19 ديسمبر، 2024 3:07 ص

كوبلر بين القول والعمل

كوبلر بين القول والعمل

لا يكل الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق (يونامي) مارتن كوبلر ولا يمل من إطلاق التصريحات والمواقف عند كل تطور أو منعطف، صغيرا كان أم كبيرا، تشهده الساحة السياسية العراقية. ويبدو كوبلر من خلال مواقفه وتصريحاته مولعا بالإطناب في الحديث عن ضرورة تطبيق مبادئ عامة لا تستوي الحياة السياسية السليمة في عصرنا الحاضر بدونها من قبيل الشفافية والالتزام بالقانون والمساءلة القانونية، وهو لا يكف من خلال ما يدلي به عن ممارسة “الأستذة” على العراقيين، مسؤولين وعامة الناس معا، حول ضرورة الالتزام بتلك المبادئ لكي يغدو العراق دولة ديمقراطية حقيقية. وجاء أحد آخر هذه المواقف في سياق بيان أصدرته البعثة بتاريخ 31 تشرين الأول ورحب فيه كوبلر بإعلان الحكومة العراقية الثلاثاء الماضي عن تحديد العشرين من شهر نيسان المقبل موعدا لإجراء انتخابات مجالس المحافظات المقبلة. ونقل البيان، الذي أشار إلى دعم المنظمة الدولية لسبع عمليات انتخابية في العراق منذ عام 2004 لحد الآن، عن كوبلر تعهده باستمرار يونامي بتقديم الدعم للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات ومجلس مفوضيها في إجراء الانتخابات المقبلة.
وحديث كوبلر عن استعداد يونامي لدعم انتخابات مجالس المحافظات المقبلة يعيد إلى الأذهان مشاهد قاتمة وغير مطمئنة من الدور الذي لعبته المنظمة الدولية في إجراء العمليات الانتخابية في العراق بعد سقوط الديكتاتورية وصنمها، وخصوصا دورها وتدخلها السلبي في انتخابات عام 2010 حيث واجهت البعثة اتهامات بالمشاركة في التلاعب بنتائج الانتخابات ما حدا بالعضو السابق في مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات حمدية الحسيني إلى الامتناع عن حضور المؤتمر الصحافي الذي عقد بتاريخ 26 آذار 2010 للإعلان عن نتائج تلك الانتخابات.
صحيح أنه ليس من الانصاف تحميل كوبلر جريرة ما اقترفته يونامي ومسؤولوها في انتخابات عام 2010 من خطايا وانحياز واضح ضد ائتلاف دولة القانون في انتخابات عام 2010 حيث أنه لم يكن حينها قد تولى مهام منصبه في العراق. ولكن ذلك لا يعفيه من مسؤولية العمل الجدي والدؤوب على تجنيب يونامي من الوقوع في نفس تلك المطبات في العمليات الانتخابية المقبلة. المؤشرات لحد الآن لا تبشر بالخير في هذا المجال. فلقد تحدثت مصادر برلمانية في شهر حزيران الفائت، أي أثناء تولي كوبلر لمهام منصبه، عن تدخل أحد موظفي يونامي في عملية تصفية المتقدمين الثمانية آلاف لعضوية مفوضية الانتخابات أثناء اختيار المفوضين. ورغم إصدار يونامي في حينه بيانا تنفي فيه أن يكون الموظف لديها قد تدخل في عملية تصفية المتقدمين، فإن مصادر برلمانية كانت قد أكدت أن الموظف الأممي مارس بالفعل دورا مؤثرا في غربلة واختيار المرشحين ولم يكتف بالدور المرسوم له والمتمثل بإسداء النصح والمشورة.
وبغض النظر عن صحة ما أوردته المصادر البرلمانية من تأكيدات عن دور مزعوم لهذا الموظف من عدمها فإن ما يبعث على القلق من إمكانية تحيز يونامي في الانتخابات المقبلة لمجالس المحافظات هو أن كوبلر لا يزال يحيط نفسه بنفس الفريق الذي عمل مع سلفه آد ملكرت إبان انتخابات عام 2010. وكانت صحيفة الطيف الإلكترونية قد كشفت أن ثلاثة فلسطينيين يعملون في مكتب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في بغداد يشكلون جماعة ضغط تؤثر في تشكيل وصياغة مواقف مَن يتبوأ منصب الممثل الخاص من خلال ما تمده به من نصائح وإرشادات وتقييمات وتقارير تعكس خلفيتها وانحيازاتها للنظام السابق وضد العراق الجديد ومناوئة لمصالح غالبية أبناء الشعب العراقي. وقد أثارت مواقف هؤلاء غضب الدكتور عبدالقادر البريفكاني ما دفعه إلى الاستقالة من عمله في يونامي احتجاجا على انحيازهم الصارخ ضد الكرد ومحاولاتهم التأثير على مواقف المنظمة الدولية لاتخاذ مواقف لا تأخذ مصالح الكرد بنظر الاعتبار. ويبدو أن هؤلاء الفلسطينيين الثلاثة، وهم محمد النجار وسفيان مسلم ومروان علي، قد استنسخوا، وإن يكن على نحو مصغر، في مكتب الممثل الخاص للأمين العام تجربة السلطة الفلسطينية بكل ما فيها من مساوئ وفساد ومحسوبية وفئوية وحنين إلى زمن البعث المقبور، مع احترامنا وتعاطفنا الكامل مع تضحيات ومعاناة ونضال الشعب الفلسطيني الشقيق على مدى سنوات من القهر والاحتلال قل فيها الناصر والمعين وكثر فيها الخاذلون والمتخاذلون من بين الأشقاء. ولذا تساورنا الشكوك بأن دور يونامي لن يستقيم أو يكون حياديا ومهنيا بصورة كاملة في العملية الانتخابية المقبلة في العراق ما دام رئيسها يسترشد في مواقفه بآراء تصدر عن نفس الأشخاص والأهواء التي أحاطت بسلفه. نقولها لكوبلر بالفم الملآن بأن قناعتنا هي أنه لا يمكن لمن اختزن في قلبه هوى أو حنينا لحكم البعث، مثل النجار وسفيان ومروان، ولا من عمل في أجهزة وأقبية مخابرات محمد دحلان، أن يكون محايدا وبعيدا عن التحيز في مواقف تمس مستقبل ومصالح ضحايا النظام السابق.
المطلوب من كوبلر التأسيس لبداية مرحلة جديدة في تعاطي البعثة مع قضايا الانتخابات في العراق بعيدا عن تجربة يونامي في المرات السابقة بكل ما شابها من أخطاء وانعدام للمهنية وتجرد عن الحياد وفساد وأهواء. من دون هذه الوقفة الحقيقية فإن يونامي ستظل مطية لأجندات خاصة ضد شرائح معينة من الشعب العراقي بحيث لن يعدو كلامه عن مبادئ الحياد والحياة الديمقراطية السليمة عن كونه كلاما مكررا ممجوجا لا يسمن ولا يغني من جوع، أو جعجعة كالرحى تطحن قرونا.

لقد فشل أد ملكرت بل أساء لعلاقة الامم المتحدة بالحكومة العراقية بسبب طاقمه المنحاز ضد العراق. فهل يسير كوبلر على نفس الطريق وعندها سيفاقم علاقة الامتحدة السيئة أصلا بالعراق؟ أم سيغير طاقمه كي يبدأ بداية جيدة وينال ثقة الأطراف العراقية المختلفة؟‬‬

أحدث المقالات

أحدث المقالات