الحكيم والدكتور صاحب الحكيم، الأمر الذي فتح قضية الأهوار والجريمة الحاصلة موثقة بآلاف الأدلة، مما أدى إلى تعاطف مراكز وقوى مهمة في الأوساط الدولية والأممية. أكثر من ثلاثة وعشرين سنة تخللتها أحداث كبيرة حرفت نظر العالم عن مشكلة الأهوار، غير إن المعطيات التي إستحصلها المركز الوثائقي لحقوق الإنسان، جعلت القائمين على المركز ومؤسسيه يدركون أهمية القضية ويعملون بطرق مختلفة لإعادة أحياءها. في عام ٢٠١٣ قدمت “مؤسسة شهيد المحراب” كعضو من منظمات المجتمع المدني التابعة للأمم المتحدة توصيات ومشاريع لبعض الجهات الفاعلة تخص الأهوار وضرورة أحياءها والآليات الممكنة، وذلك عن طريق بعض المنظمات والشخصيات الأممية المؤثرة. وهنا دخل ملف الأهوار حيّز الجدية بعد سنوات طويلة من التبني والحراك والقتال. جفاف ومقاومة، دماء في سبيل تلك البيئة التي قدمت للعراق كل شيء، سيما في حربه ضد الإرهاب، فاليوم من يتصدى للهجمة الداعشية هم أبناء تلك المدرسة الذين دافعوا بأخلاص وتفاني عن الطيور والأسماك والإنسان. قصة الهور وجفافه، ونجاح إرادة إعادته؛ تعلمنا طرق حل مشاكلنا والسبل الممكنة التي يمكن أن نضع ثقتنا بها للنهاية، فلا مكان للشعار الفارغ. فقط العمل المصحوب بخطوات يحددها الهم الوطني الذي يتحول إلى مسار ومنهج عمل، علماً إن ذلك الهم والحراك كان يواجه بأستهزاء من قبل الدعاة.. نعم الدعاة نفسهم الذين يكسبون اليوم المنجز الذي حاربوه!..