23 ديسمبر، 2024 1:21 ص

كوفيد 19: هكذا عشناه وعايشناه

كوفيد 19: هكذا عشناه وعايشناه

اختلف عيد الفطر المبارك هذا العام (2020) عن بقية أعياد السنوات السابقة، ليس كونه جاء وسط اختلاف بين رؤية هلال أول شوال فحسب، فمنهم من ذهب إلى الإفطار يوم السبت ومنهم من أفطر يوم الأحد، لكنه تميز لأنه جاء في زمن الكورونا الذي تسبب بتعطيل جميع مرافق الحياة وإغلاق دور العبادة وتعطيل الصلوات ومنها صلاة العيد، وفرض حظر التجوال الذي لم يمنع العوائل من تبادل الزيارات وتقديم التهاني والأفراح بمناسبة عيد الفطر متناسين بذلك التباعد الاجتماعي وإننا نعيش بزمن يهددنا وحش كاسر يستغل أي فرصة للهجوم على أجسامنا من خلال الجهاز التنفسي.

اعتادت العوائل العراقية منذ عقود أن تبدأ التهاني ببيت الوالدين الذي يجمع الأولاد والأحفاد لتقديم التهنئة للوالدين -إن كانوا أحياء- أو إلى المقابر -إن كانوا أموات-، فما كان منا نحن كعائلة صغيرة إلا أن نتبادل الزيارات والتهاني كحال كل العوائل العراقية واجتمعنا عند بيت الوالد والوالدة -أطال الله بأعمارهم- وتناولنا من كليجة الوالدة التي صنعتها أيديها لساعات متأخرة من ليلة العيد، لتنطلق رحلة العيد بين الأحباب والأقارب والأصدقاء، فبين المصافحات وتبادل القبلات والتبسم بوجوه الأعمام وأولادهم وأحفادهم وشراب العصائر وتناول الحلويات، صار كوفيد 19 المستجد يسرح ويمرح وينتقل بصمت بين أجسامنا دون أن يشعر به أحدا منا، ولسان حاله يقول اضحكوا اليوم وتألموا غدا.

ماهي إلا أياما معدودة بعد انقضاء العيد، بدأت الأعراض تظهر شيئا فشيئا على جميع أحبابنا من أقربائنا الذين تبادلنا التهاني فيما سبق معهم، وكان الجميع متساوون بالأعراض لأن كوفيد 19 عادلا في إصابة الجميع لا يوجد عنده التفريق العنصري أو المذهبي أو العصبي القبلي، فبدأ ظهوره سريعا بأضعف جهاز مناعي عند كبار السن ليودي بهم طريحين في الفراش يعانون من الحمى وآلام الجسم، الأمر الذي جعلنا نظن أن هذا من فعل فيروسات استبراد الجسم أو التهاب اللوزتين بسبب اختلاف الجو نوعا ما، ولكن الأمور ساءت بعض الشيء، فما كان منا إلا أن نذهب بتحليل كبار السن لتكشف لنا التحاليل بأن اجسامنا مستقبلة للضيف الذي حل علينا يوم عيد الفطر المبارك (كوفيد 19) كإصابة مؤكدة عند الجميع دون استثناء بين الصغير والكبير.

ما يميز الضيف كوفيد المستجد أن قوة تأثيره اختلفت بين الفئات العمرية، فإنه رحيم على الأطفال دون سن العاشرة، فقد أصابهم بأعراض خفيفة أو متوسطة عند البعض لقوة جهازهم المناعي، فمنهم من تعرض إلى ألم خفيف في الرأس ومنهم من تعرض إلى مغص المعدة مائلا إلى القوة وإسهال في بعض الأوقات بالإضافة إلى ارتفاع حرارة الجسم التي تعتبر أول وسيلة دفاعية للجسم في حال تعرضه للفيروسات، وأنه عنيف على كبار السن لضعف جهازهم المناعي وضعف عاملهم النفسي أمام كورونا، والذي سبب الكثير من المشاكل داخل أجسامهم بالإضافة إلى أمراضهم المزمنة الموجودة مسبقا.

وصل الضيف كوفيد 19 المستجد إلى بيتنا فكان يجول بين غرف البيت ويتصفح وجوهنا من دون أن نراه ونشعر بوجوده بيننا فكان أول مسكنه بنت أخي الصغيرة التي سجلت ارتفاع حرارة جسمها 37.5 م وانتقالها إلى المستشفى وإجراء التحليلات اللازمة لها لتكشف لنا التحاليل بأنها مضيفة للكورونا، مما أثار مخاوفنا جميعا وبدأنا بالتفكير السلبي من جهة وخوفنا على كبار السن من جهة أخرى، فما كان من الضيف المستجد إلا أن استغل هذه الفرصة السانحة له بفتح أبواب أجسامنا أمامه لضعف أجهزتنا المناعية بفعل ضعف العامل النفسي بوقتها والدخول بسهولة دون شعورنا به فكان العامل النفسي اللاعب الرئيسي بيد كوفيد 19 مهددا الأشخاص في حال ضعفهم شانا هجومه الكاسح عليهم، فكنا نتعرض للحمى وألم الجسم واحدا بعد الآخر إلى أن وصل الحال إلى الحاج الوالد والحاجة الوالدة الذين قضيا عمريهما بين حرمان وحروب وحصار وصراعا مع الأمراض واستضافتهما لكوفيد 19 ليقضيا أياما في المستشفى متنقلين بين ردهاتها المخصصة للمصابين بكورونا والتي تفتقر إلى العناية الصحية الملائمة، فكانا يتألمان يوما ويتحسنا يوما بسبب عدم الإهتمام الواضح لما يعاني المريض من أمراض أخرى والتركيز على التشافي فقط من الكورونا مما سبب ضغوطا كبيرة على معدة المريض بكثرة الأدوية تارة وإهمال الأمراض المزمنة عند نفس المريض تارة أخرى، وبعد صراع دام أكثر من عشرة أيام وبفضل دعاء المؤمنين تحسنت حالتهما ولله الحمد ليكون بيتهم محجرا مرة أخرى لهما وفرض فترة نقاهة صحية ممنوع فيها الزيارة.

أنا وعائلتي لم نكن في معزل عن الضيف كوفيد 19 فقد كنا مضيفين له في بيتي بدأ بيننا من ابنتي الصغيرة وانتهى بجسمي ليكون بفضل الله تعالى خارجا من أجسامنا مذموما مدحورا بعد أسبوع من المرض والمعاناة ابتدأت بفقدان حاستي الشم والتذوق وانتهاء بالتهاب الحلق والبلعوم، فلم نكن مضيفين جيدين له ولأمثاله لإتباعي وعائلتي إجراءات الصحة والسلامة بتقوية الجهاز المناعي عبر الإكثار من السوائل والفيتامينات المساعدة على التخلص من الفيروسات التي تصيب الجسم.

خلال رحلة الكوفيد 19 المستجد ومعايشتنا له مررنا بظروف تعرفنا من خلالها على أشخاص لم نكن نتوقع منهم الخير، وكشفت لنا عن أشخاص كنا نظن منهم خيرا ولكن تبين عكس ذلك، بعدم وقوفهم معنا أو تعاملهم معنا وكأننا مصابون بأمراض مخلة بالشرف والحياء متناسين أن هذا الوباء عالمي ولا يسلم منه إلا النزر القليل، فكانت الكورونا بمثابة المنحة لا المحنة لأنها كشفت عن زيف النفاق الاجتماعي الذي كنا نعيشه مما جعلنا نعيد حساباتنا ونظرتنا تجاه الآخرين، فخلال فترة الحجر المنزلي لم يطرق باب بيتي أحد وكأن الفيروس موجود خلف الأبواب بمجرد فتحه يخرج عليهم مكشر عن أنيابه، بينما لو اتبعوا إجراءات السلامة بلبس الكمامة والكفوف وطرقوا الباب للاطمئنان على صحتي وحالي أكيد لن ينتقل إليهم الفيروس، فمنهم من كان لا يعلم أصلا بحالنا (وهو معذور)، ومنهم من اكتفى بالمكالمة الهاتفية بصورة تكاد تكون مخجلة وبعضهم لم يفعلها خشية الانتقال إليه عبر الأثير ومكالمته، ومنهم من اكتفى بالسؤال عن الحال عبر رسائل التواصل الاجتماعي من أجل التأكد من الخبر ليقوم بإجراء التحليل على نفسه.

ولكن بفضل الله تعالى هناك من الأصدقاء ما تباعدت المسافة بيننا كانوا أكثر تعاونا وأكثر حرصا علينا من الأصدقاء الذين ربما تفصل بيننا وبينهم بضعة أمتار الذين لطالما كنت وقفت معهم خلال محنتهم ومساعدتهم على كل الأصعدة, والمثير بالأمر أحد الأصدقاء نقلت له ولعائلته العدوى من دون علمي بإصابتي بالفيروس بادئ الأمر ورغم ما ألم به من مرض إلا أن وقوفه معي كان مشرفا كما هو عهده في السابق وكما أعتدت منه لمواقفه الكريمة على عائلتي، فما كان مني إلا أن أكن له كل الاحترام والتقدير.

فلأجل عدم تعرضكم لواقع مجتمعنا حاولوا أن لا تصابوا بالفيروس وضعوا الكمامة على أنوفكم والكفوف بأيديكم فإن الوقاية خير من العلاج، فالشكر أولا وآخرا لله تعالى وأهل بيته لشفائنا من مرض الكورونا، والشكر لجميع المؤمنين الذين شاركونا الدعاء للتخلص من هذا الوباء، والشكر لكل من وقف بجانبنا وقدم المساعدة للمرور بسلام والتخلص من الضيف كوفيد 19 المستجد والخروج من أجسامنا وبيوتنا غير مرغوبا به، سائلين الله عز وجل أن يعيننا على التخلص من هذا الوباء العالمي المدمر إنه سميع الدعاء..
………………………

اعلامي وكاتب مشارك
009647817238211
[email protected]