22 ديسمبر، 2024 7:30 م

كيفية تحديد الحاجة الفعلية إلى القوى العاملة

كيفية تحديد الحاجة الفعلية إلى القوى العاملة

القسم الأول
إذا كانت التقاليد والأعراف والمواثيق والتحالفات القبلية والعشائرية ، هي المنظمة لعلاقات الأفراد في المجتمعات التي نمت في ظل الشعور بإلزامية تطبيق ما إعتادوا على الأخذ به والإحتكام إليه ، في سبيل المحافظة على الأمن الداخلي وصد الإعتداء الخارجي ، وتوفير مقومات الحياة وتأمين مستلزماتها المعيشية ، فإن إستدعاء موجبات نمو العمل المستمر ، تقتضي تقصي سبل إستخدام وسائل وأساليب الحاجة المتزايدة ، لنتاج النشاطات الإجتماعية والإقتصادية والثقافية ، بما يؤمن تطور مستوى الأداء وإشباع الحاجات وتنظيم العلاقات العامة ، بغية الحصول على المنافع المتعددة والمختلفة كما ونوعا ، بصيغ التعامل العيني للسلع والخدمات المتبادلة ، إلى حين بلوغها مراتب التعامل المالي البديل ، في ظل التكوين الإداري المدني والنهوض الحضاري ، المتمثل بنشوء الدولة مع نسبية ثبات أركانها ، ووضوح معالم توجهاتها المتدرجة في إعادة بناء الحياة والمجتمع ، على أسس عصرية قائمة على العلم والمعرفة والتقنية ، المؤدية إلى التنمية الشاملة ، من أجل تقدم الأمة وتمكينها من مغالبة التحديات التي تواجهها ، وتحقيق وحدتها وإضطلاعها بدورها في مسيرة الحضارة البشرية ، الداعمة للأمن والسلم العالمي ، المرتكز على الحق والعدالة الإجتماعية ، وما تستوجبه من إعداد قواعد متينة ورصينة ، تنظم علاقات العمل المتأثرة بمتغيرات فلسفة الدولة وسياستها ، في فرض نهجها عن طريق تغيير التشريعات القانونية والإدارية وآليات تنفيذها ، من خلال تكليف مواطنيها بأداء الواجبات المفروضة ، بشكل قد يتعارض ورغبة المواطن في الإنتظام في أجهزة إدارية سليمة ، تضمن نهضة الأجيال المتعاقبـة وتمكنها من تحمل مسؤولياتها ونيل حقوقها المشروعة ، بوعي وإدراك عميقين ، بأن الوظيفة العامة تكليف للقائمين بها ، وغاية مرادها خدمة المواطنين وتحقيق مصالحهم طبقا للقوانين والأنظمة والتعليمات ، كونها خدمة وطنية لا ينهض بأعبائها ، ولا تناط مسؤولياتها إلا بأهلها الأصليين ، قبل أن تكون حقا خالصا لهم دون غيرهم ، وإن كانت عناصرها مؤلفة من مجموع الواجبات التي يتحمل الموظف تداعيات تنفيذها ، لقاء ما تعيده إليه من حقوق وإمتيازات مادية ومعنوية محددة سلفا .

إن القانون الأساس (الدستور) ، الذي ينظم سلطات الدولة الثلاث ويحدد إختصاصاتها ، ويبين الحقوق والواجبات العامة للأفراد ، ينطلق من مجموعة القيم والمباديء المستندة إلى الفلسفة الإجتماعية المستمدة من طبيعة المجتمع ، وحاجاته ومتطلبات تقدمه وتطوره وإزدهاره ، القائمة على مبدأ تكافؤ الفرص ، المؤدية إلى كفاية النظام التنظيمي ، بما يؤمن الإرتقاء بمستويات ممارسة حقوق الإنسان ، وزيادة حجم الإنتاج كما ونوعا ، تجسيدا لمباديء التكافل الإجتماعي والعيش المشترك الرغيد ، وتحمل مسؤولية إدارة الدولة في توفير مستلزمات الحياة العامة ، وتحسين المستوى المعاشي بمقاييس الضمانات المستقبلية ، التي يستند إليها عند سن القوانين العامة والخاصة على حد سواء .

ولأن الدستور والقانون والنظام والتعليمات ، دوائر تشريعية متسلسلة ومترابطة بالإختصاص العلمي لأي تكوين أو نشاط عملي ، إبتغاء حسن قيام مؤسسات الدولة بمهامها ، فلا يتم تعديل أو تبديل أو إلغاء أو تصحيح نصوصها بالحذف أو بالإضافة ، إلا بصدور ما يماثلها ، وبذات الكيفية والمضمون من حيث السند والقوة القانونية التشريعية الملزمة ، التي تم بموجبها إصدارها إبتداء ، ولا ينشأ القانون إلا بسند دستوري ، ولا يتغير إلا بقانون ، ولا تصدر الأنظمة إلا بسند قانوني ، ولا تتبدل إلا بموجب قانون أو نظام ، ولا تعتمد التعليمات إلا إذا كانت عملا بأحكام القانون أو النظام ، وصادرة عن الجهة المخولة بإعدادها وإصدارها ، أما التوجيهات الإدارية العامة ، فهي وليدة الحاجة الآنية لإيضاح آليات التنفيذ ، أو لمعالجة حالة طارئة ، على أن لا تخرج عن إطار المباديء والقواعد العامة ، وإن إتصف مضمونها في بعض الحالات ، ببعض الإستثناءات الإجرائية السريعة ، لتلافي إتساع رقعة الضرر العام ، أو إنتشار آثاره السلبية .

وبناء على ذلك ، لا يجوز إصدار أو تغيير أي تشريع قانوني ، بالإستناد إلى ما هو أدنى منه مرتبة في قوة الإلزام والوجوب ، كما لا يحق إجراء أي تغيير في النص التشريعي ، ما لم تكن هنالك حاجة ملحة وأسباب موجبة لتحقيق مصلحة عامة ، وبنص واضح وصريح ، يضمن سلامة وصحة الإجراءات الخاصة بتطبيقه ، ولا يصح الإستناد إلى أي تشريع لا يختص أو يتعلق بموضوع وتفاصيل المطلوب معالجته أو تشريعه ، ولا يمكن قبول أي تشريع أو الإعتماد عليه أو الإستناد إليه ، بل ويحرم التعامل معه وبه ، إذا كان صادرا من غير جهة الإختصاص التشريعي ، أو مخالفا لأحكام الدستور أو القانون أو النظام المعتمد ، لأمكانية إجراء تغيير أي منهما عندما تجد الدائرة المختصة في النص التشريعي ، ما لا ينسجم مع متطلبات التطور النوعي الذي أحدثته المتغيرات الجذرية في بنية تركيبتها الأساسية وبالشكل المناسب .

إن دراسة وبيان الحاجة الغعلية للقوى البشرية بغية إستخدامها في دوائر الدولة ، تستلزم عدم النظر إلى المصالح الشخصية المنفصلة عن المصالح العامة ، أو التقيد بنظرية أو رأي أو إجتهاد تنقصه الحجة والدليل القاطع ، لأن عدم إثبات الرأي بالبرهان المستند إلى عين الممارسة التطبيقية ونتاج الخبرة الفعلية ، لغو ومراء لا ينفع المتشدقين ، المفتقرين إلى أبسط نتائج التطبيق المستنبطة من سوح العمل وميادينه الحقيقية ، بما يؤمن تحقيق أفضل الصيغ لمتطلبات العمل الجديد ، وما يفرضه الإلتزام الجاد بمبادئه ، وصولا للتنفيذ الواعي لتفاصيله كل حسب مقتضياته .