إذ تسابقت وتنافست مسرعةً ومتسارعة وسائل الإعلام الغربية وبعضٌ من العربية على نشر وترجمة ما طرحه السيد هنري كيسنجر ” الغنيّ عن التعريف ” والأشهر من نيرانٍ على اعلامٍ خفّاقة , حولَ كتابة رؤوسِ اقلامٍ اكثر من ستراتيجية , كمبادرة لإنهاء الحرب الأوكرانية – الروسيّة , مشدداً فيها على ضرورة تجنّب الإنجرار نحو حربٍ عالميةٍ ثالثة , وقَبلَ أنْ نتعرّض ونستعرض بعض ما جاءَ في رؤوس الأقلام تلك , فَنُسجّل هنا اوّلاً , أنّ السيد كيسنجر قد آثرَ لنشر مقالته في مجلّة Spectator البريطانية تحديداً ! وليس في ايٍّ من الصحف الأمريكية ! , ولعلّ مؤدّى ذلك لعدم الإيحاء أنّ طروحاته وافكاره جاءت بتنسيقٍ مفترضِ ما مع الجهات الأمريكيةِ ذات العلاقة .! , علماَ أنّ مجلة The Spectator هي ليست الأشهر في القارّة الأمريكية وما يحيطها مثل كندا على الأقلّ .! , ثُمّ ثاني ما نُسجّله بهذا الشأن , فإنَّ الناطق الرسمي بإسم الكرملين السيّد ” ديمتري بيسكوف ” صرّحَ وقالَ أنّ الأفكار التي وردت في مقالة كيسنجر فإنّها موضع دراسة , ووصف كيسنجر بالخبير الموهوب < ولا ريبَ أنّ ذلك يمثّل موافقةً روسيّةً – ضمنيةً غير مباشرة على الطروحات ” الكيسنجرية ” او الأمريكية > , وأنَّ كلّ اطراف النزاع تعاني الأمرّين من هذه الحرب , وهي تُعلن وتُصرّح ما عكس ذلك لإعتباراتٍ ما مُبرّرة او مسوّغة .!
بعضُ أهمّ ما وردَ في هذه المبادرة المصوغة عبرَ هذه المقالة المفاجئة في هذا التوقيت تحديداً .! , فيتمحور نحوَ : –
تسريع التوصّل الى وقف إطلاق النارمن خلال المفاوضات , وعدم الإنجرار الى ما هو ابعد على الصعيد العالمي , ثُمّ فشل الطرفين المتحاربين في الحسم العسكري , فيُحتّم اللجوء الى الحلّ الدبلوماسي وبالسرعة القصوى , يلي ذلك البناء المعنوي والسياسي على المتغيرات الستراتيجية وإقامة هيكل جديد لأوربا الشرقية والوسطى ويعترف بروسيا كقوّة نووية كبرى ودمجها في هذا الهيكل ” غير العظمي ! ” , كما يعقب ذلك – كيسنجرياً ! – إجراء إستفتاءٍ في الأقاليم الخمسة التي ضمّتها روسيا , وبإشرافٍ من الأمم المتحدة ,من أجل ” حقّ تقرير المصير ” .. يعقب ذلك كذلك تأكيد حريّة اوكرانيا في ايّ إتفاقٍ او معاهدةٍ قادمة بعدَ ! التوصّل الى السلام , جنباً الى جنب بعدَ الإعتراف بالدَور التأريخي لروسيا , مع التسليم بإكذوبة ” الحياد ” بعدَ إنضمام السويد وفنلندا الى حلف الناتو …
مبادرة كيسنجر هذه وما يقبع خلفها وما حولها , وهي قابلة للمناقشة والدراسة من الأطراف ذات العلاقة , وقد تتطلّب المزيد من التفكيك والتشريح التفصيلي من الجانب الروّسي , وحتى من القيادات السياسية والعسكرية الأوكرانية ” ودونما إعطاء دَورٍ بارزٍ لزيلنسكي ” , وإذ من السابق لأوانه التسليم لإمكانية نجاحٍ مفترضٍ لإيكال واللجوء وتفويض كيسنجر في حلّ وحلحلة هذه الأزمة العالمية , وبتجاوزٍ لكلّ مراكز صنع القرار العالمية , فبكلّ الأحوال وما تتطلّبه من اهوال لمحاولة إنجاح هذه المبادرة , فإنّ تصعيد – التصعيد العسكري الروّسي وسيّما الصاروخي فلهُ اولويّاته في هذا الشأن او بعكسهِ ايضاً , وهذا ما يجري فعلياً على الخارطة الطبوغرافية – الجيوبوليتيك على الأراضي الأوكرانية .!