التربية فن يجيدها من يعرفها ويحب ان يعرفها ويتعلم لكي يعرفها ، فهي كباقي الفنون في الحياة لها مبادئها وطرقها وتعاليمها فالزراعة تعتني بالنبات وما يزرع على الأرض والصناعة تعتني بما تنتج الأرض وما يستخرج منها والخط فن يعتني بالحروف ورسمها وغيرها من الفنون وأما التربية فهو فن يعتني بالإنسان الذي يعتني بجميع الفنون لكي يبدع بها من أجل مستقبل زاهر للإنسانية ، ومن اهم أوليات التربية طرق التوجيه ، وهذه الطرق تنقسم الى قسمين الأول توجيه غير مباشر والثاني توجيه مباشر :
توجيه غير مباشر : هذا التوجيه أكثر تأثيراً وأسهل استيعابا واستقبالا وفي كثير من الأحيان يدخل من ضمن تقليد القدوة أو التشبه بالقدوة ، هذا النوع من التوجيه في كثير من الأحيان يقوم به صاحبه وهو لا يعلم انه قد طرح بذرة تربوية صحيحة في بيته او في مجتمعه من خلال القيام بهذه المفردات التربوية بشكل عملي كالصدق والإخلاص والأمانة والوفاء والحفاظ على المواعيد وغيرها من المفردات التربوية الصالحة التي يحتاج اليها كل فرد أو اسرة وبالتالي المجتمع ، وهذا النوع من التوجيه والنصح لا يحتاج الى ثقافة واسعة او عمق علمي ولكن يحتاج الى فهم ما يريد طرحه ومن ثم النتائج من بعد ذلك ، فإذا كان يريد ان يكون أبنائه صادقين عليه أن يكون صادقاً معهم ومع الآخرين أمامهم بحضور الشخص أو بغيابه ولا نستصغر الكلمات أو الحركات أو المواقف فإنها تؤثر في الطفل كالنار في الهشيم وتأخذ مكانها في نفسه ولو بعد حين .
فإذا تريد من طفلك يكون صادقاً فعليك أن تكون صادق أمامه على أقل التقادير وتجمّل الصدق وتعطي العبر والقصص الجميلة عن الصدق والصادقين وكيف يكون النجاح محالفاً لهم في الدنيا والآخرة ومع كل هذا عليك تقديم الاحترام والتقدير للصادقين من الناس أمامهم وتُعَظِّم المواقف الصادقة التي تنتج عنهم وتزرع في عقولهم أن النجاة في الصدق .
وإذا تريد من طفلك أن يكون مخلصاً وأميناً عليك أن تظهر الإخلاص أمامه مع كل شخص تتعامل معه ويكون هذا التعامل واحد أو متشابه في حضور الشخص أو غيابه وهذا التعامل جائز يكون كلمة أو حركة أو موقف ، لأن طفلك هو أكثر شخص يَطِّلع على تصرفاتك مع الأشخاص بوجودهم وغيابهم وذاكرته تسجل كل التعاملات إن كانت مخلصة وأمينة أو منافقة ، لأن المواقف المتضادة تكون شخصية متضادة أو منافقة تظهر شيء وتبطن خلافه اي كما يقول المثل بالوجه مراية وبالكفة سلاية ، عندما يرى الأب شخص ما يستقبله بالكلام المعسول والجميل وعندما يغيب ينعته بأقبح العناوين وألعنها وهذا الموقف يسجله الطفل وتستقبله ذاكرته وعقله لأنه صدر عن المثل الأعلى الذي لا يصدر عنه الخطأ كما يعتقد لهذا السبب تلقائياً تصبح هذه الطبيعة متجذرة عند الطفل تلاحظه يقوم بها تلقائياً من غير أن يدري كأنها تصرف أخلاقي طبيعي ، وهكذا خلقنا من ابنائنا منافقين نتيجة تعاملنا المنافق مع الناس أمامهم وإذا كان تصرفنا مع الناس مخلصاً وأميناً ومتشابهاً بحضورهم وغيابهم عندها نخلق ابناء مخلصين وأمينين وأصحاب نفوس طيبة وغير مريضة.
وإذا تريد من ابنائك أن يكونوا حليمين فعليك أن تظهر أمامهم الحُلُم وتُجَمِّله لهم وتُظهر الحُلُم بصورة عملية من خلال تحمل المواقف المحرجة والكلمات القاسية التي تصدر بصورة غير طبيعية ، فعندها يَتَشَرب الطفل بالحلم كالأسفنج يمتص السوائل المختلفة الألوان وعندما تتشبع بها بأقل ضغطة يندفع منها السائل إن كان ذو لون أحمر أو اصفر أو أخضر فأي لون امتصت سوف تعطيه كما في القول المنسوب لأمير المؤمنين عليه السلام (كل إناء بالذي فيه ينضح).
وهكذا جميع الأخلاق والصفات الحميدة وما تريد من أبنك أن يتصف بها فعليك أن تقوم بها أولاً وبشكل مخلص أمامه عندها سوف تسلك هذه الصفة الى عقولهم وضمائرهم وغرائزهم وذاكرتهم ويتشربون بها وبعدها تخرج منهم كأنها طبيعة وغريزية في تصرفاتهم وكلماتهم وأعمالهم ، لأن طبيعياً وغريزياً يحاول الطفل أن يُقَلد مثله الأعلى وهو الأب أو الأم أو الاخ الأكبر وغيرهم ممن يحيطون به ويحاول تشبيهه في جميع الأعمال والتصرفات ، فإذا أراد الأب من أبنائه أن يكونوا جيدين وذو أخلاق حميدة فعليه أن يكون جيداً وذو أخلاق حميدة ، فنوع المحصول الزراعي يعتمد على نوع البذرة كلما تكون جيدة تعطي نتاج جيد والعكس صحيح مع مراعاة عوامل التربية الأخرى كعامل الوراثة والبيئة المحيطة . أزرع تحصد.