عندما سقط الإتحاد السوفياتي تفاجأ العالم وإندهشت العقول وإضطربت الأقلام , وفي حينها كتبَ مفكرون من الطرفين وأكدوا بأنه ليس سقوطا وإنما إعادة ترتيب أوضاع , وتكهنوا بسقوط الأنظمة الراسمالية بعد حين , ولم يحددوا زمنا معينا , لكنهم كانوا يجزمون بأن سقوط الرأسمالية سيكون حتميا!!
ودارت الأيام ونهضت قوة تدين بالماركسية ومعها عدد من الدول الأخرى , وهيمنت بقدراتها الإقتصادية والتقنية وصار العالم تحت هيمنتها ويعتمد عليها.
وجاءت عاصفة كورونا المفاجئة , وإذا بتلك القوة تتمكن من السيطرة عليه والتفاعل الحازم معه وبقدرات غير مسبوقة , فحققت نجاحا في غضون بضعة أشهر.
وما أن ضرب الدول الرأسمالية , حتى تخبطت وترنحت وتحيّرت , فمنها من يستغيث وأكثرها أعلن الحجر الصحي ومنع التجوال , لكن إقتصادها أصيب بمقتل , وقدراتها على إدامة الحجر الصحي ضعيفة , لأن المواطن يعتمد على نفسه , ولا قدرة للدولة على إعالته في حالة فقدانه لعمله.
بينما الدول الماركسية أو الإشتراكية لديها قدرات وبرامج وأساليب لإعالة المواطنين والإستغناء عن عملهم لفترة.
وفي هذا الخضم المتأجج ظهرت مقالات تعلن أفول الرأسمالية والديمقراطية , وترجح نجاح الإشتراكية وصوابية الأفكار الماركسية , وأن ما جاء به ماركس كان مصيبا في رؤيته الإقتصادية وعلاقة ذلك بنظام الدولة والحكم.
وعندما تعود إلى كرباتشوف وما إتخذه من قرارات يتبين أنه كان يرى ما لا تراه أجيال من بعده , وأنه ربما كان مستوعبا للنظرية الماركسية أكثر من أقرانه , ورؤيته إتسمت بعزيمة ونكران ذات وجرأة غير مسبوقة في التأريخ.
فعلى أي الرؤى إستند في قراراته؟!!
واليوم يرى البعض أن الأنظمة الرأسمالية قد أصبحت تأريخا , وأن لا بد من نظام جديد متوافق مع معطيات العصر العولمي , وهذا سيحتاج إلى وقت لكي يتكوّن ويرسي قواعده ومعالم سبله.
فهجمة كورونا عرّت الأنظمة وابانت هشاشة الرأسمالية , ووضعت العالم الراسمالي أمام مرآة ذاته وموضوعه , وعليه أن يقرر ويختار ويمضي على سكة أخرى , لكي يتمكن من التواصل في القرن الحادي والعشرين.
“فقد هدّ قِدْما عرش بلقيس هدهدٌ
وخرّبَ فأرٌ , قبل ذا , سدّ مأرب”!!