ألقت جائحة (كورونا) بظلال وبائها القاتل على مجمل مرافق حياتنا اليومية لتحمل معها كوارث غير طبيعية شلت منظومة الحياة في عالمنا؛ بما لم يكن بالحسبان؛ لأنها وقعت بدون مؤشرات مسبقة ولم يتوقع أحد بمكان ولادتها و بؤرة تشكيها، فقبل إن يصطدم النظام الصحي والاجتماعي بها تعرض الاقتصاد العالمي لأسوء ركود اقتصادي منذ الكساد العظيم في عشرينيات القرن الماضي والأزمة الاقتصادية عام 2008، وربما تكون الأزمة المالية والاقتصادية الحالية والانكماش الذي يتعرض الاقتصاد العالمي هو الأكثر مأساوية في التاريخ الاقتصاد المعاصر .
وفي ظل هذه الأزمة الوبائية التي فرضت سلوكيات مجتمعية اتخذتها الدول والحكومات وبشكل غير مسبوقة، من حظر التجول.. ومنع التجمعات.. والتباعد الاجتماعي.. وتعليق الدوام في مختلف قطاعات التربية والتعليم.. والمعامل.. والشركات.. والاستعاضة بالعمل والتعليم عن بعد، وهذه الإجراءات الاضطرارية زادت من تفاقم.. وانكماش.. وانحسار الاقتصاد بصورة عامة؛ نتيجة اضطراب أسواق المال والتجارة مع بقاء انتشار (الجائحة) وعدم وجود لقاح؛ فما بالك باقتصاديات البلدان النامية والأسواق الصاعدة التي هي أساسا غير متمكنة لمواجهة الركود المالي والاقتصاد العالمي وهي تعتمد أساسا على السلع المصدرة؛ إضافة على ما تعانيه من ديون الشركات؛ وفي نفس الوقت تعاني من ضعف أنظمتها (الصحية)؛ إضافة إلى ضعف أسواق هذه البلدان .
كورونا.. توقف عجلة الاقتصاد العالمي
وهذه التداعيات التي أفرزتها جائحة (كورونا) حول العالم هزت بنية الاقتصاد العالمي؛ بعد إن تم إيقاف الإنتاج ولأجل غير مسمى في مختلف قطاعات الاقتصادية لمواجهة تداعيات (كورونا)، ليشهد الاقتصاد العالمي موجات ركود متعاقبة ضاعف من حدة الأزمة تباعا؛ لان المشكلة لا تتعلق فحسب بالأزمة المالية التي يمكن لدول معالجتها بضخ الأموال؛ لان المشكلة هي في توقف عجلة الاقتصاد العالمي من التحرك، فالمصانع والشركات بعد توقفها – اثر الجائحة – أخذت تعيد حساباتها المالية لتعويض عن الأضرار الناجمة نتيجة هذا التوقف لحركة الاقتصاد؛ والذي أدى إلى انحسار الإنتاج المحلي والذي بدوره أثرا تأثيرا سلبيا على دوام العمال؛ وكانت نتيجته فقدان وظائفهم؛ وبتالي فان تزايد عدد العاطلين عن العمل أتى نتيجة انهيار الاقتصاد العالمي نتيجة توقف العمل؛ وبتزايد وتفاقم هذه الأوضاع فان قطاع (الاستثمار) في عالم الأعمال والمال انحصر أو سينحصر– لا محال – بعد إن يتم إيقاف عمل الشركات الاستثمارية في هذه القطاعات؛ والتي بدورها ستتأثر في مجال خلق فرص التشغيلية؛ بعد إن تأخذ اغلب هذه القطاعات نحو (الاكتفاء) بما هو قائم مع تقليل الإنفاق ليكون قطاع (العمال) هم المتضررين الأكبر نتيجة تسريح العمال ونتيجة الكساد التي تشهدها كل القطاعات الاقتصادية وتوقف الإنسان من الاستهلاك والإنفاق بقدر المستطاع؛ بعد إن أصبح أسير (الإغلاق العام) الذي فرضته الدول، وهذا الأمر أدى إلى توقف الشركات الصناعية عن الإنتاج بشكل حاد واكتفوا بالبيع ما في مخازنها؛ رغم إن الدول العالم سارعت على صرف إعانات اجتماعية وضخ سيولة لدعم الشركات وليتم إنقاذها من الإفلاس بعد توقف الإنتاج؛ فقامت بسلسلة من الإجراءات الداعمة بتخفيض الضرائب لإحياء النمو الاقتصادي، ولكن هذه السيولة التي تتبناها الدول لا تستطيع الاستمرار إلى ما لا نهاية؛ وان مؤشرات زمن بقاء وتفشي (الجائحة) أخذ يطول؛ لذلك فان استمرار توقف الإنتاج يشكل تحديا لاقتصاديات الدول بكونها ليس لهم رؤية في كيفية تجاوزها؛ وهذا الأمر يقلق اغلب محللي وخبراء الاقتصاد؛ بان بوادر الأزمة الاقتصادية والمالية أخذت تطفح على السطح خلال مرحلة تفشي (الجائحة) نتيجة تكدس الإنتاج من ناحية ومن ناحية أخرى ضعف الطلب على السلع.. وتفاقم أزمة الديون العالمية.. و تراجع أسعار النفط.. وضخ عملات ورقية تتجاوز قيمتها الحقيقية إي بكونها بدون غطاء بالعملة الصعبة.. إضافة إلى الحرب التجارية القائمة بين (أمريكا) و(الصين).. إضافة على ما تتكبده المصانع والأسواق وشركات النقل والسفر من خسائر نتيجة الإغلاق الكبير التي تشهده دول العالم .
غياب الرؤية في معالجة الكساء الاقتصادي
الكساد الاقتصادي – كما قلنا – هو الأسوأ منذ الكساد الذي حدث في عشرينيات القرن الماضي و الكساد الذي حدث في 2008، نتيجة ما يحدث من ارتباك عظيم في مجمل عمليات الاقتصادية والتجارية وارتفاع نسبة البطالة، ومع توسع كثافة الضباب على الساحة الاقتصادية؛ الأمر الذي افرز ظاهرة مفادها عدم وجود رؤية واضحة في كيفية معالجة الكساد الاقتصادي؛ لان كل المؤشرات تأكد بالأوضاع السيئة للاقتصاد العالمي وخاصة في المرحلة المقبلة؛ بيقين خبراء الاقتصاد بأن التعافي سيكلف الكثير؛ لأنه لن يكون قريبا، لان الركود والانكماش الحاصل في الاقتصاد العالمي في هذه المرحلة من (الوباء) واسع.. وعميق، وان إجمالي الخسائر الإنتاج المحلي لدول الصناعية العملاقة – قبل غيرها – تقدر بعشرات تريليونات الدولارات؛ وهي مبالغ ضخمة وخطيرة في ظل استمرار الإغلاق الاقتصادي الوطني لأغلب دول العالم؛ بما يفرز كحاصل تحصيل بوجود ملايين العاطلين فقدوا أعمالهم و وظائفهم؛ وإمام هذه المشاهد لم يكن للحكومات سوى رسم سياسات (ترقعيه) لإنقاذ اقتصادياتها؛ لان – كما قلنا – بان التعافي لن يكون قريبا، ناهيك عما يحدث في هذه المرحلة الاقتصادية المرتبكة من خروج مؤوسسات صناعية وتجارية من الأسواق نتيجة الخسائر التي تتكبدها؛ وهناك من المؤوسسات ما زالت متأرجحة بين الخروج والبقاء باعتمادهم على ما تقدمة الحكومات من آليات دعم لإنقاذها في ظل ظروف الانكماش الواقع على المنظومة الاقتصادية – كواقع حال – ولهذا فان كل المساعي التي تجري على قدم وساق تحاول إنقاذ الموقف؛ وهذا الإنقاذ والتعافي لن يحدث إلا بتعاون دولي حقيقي ومن قبل حكومات الدول ودعم عجلة الإنتاج لتخلص من الركود والانكماش الذي بقاءه يعتبر بكل المقاييس الاقتصادية كارثة لا يمكن لدول العالم تحمل نتائجه السلبية إذ استمر الكساد والانكماش لفترة طويل .
علما بان الاقتصاد العالمي منذ 2008 كان يعاني من تراجع قبل ظهور جائحة (كورونا)، وحين تفشى وباء (كورونا) انتكس الاقتصاد؛ لأنه أساسا كان يعاني من مشاكل كثيرة ولم تتم معالجة تلك الأوضاع الاقتصادية آنذاك؛ لعدم وجود رؤية واضحة لا في تلك المرحلة ولا في هذه المرحلة الحرجة بشكل جذري نتيجة أخطاء سياسية، مما ترك الأمر لحدوث أزمات لاحقة في هذه المرحلة كواقع حال، لتشكل ظهور المفاجئ لجائحة (كورونا) محورا لتفاقم الأزمة الاقتصادية أكثر حدة، ليدب في مفاصل الاقتصاد العالمي حالة من تراجع وتدهور الأوضاع الاقتصادية بما داهمت مفاصلة من حالات التباطؤ.. والركود.. والتراجع.. والانكماش؛ ليصل الأمر لبعض الشركات العملاقة إلى الإغلاق وإعلان إفلاسها الكامل؛ بما أعقبة من انخفاض حاد في الإنتاج المحلي لأغلب دول العالم؛ وسبب إلى فقدان ملايين العمال وظائفهم وفقدان دخولهم؛ بعد إن أفلست الكثير من الشركات وخاصة في القطاع الخاص؛ وهو الأمر الذي ساهم من تفاقم أزمة (الديون) وتعثر عن السداد؛ مما رفع (الدين العام) إلى مستويات خطيرة بما جعل غير قابلة للاستدامة؛ وهذا ما أدى إلى انكماش الأسعار وكساد الاقتصادي بشكل مرعب، وما زاد الطين بله انخفاض حاد في أسعار النفط؛ ما رفع قيمة الديون نتيجة انكماش الأسعار؛ الأمر الذي يتحتم إلى إعلان الإفلاس العام بعد إعلان العجز المالي الضخم .
الأزمة الاقتصادية ستمهد لحرب باردة بين دول العالم
وعلى كل ما يترتب عن هذه المشاكل – التي ذكرناها آنفا – فان الأزمة الاقتصادية العالمية ستستمر حتى ما بعد (كورونا) عبر فرض مزيد من قيود صارمة؛ ليس فحسب على حركة السلع والخدمات بل ستشمل على بنية رأس المال.. والعمالة.. والتكنولوجيا.. إضافة على ما ستقوم الحكومات بفرض قيود حماية على الصادرات؛ وهو الأمر الذي يذكي النزعة الشعوبية في مفاصل اغلب دول العالم، الأمر الذي سيعرض الكثير من أفراد الطبقات الوسطى والمعدومة – وخاصة بأمور تتعلق بالهجرة والتجارة – إلى مخاطر عنصرية متأثرين بالخطاب الشعوبي، بعد إن تكون اغلب قطاعات التكنولوجيا في (أمريكا) تحديدا؛ مرتبطة ارتباطا وثيقا مع إستراتيجية (الأمن القومي الصناعي)، وهذا ما سيمهد الطريق بين (أمريكا) ومنافسيها لحرب باردة، و(الدول المنافسة) هي بدورها ستسعى إلى تكوين تكتلات بعيدا عن الهيمنة (الأمريكية) ووصياها على العالم؛ وهو أمر متوقع ما بعد (كورونا)، كما تسعى (الصين) ومجموعة (بريكس) – وهي دول متكون البرازيل.. روسيا.. الهند.. الصين.. جنوب أفريقيا – ودول (الاتحاد الأوربي) الذي هو معرض إلى الانفكاك – ولكن ليس في هذه المرحلة – رغم إن الكثير من بوادر الانفصال أخذت تظهر على السطح؛ وهذا يعني بان دول (الاتحاد الأوربي) تتجه نحو (الانكفاء) على الذات بعيدا عن (أمريكا)، وابرز ما سينتج عن هذا (الابتعاد الاستراتيجي) هو تفعيل نظام مالي متعدد العملة بعيدا عن (الدولار) كعملة للمدفوعات في ساحة الاقتصاد العالمي؛ بعد إن تكون هذه الخطوات مؤشرات ضد (الليبرالية) و(النيوليبرالية) المسيطرة على حركة الاقتصاد، ولهذا فان حكومات الدول ستفرض نفسها وستتدخل بكل شاردة و وارده لحماية مصالح مجتمعاتها وستبدأ ابتداء بقطاعات المال.. والتجارة.. والصناعة.. والصحة.. والتعليم.. والثقافة.. والمعلومات التكنولوجية، إضافة إلى تدخل الحكومات في معالجة تفاقم الدين العام والديون المرتبطة بتوقف الإنتاج والمصانع وأزمة البطالة والسعي إلى توفير الأمن الغذائي والدوائي بتنشيط حركة الزراعة والثروة الحيوانية؛ بعد إن أكدت اغلب التقارير الدولية بأن بعد الانتهاء من أزمة (كورونا) سيكون اغلب سكان العالم تحت خط الفقر؛ بعد إن تعرض الاقتصاد لأغلب دول العالم إلى الانكماش؛ ما سبب انخفاض دخلهم القومي.. وتفاقم الديون العامة والخاصة.. وارتفاع مستويات البطالة.. والتضخم .
ولهذا فان كل مؤشرات الاقتصادية في العالم تؤكد بان خروج من الأزمة الوبائية لـ(كورونا) لن تكون الأوضاع الاقتصادية العالمية كما كانت قبلها؛ نتيجة ما سيشهده العالم من تغيير جذري في مراكز القوي العالمية وفي الشكل النظام الاقتصاد العالمي؛ رغم ن كل محللي الاقتصاد يؤكدون بأن التغيير الذي سيحدث في المنظومة الدولية والاقتصادية سيكون تدريجيا .
الكساد الاقتصادي سيحدث تغييرات جوهرية في المنظومة الدولية
نعم إن (التغيير) الذي سيحدث في المنظومة الدولية والاقتصادية سيكون تدريجيا ما بعد (كورونا)، فـ(العولمة) ستأخذ (أفلها) بشكل تدريجي؛ وان وجود (القطب الواحد) الذي يتحكم بالعالم والمتمثل اليوم بالقطب (الأمريكي) هو الأخر سيأخذ (أفله تدريجيا) بالضعف.. والزوال؛ بعد إن تتورط (أمريكا) بصراعات وحروب هنا وهناك، وهو ما سيؤدي باقتصادها إلى مزيد من تدهور؛ وبعد حقبة ليست بالطويلة وبما يشهد اقتصادها من انتكاسات وتدهور أوضاعها الداخلية؛ ستتعلم الكثير من الدروس؛ بان تعيد تصوراتها (الاقتصادية) السابقة بعد إن اعتمدت على رخص الأيدي العاملة في (الصين)؛ وقد تمخض عن ذلك نتائج عكسية عكس سلبا على اقتصادها ومركز إنتاجها؛ الذي بات أسير تغيرات في (الصين) سواء على الصعيد المالي أو الاقتصادي، لذلك ستفكر بإيجاد بدائل عن رخص الأيدي العاملة بدلا عن (الصين)، ستركز على (الهند) و(اندونيسيا) و(مكسيك) و(برازيل) على – سبيل المثال وليس الحصر – لان في العالم هناك دول فيها استقرار أكثر من (الصين) التي تخضع لسياسات شمولية لـ(الحزب الشيوعي الصيني) وأيدي العاملة فيها ارخص وغير خاضعة لسياسات حزبية شمولية .
ومع عدم اليقين بحجم الانتكاسات الذي سيخلفه تدهور الاقتصاد العالمي نتيجة عدم إمكانية احتواء جائحة (كورونا) واستمرارها إلى مدى غير معلوم؛ الأمر الذي سيفاقم من انهيار الاقتصاد العالمي.. والأوضاع المالية وعروضه العالمية؛ نتيجة انخفاض حاد في إجمالي الإنتاج المحلي العالمي بإضعاف هذه المرحلة الذي يؤشر إليه الاقتصاديين بكونه بحدود (ثلاثة في المائة) لينخفض إلى حدود ادني من (ثمانية بالمائة) في عام 2021 .
ومن هنا يجب إعادة النظر في سياسات الدول الصناعية.. والصحية وبالسرعة الممكنة؛ أي إن تواكب الإجراءات (الصحية) اللازمة لمكافحة وباء (كورونا) مع استئناف الأنشطة الاقتصادية.. وتحفيز شركات القطاع العام والخاص؛ ليتم عودتها إلى الانتعاش بعد زوال جائحة (كورونا)، لذلك تتطلب هذه المرحلة إتباع سياسات استثنائية على صعيد السياسة المالية و النقدية والتخفيف الضريبي وتسهيلات السيولة وضمانات الائتمان وإمهال المدينين وتأمينات البطالة في هذه المرحلة من تفشي وباء (كورونا) وتدهور الأوضاع الاقتصادي .
كما إن تأثيرات الوبائية لـ(كورونا) على الاقتصاد العالمي؛ وبكل ما ستقوم الدول من إجراءات استثنائية لتعافي الاقتصاد؛ غير أنهم لن يتمكنوا من إعادة الاقتصاد (النيوليبرالي) و(منظومة العولمة) إلى ما كانت قبل (الجائحة)، لان إبعاد (الجائحة) وتبعاتها ستظل تلاحق مجتمعات البشرية لفترة طويلة من حيث إمكانية تطوير جينات الفيروس بشكل متجدد، الأمر الذي سيجعل (التباعد الاجتماعي) قائم باستمرار بين المجتمعات البشرية، ولهذا فان أنشطة الحياة ستتأرجح بين الصعود والهبوط إلى اجل غير مسمى؛ وهو الأمر الذي سيزيد من حالات التوحش واغتراب الإنسان؛ الذي سيؤثر على الخدمات الاجتماعية والذي بدوره سيؤثر في طبيعة النظام (الرأسمالي) ونظامها (الليبرالي) و(النيوليبرالي) و(العولمة) التي ستواجه معوقات جمة في استمرارها كما كانت قبل (الجائحة)؛ إن لم نقل بان اتجاهاتها ستكون نحو (الآفل)، بكونها نظم غير قابلة للاستمرار مع معطيات التغيير الحاصل في تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية ومؤسسات (الصحية) وفي بنية المجتمعات البشرية التي انهارت معنوياتها اثر تفشي (الجائحة) بهذا الشكل المرعب؛ الذي اليوم تجاوز عدد المصابين عن (ثلاثين مليون إنسان) وما زال العدد نحو التصاعد.
إن أفل (النيوليبرالية) سيأتي – لا محال – نتيجة تخلى الدول عن القطاعات الإنتاجية بعد إن تكون عاجزة على إدارة مصالحها وإيجاد فرص متوازنة في الإنتاج من اجل الاستهلال الداخلي والتجارة الخارجية وأسواقها والتي ستلجأ إلى الأول مجبره وليست مخيرة، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تراكم ديونها ويعرض ميزانية الدولة إلى عجز؛ لدرجة التي لا تستطع الدولة تامين دخل الطبقات المعدومة والطبقات الوسطى؛ وهذا ما يؤدي بالدول لإفلاسها، ولهذا فان النظام (النيوليبرالية) بكل ما جاء بثورة المعرفة والتقنيات التي استغل ثروة الإنسان لمصالح أنية والتي جلها جاءت على حساب مستقبل الأجيال القادمة، سيأخذ طريقه نحو الزوال .
الركود الاقتصادي سيؤدي إلى توسيع رقعة الاضطرابات المجتمعية في كل دول العالم
نعم إن الجائحة الوبائية لـ(كورونا) خلقت جوا من اضطرابات انتكاسية على المؤسسات الاقتصادية والصحية لأكثر من 180 دولة في العالم، بعد إن لم تستطع المؤوسسات (الصحية) لغالبية الدول العالم مواكبة تطورات (الجائحة) لضعف بنيتها المالية والدوائية لدعم احتياجات المرحلة؛ ليدخل الاقتصاد العالمي كنتيجة هذا الضعف من أداء مؤوسسات (الصحية) مرحلة من الانهيار.. والانكماش.. والركود.. في اغلب اقتصاديات الدول المتقدمة والدول النامية؛ نظرا لارتفاع مستويات البطالة.. وإغلاق المصانع.. وانحصار مستويات التصدير والاستيراد.. وارتفاع معدلات المديونية.. وتباطؤ النمو؛ الذي أدى إلى انخفاض دخل الأسر بعد تسريح عدد هائل من العمال والموظفين نتيجة تدهور أوضاعهم الصحية لعموم المجتمعات؛ وهو ما أدى إلى انخفاض معدلات التدفق النقدي بعد انحسار الطلب على المنتجات وإعلان الكثير من المؤوسسات والشركات الصناعية والتجارية إفلاسها في وقت الذي لا يلوح في الأفق أفاق التعافي ولو جزئيا وعلى المدى القريب؛ مما سيضيف أعباء إضافية على الركود الذي يشهده الاقتصاد العالمي نتيجة لعدم تدفق رؤوس الأموال.. وتراجع واضطراب الأسواق العالمية.. وانهيار أسواق العملات.. ومستويات الائتمان.. وانهيار الأسهم.. وسوق البورصة؛ مما يخلف تبعات ثقيلة على اقتصاديات اغلب دول العالم وشعوبها؛ وكل ذلك أتي نتيجة خلل في مواجهة (كورونا) على النطاق العالمي؛ والذي أدى إلى هذا الركود الذي يشهده الاقتصاد العالمي؛ والذي – لا محال – ستكون أضراره بالغة الخطورة في تأكل رأس المال والاستثمار سواء على مستوى الشركات ألعامة أو الخاصة أو على مستوى الإفراد وعلى المدى الطويل؛ والتي كحاصل تحصيل ستتضرر كل الدوائر التجارة العالمية – توريدا وتصديرا – إن لم تنسحب من الأسواق نهائيا؛ فما بالك بانهيار أسواق (النفط) وتدني أسعاره نتيجة انخفاض الطلب والاستهلاك له مع توسيع نطاق (الإغلاق العام) التي تفرضها الحكومات نتيجة ارتفاع معدل الإصابات بفيروس (كورونا) في كل أنحاء العالم مع ارتباك في منظومة الوقائية وإجراء إصلاحات المالية والاقتصادية في هذه المرحلة؛ لان حيز الأنفاق على المنشآت (الصحية) ما زال غير ميسورا؛ والإنفاق عليها مازال يعاني معرقلات لا حصر لها، وما لم ترسم دول العالم سياسات اقتصادية وصحية سليمة وعلى المدى القصير والبعيد وعبر تنظيم لوائح العمل وترشيد للإعمال ووفق تدابير حكومية صارمة على كل مستويات الاقتصادية.. والصحية.. والتعليمة.. والثقافية، وما لم تعي الدول مخاطر المرحلة فان الأوضاع العامة ستتدهور سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي بما ستلاقي الكثير من الشركات انتكاساتها وبما يوسع دائرة (الفقر) في المجتمعات مع بقاء واستمرار القيود المفروضة على حركة المواطنين؛ الأمر الذي سيؤدي إلى توسيع رقعة (الاضطرابات المجتمعية) في كل دول العالم وستكون أثارها عابرة للحدود – كواقع حال – وستكون حادة وقاسية ومرعبة ليس على النظم السياسية فحسب؛ بل على مستوى الإنتاج الاقتصاد وأسواق المال بما يؤدي إلى الإفلاس العام وعلى نطاق العالم اجمع .