22 نوفمبر، 2024 1:11 م
Search
Close this search box.

كيفية تحديد الحاجة الفعلية إلى القوى العاملة

كيفية تحديد الحاجة الفعلية إلى القوى العاملة

القسم الخامس
إن نظـام التشـكیلات الإداریـة فـي كـل وزارة أو جهـة غیـر مرتبطـة بـوزارة ، یتضمن وصفا للوظائف المتقدمة ( مدیر فمـا فـوق ) وشـروط إشـغالها ، وحیـث لـم تلتــزم بتلــك الشــروط والمواصــفات أغلــب دوائــر الدولــة ، لعــدم كفایــة التوصــیف وتكییفــه لإســتیعاب الكفــاءات والقــدرات العملیــة المتمیــزة ، بســبب الركــون إلــى مستوى التحصیل الدراسي فقط ، وعـدم فسـح المجـال لـذوي الخبـرة المكتسـبة والمتراكمة من أصحاب الممارسة العملیة والفعلیة ، من تولي زمـام المسـؤولیة الإداریـة المباشـرة ، أدى إلى إشغال عـدد مـن تلـك الوظـائف بعناصـر غیـر مؤهلـة مهنيا لها ، إلا عن طریق الوكالة أو التنسـیب ، الأمـر الـذي أفقـد تلـك الأنظمـة قوتهـا الملزمـة ، وفاعلیتهـا فـي تحقیـق النتـائج المتوخـاة ، بسـبب التهـاون فـي مسـاءلة المخـالفین ، كمـا أدى ذلـك إلـى زیـادة ضـعف كفـاءة العـاملین مـع زیـادة أعـدادهم ، بسـبب عــدم إلمــام الــرئیس المباشــر أو الأعلــى لتفاصــیل أعمــال وظیفتــه ، المرتبطــة بتنفیــذ مهــام وواجبــات الــدائرة التــي یرأســها ، ناهیــك عــن عوامــل حــب الســیطرة وبسـط النفـوذ ، علـى الـرغم مـن إنعـدام الخبـرة العملیـة التـي لا یـدعمها التحصـیل الأكایمي ، ولا یمنحها قـوة وحصـانة ومنعـة التجربـة العملية الفعلية ومكتسـباتها ، وإن كـان ذلـك على حساب هیبـة الوظیفـة العامـة وقوتهـا الإداریـة ، المسـتندة إلـى نزاهـة الكفـاءة والخبرة الفكریة والتطبیقیة .

إن حكمة المشرع في الجمع بین مراقبة عـدد المـوظفین وتنظـیمهم ، حسـب أحكام المـادة (٣٣) متقدمة البیان ، وبـین تـدریبهم ضـمن القواعـد الواردة في قانون الخدمة المدنية ، تؤكـد أهمیة التـدریب وتأثیره المباشـر على تحدیـد عـدد العــاملین فــي دوائر الدولة ، حیـث تـزداد أعـدادهم كلما إنخفض مسـتوی أدائهـم النـوعي ، بسـبب ضعف كفـاءة وقلة خبرة مسـؤولیهم ، ویقـل عـددهم كلما إرتفعــت مسـتویات الأداء الـوظیفي النوعي ، بفعـل قـوة وتـأثیر الخبرة المتراكمة للمسـؤولین ، المؤدیة إلى إرتفاع درجة كفاءة المرؤوسـین ، مـن خلال نقـل المـوروث العملي وآلیات تطبیقه ، عـن طریق ممارسة الإجراءات الیومیة لشـؤون الوظیفـة والخدمة العامة بحنكة ونزاهة إدارية غير مصطنعة ، إضـافة إلى مـا تحققه إهتمامـات ربـط الواقع الوظیفي بمتطلباته المسـتقبلیة ، الـذي جسـدته المـادة (٣٤) مـن القـانون ، حیـث الـنص على أنٍ ( تؤسـس فـي الـوزارات المختصـة عنـد الضـرورة دورات لتـدریب المـوظفین ، ممـن یتقــرر تـدریبهم بغیـة زیادة كفاءتهم ، بعــد إستحصـال موافقـة وزیـر المالیة على مـدة الـدورة ، وشـروط الالتحاق بهـا ، وحقـوق المتخـرجین منها ) . كما إن تخویـل الوزارات بإقامة الـدورات التدریبیة لمنتسـبیها ، یعني نقـل الخبـرة المتراكمـة إلــى جیــل الموظفین الجـدد ، مـن منابع المشهود بتمیـزهم الـوظیفي المهني ممارسة وبحثا غير ملوثين بعصيات الفشل والفساد ، ومـا ینـتج عنه مـن توحیـد الإجـراءات المتبعـة وتبسـیطها فـي دوائـر الـوزارة الواحدة ، وعـدم فسـح المجـال لإجتهـادات التعامـل المـزدوج مع تفاصـیل الموضـوع الواحـد بمعـاییر غیـر قانونیـة ، والسعي لتبـادل المعرفـة والمعلومات التي لا تقــف عنـد حـدود دوائـر الـوزارة الواحـدة ، حیـث الـدورات التدریبیة المشتركة لمنتسبي دوائر الدولة ، وما یترتب علـى نتـائج المشـاركة فیهـا مــن ثــواب وعقــاب ، التـي سیسـتدل بهـا علـى قـوة التـأثیر الإیجابي لهـا ، فـي تحدیـد أعـداد القوى البشریة العاملة في أجهزة الدولة المختلفة .

لقـد بلغ إهتمام الدولة بالتـدریب ، إلى حد إشـتراط إجتیـاز المرشـح للتعیـین على ملاك الـوزارات ، لـدورة تخصصــیة فــي مجـال ممارسـة الوظیفـة المـراد التعیـین فیهـا ، حیث أجـاز القـرار المـرقم (١١٥١) فــي ٢٤/١٠/١٩٧٤ ، تعیین خریجة الدراسة الإعدادیة والفنون البیتیة بوظیفـة ( مرشـدة ) ، فـي مـدیریتي الشـرطة والمـرور العــامتین ، بالراتـب الـذي تسـتحقه وفـق أحكـام قـانون الخدمة المدنیة رقم (٢٤) لسنة١٩٦٠– المعدل ، بعد إجتیازها دورة خاصة مـدتها ثلاثـة أشهر في عمادة كلیة الشـرطة ، ونـص القـرار المرقم (٣٠٨) في 14/3/1977 ، على أن ( یعتبـر خریجـو الدراسـات الحسـابیة التي تنظمها مدیریة المحاسبة العامة ، بمثابة ممارسین مـن الفئـة (ج) لأغـراض التعيين في الوظائف الحسابية ، طبقا لأحكام قـانون نقابـة المحاسـبین والمـدققین رقــم (١٨٥) لســنة ١٩٦٩ – المعــدل ، على أن یكونـوا من خریجي الدراسـة الإعدادیة أو ما یعادلها ، وأن لا تقل مدة الدورة عن ثلاثة أشهر ) .

إن حــب العمــل ، وتســخیر كــل وقــت وجهــد الموظــف مــن أجلــه ، غایــة لا یــدركها إلا مــن إحتــرف الوظیفــة مهنیــا ، وأخلــص فــي أداء واجباتــه ، مبتكــرا ومبدعا ومتمیزا بتجربته المكللة بالإستقامة والنزاهة ، التـي یفتقـر الیهـا مـن جعـل مــن الوظیفــة وســیلة إرتــزاق وكســب مــادي لا حــدود لــه ، كمــا هــو حــال معظــم مـوظفي الیـوم ، الـذین لا یعنـیهم البحـث فـي تطویرهـا وتبسـیط إجراءاتهـا ، بـذات قــوة المنافســة علــى التمتــع بإمتیازاتهــا ، وإن كــان ذلــك مــن غیــر وجــه حــق أو إستحقاق لیس إلا … كما إن بحث ودراسة مواضيع الخدمة وإستحقاقاتها ، يستند إلى رؤى الرغبة في تغيير قواعد الواجبات والحقوق ، وتجديد الأحكام المنظمة لشؤون العاملين في دوائر الدولة ، بسبب عدم مواكبتها لمقتضيات ومتطلبات الوظيفة العامة ، أو عدم إنسجامها مع إستخدام الإمكانيات المتطورة والمتاحة من أجل البناء والإعمار ، وحيث نعتقد بصحة وصواب ما نراه ، فإن غيرنا قد يرى خطأ ما توصلنا إليه ، وعليه نجد في المراجعة المهنية الخالصة ، أداة إنقاذ بعض ما شهدته الوظيفة العامة من أنواع المتغيرات السلبية والعقيمة ، التي فرضها تدخل الطارئين بشعارات الإصلاح والتغيير الخالية من قواعد وآليات العمل العلمي والرصين ، مع إهمال تأثير ظروف مقتضيات ومتطلبات الحالة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية غير المستقرة التي صنعها الإحتلال البغيض وأزلامه من الرعاع .

أحدث المقالات