المطلع أو من يطلع على معاني ” الفيدرالية ” و ” الكونفيدرالية ” يجد إن الأخيرة يكون فيها نظام الحكم أفضل بكثير من الأولى, حيث إن الكونفيدرالية هي عبارة عن رابطة أعضاؤها دول مستقلة ذات سيادة والتي تفوض بموجب اتفاق مسبق بعض الصلاحيات لهيئة أو هيئات مشتركة لتنسيق سياساتها في عدد من المجالات وذلك دون أن يشكل هذا التجمع دولة أو كيانا وإلا أصبح شكلا آخرا يسمى بالفدرالية, والكونفيدرالية تحترم مبدأ السيادة الدولية لأعضائها وفي نظر القانون الدولي تتشكل عبر اتفاقية لا تعدل إلا بإجماع أعضائها.
أما الفيدرالية فهي تعني شكل من أشكال الحكم تكون السلطات فيه مقسمة دستورياً بين حكومة مركزية – حكومة فيدرالية أو اتحادية- ووحدات حكومية أصغر”الأقاليم أو ولايات أو إمارات” ويكون كلا المستويين المذكورين من الحكومة معتمد أحدهما على الآخر وتتقاسمان السيادة في الدولة.
ففي الأولى يكون الحكم ذاتي لكن تخضع الدولة لإتفاقات مع الدول الأخرى وهذه الإتفاقات لا تمس طبيعة الحكم في تلك الدولة وما يقوم به الحكام, أما في الثانية ” الفيدرالية ” فيكون الحكم في الأقليم أو الولاية أو الإمارة خاضع بشكل عام للحكومة المركزية مع وجود بعض الصلاحيات الخاصة للإقليم لكن يبقى مرتبطاً بشكل عام مع المركز.
الآن في العراق نجد العديد من الجهات طالبت سابقاً بإقامة أقاليم في الجنوب العراقي على غرار أقليم الشمال والآن نجد هناك من يطالب بأقليم غربي, وكل عراقي يعرف إن تلك المطالب جاءت ليس من أجل الشعب ومصلحته ومن أجل خدمة البلاد بل هي من أجل المصالح الحزبية الفئوية الضيقة ولخدمة دول مجاورة وإقليمية ودولية لغرض سرقة خيرات وثروات العراق, فصار عنوان الفيدرالية عند العراقيين قريناً لعنوان السرقة والفساد وهو أمر فاحش ومقبوح عند أغلب العراقيين ممن يعي حقيقة الأمر والذين لم تنطلي عليهم حيل وألاعيب وكذب اغلب السياسيين الذين يريدون شرذمة البلاد من أجل أن يمارسوا السرقة دون أي رادع.
فعلى الرغم من قباحة وفحش هذه الفيدراليات الموجودة فعلاً والتي يراد تأسيسها لكنها لا ترقى لما فعله أئمة الدواعش في السابق في القرون الوسطى من التاريخ الإسلامي, حيث أسسوا كونفيدراليات والتي من المفترض أن تكون أرقى من الفيدراليات, أسسوا لها ليمارسوا الفساد والجريمة بأبشع صورة, حيث قسموا البلاد الإسلامية إلى دويلات وجعلوا من أنفسهم حكاماً لها ليتصرفوا بها كيفما يحلوا لهم ويفسدوا فيها كيفما يشاءون !! ولعل فترة حكم الأيوبيين خير شاهد على ذلك, حيث يذكر إبن الأثير في كتابه ( الكامل في التاريخ ) في الجزء 10 في الصفحة 11 ((فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَعْطَى أَقْطَاعَهُ لِوَلَدِهِ شِيرِكُوهُ، وَعُمُرُهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَخَلَّفَ نَاصِرَ الدِّينِ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْخَيْلِ وَالْآلَاتِ شَيْئًا كَثِيرًا، فَحَضَرَ صَلَاحُ الدِّينِ فِي حِمْصَ وَاسْتَعْرَضَ تَرِكَتَهُ، وَأَخَذَ أَكْثَرَهَا وَلَمْ يَتْرُكْ إِلَّا مَا لَا خَيْرَ فِيهِ.وَأَمَّا صَلَاحُ الدِّينِ فَإِنَّهُ طَالَ مَرَضُهُ بِحَرَّانَ، وَكَانَ عِنْدَهُ مِنْ أَهْلِهِ أَخُوهُ الْمَلِكُ الْعَادِلُ، وَلَهُ حِينَئِذٍ حَلَبُ، وَوَلَدُهُ الْمَلِكُ الْعَزِيزُ عُثْمَانُ، وَاشْتَدَّ مَرَضُهُ حَتَّى أَيِسُوا مِنْ عَافِيَتِهِ، فَحَلَفَ النَّاسُ لِأَوْلَادِهِ، وَجَعَلَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ شَيْئًا مِنَ الْبِلَادِ مَعْلُومًا، وَجَعَلَ أَخَاهُ الْعَادِلَ وَصِيًّا عَلَى الْجَمِيعِ )).
وهنا نذكر تعليق المرجع الديني السيد الصرخي الحسني في المحاضرة 25 من بحث ( وقفات مع توحيد التيمية الجسمي الأسطوري ) على هذا المورد حيث قال…
((… مِلْك صِرفٌ واقطاعات خاصّة توزّع على الأبناء وغيرهم ويكون كلّ منهم ملكًا على ما مُنح له من بلاد!! فتقسّم البلاد الإسلاميّة إلى عشرات الدويلات والممالك الصغيرة كلّ يعمل على هواه!! – هذه أفحش من فدرالية المحافظات- وهذا كلّه حلال وشرع وإسلام وإمامة ووصيّة شرعيّة وحكم الله، وفقط وفقط وصيّة الرسول الأمين بالخلافة لعلي “عليه السلام” بِدعة يهودية وخارجة عن الشرع والإسلام، وكل من يقول بها فهو رافضيّ مجوسيّ يهوديّ خارج عن الملّة والإسلام مباح الدم والعرض والمال حسب شرع ابن تيمية وأتباعه دواعش هذا الزمان وكلّ زمان!! فيا تُرى هل ترك عُمَر لأولاده شيئًا من الحكم أو المال؟! وهل ترك أبو بكر لأولاده شيئًا من الحكم أو المال؟! فعلى أيّ سنّة ومنهج يسير هؤلاء المماليك ومن شرّع لهم ذلك؟!! …)).
فكما يذكر إبن الأثير فأن صلاح الدين قسم البلاد الإسلامية إلى دويلات وممالك على أبنائه فصار كل منهم ملكاً وحاكماً وما يجمعهم هو أخو صلاح الدين كوصي عليهم, وهذا الأمر أشبه بالكونفيدرالية, حكام وملوك على دويلات وممالك لكل واحدة حكم خاص وسيادة خاصة بها لكن ما يجمعهم هو الوصي يحركهم وفق اتفاق عام يجمعهم ولا يتدخل في طبيعة حكمهم, ولم يكن نظام حكمهم فيدرالياً لو كان كذلك لجعل أخيه هو الحكام وأبناء صلاح الدين قادة أو وكلاء أو ممثلين عنه في البلاد لكنهم أسسوا لكونفيدرالية كانت أبشع وأقبح من الفيدرالية جرت البلاد والعباد إلى الظلم والحيف والمعاناة وكانت سبباً في سقوط الدولة الإسلامية وتهاوي أركانها.
المحاضرة الخامسة والعشرون “وَقَفات مع تَوْحيد التَيْمِيّة الجِسْمي الأسطوري”
https://www.youtube.com/watch?v=bBxfI-nE7DU