22 نوفمبر، 2024 2:03 م
Search
Close this search box.

كوفيد 19 .. تسونامي النظام العالمي الجديد

كوفيد 19 .. تسونامي النظام العالمي الجديد

من الطبيعي أن ترافق الأحداث و المحن على مستوى العالم ردود افعال تصدر من السياسيين و القادة و الخبراء و رجال الاعمال و الريادة و المشاهير في المجالات الاخرى . و مع تعاظم أعداد الاصابات الاجمالية في العالم بالفايروس المستجد كوفيد 19 ” كورونا ” بصورة عامة و في الولايات المتحدة الأميركية بصورة خاصة صدرت العديد من البيانات او التصريحات التي تعبر عن مواقف الشخصيات ذات التأثير كالساسة و المشاهير و غيرهم .
و في هذا الاطار برزت تصريحات فيلسوف السياسة الأميركية هينري كيسنجر ، وزير الخارجية الأميركي الأسبق في إدارتي الرئيسين السابقين نيكسون و فورد ، و الذي دق ناقوس الخطر محذرا من أن العالم ما قبل ” كورونا ” ليس كما بعده ، متوقعا حدوث اضطرابات سياسية و اقتصادية قد تستمر لأجيال بسبب الوباء ، ملمحًا إلى تفكك العقد الاجتماعي محليا و دوليا .
اليوم يتسابق مئات الملايين من البشر إلى فهم طبيعة فيروس كورونا و كيف و متى سيزول خطره ، لذا يجب أن نذهب إلى ما هو أبعد بمحاولة خلق تصور لما سيكون عليه شكل العالم سياسياً و اقتصادياً بعد الأزمة الحالية . كصعود الحركات القومية و الطارئ سيدوم و انتقال في ميزان القوى العالمي حيث يقول ستيفن والت ، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفرد إن الوباء سيدعم صعود الحركات القومية و يدعم سلطة الحكومات و قبضتها على مقاليد الأمور . و ستتبنى الحكومات بمختلف اتجاهاتها إجراءات طارئة في محاولة لاحتواء انتشار الفيروس ولن يتخلوا عن تلك السلطات بسهولة فور انتهاء الأزمة . كما سيؤدي الفيروس إلى سرعة انتقال ميزان القوى العالمية من الغرب إلى الشرق و إلى دول استطاعت تدارك الأزمة بشكل سريع نسبياً ككوريا الجنوبية و سنغافورة و الصين في وقت تباطأت فيه الحكومات الغربية الأوروبية و دخلت في طرق عشوائية لاحتواء الأزمة و هو ما سيؤدي في النهاية إلى زوال عصر سطوة العلامة التجارية الغربية .
فيما أكد عديد الخبراء الاوروبيين بان وباء كورونا سيكون سببا في نهاية العولمة بشكلها الحالي خاصة و أنه يأتي بعد توتر تجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية و الصين و مطالبات نشطاء البيئة بخفض انبعاثات الكربون و هو ما سيدفع الحكومات إلى إعادة النظر في الاعتماد على خطوط الإمداد بعيدة المدى . و ستدفع أزمة كورونا الحكومات و الشركات و المجتمعات إلى التكيف على فترات طويلة من الاكتفاء الداخلي و العزلة الاقتصادية .
يشير الخبراء أن العولمة ستنتقل من مركزها الحالي بالولايات المتحدة الأمريكية إلى الصين كمركز جديد لها . و هو تغيير بدأ بالفعل قبل ظهور الفيروس و ذلك بعد فقدان الأمريكيين الثقة بالعولمة في وقت إزدات فيه ثقة الصينيين بها . و ثبت الصينيون انفتاحهم الاقتصادي على العالم خلال السنوات الماضية و صارت لديهم الثقة بقدرتهم على المنافسة في أي بقعة من بقاع العالم .
البعض يؤكد إن الوباء سيؤدي إلى صعود القومية و السلطوية حتى بين أكثر الأنظمة ديمقراطية في العالم و لكنه سيكون صعوداً مؤقتاً مثل ما حدث خلال الثلاثينيات و الأربعينيات من القرن الماضي قبل أن تصل تلك الدول إلى الديمقراطيات الحقيقية التي سادت بها لعقود طويلة . أي أن ما سيحدث هو اكتشاف تلك الدول لدميقراطياتها الحقيقية عبر فترة انتقالية من السلطوية .
هذا الوباء قد يغير شكل العلاقات السياسية بين الدول و داخلها . و قد يزيد سطوة الحكومات و يقلل التحرر و لكن هذا لا يعني أن الشمولية ستسود فدول مثل كوريا الجنوبية و سنغافورة نجحت إلى حد بعيد في احتواء الأزمة و هي أنظمة ديمقراطية و ليست ديكتاتورية . لكن في جميع الأحوال ستتجه الدول إلى الانغلاق و الرغبة في التمحور داخلياً و سيؤدي هذا إلى عالم أفقر و أقل كرماً . سيؤدي الفيروس إلى خلق مرحلة جديدة من الرأسمالية العالمية ستخشى فيها الشركات و الحكومات من نظم التجارة الحالية العابرة للحدود و خاصة بعدما اظهر الفيروس أن هذا الانفتاح الكبير قد يجلب معه أمراضاً مميتة في غضون أيام و ساعات .
قد تسعى تلك الشركات و الحكومات بعد الخسائر التي تتكبدها حالياً و مستقبلاً بسبب الفيروس ، إلى الانطواء داخلياً و تتبع نهجا يقضي بالاعتماد على الإنتاج و التوزيع و الربح الداخلي كوسيلة أكثر أماناً من الانفتاح العالمي الهش . كيف سيكون شكل العالم ما بعد كورونا ، هل سنفيق في صبيحة أحد الأيام لنسمع إعلان الحكومة عن انتهاء الأزمة فيعود كل شيء إلى ما كان عليه . زحام في الأسواق و المولات و المراكز التجارية ، قعدات شيشة على المقاهي ، انفصال اجتماعي في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ، تلويث للكوكب و عدم اكتراث بالمستقبل . أم أن الأزمة ستترك بصماتها على حياتنا ، و تجعلنا نغير من نمط حياتنا ؟ جاء فيروس كورونا ليمنح كوكب الأرض استراحة محارب ، و يجعله يتنفس بعيدا عن ممارسات البشر ، جاء الفيروس ليمنح الأسر فرصة للتواصل و الجلوس معًا .

أحدث المقالات