” يظل الرجل طفلاً, حتى تموت امه, فإذا ماتت, شاخ فجأة ”
ادولف هتلر
الليل.. لا اظن إني عرفتُ معنى هذه المفردة غير اليوم, او بالأحرى الان في ساعات افول الليل هذه. فالليل في بلادي صَخبٌ ومُضاءُ بضياءِ القمر والنجوم ومصابيح البيوت البسيطة, اما هنا – في المدن الانكليزية – فالليل مختلف تماماً, فلا مصابيح ولا صخب, إنهُ اهدئ مما ينبغي, وكأنه يشبه وبالضبط القصص التي اعتدنا سماعها في الصغر التي تتحدث عن الليل وكأنهُ شبح اسود..فَنخافهُ!
إستيقظتُ فجر اليوم, وانا اشعر بألم الحنين الى الام, وتذكرتُ قصيدة نزار التي يتحدث فيها عن حنينهِ لأمه عند المقطع الذي يقول:
أيا أمي..
أنا الولد الذي أبحر
ولا زالت بخاطرهِ تعيش عروسة السكر
فكيف.. فكيف يا أمي غدوت أباً..
ولم أكبر؟
برأيي.. الامُ والليلُ مستقيمان متوازيان لا يفترقا مهما ابتعدا!
فالليل بلا أُم مخيف, مرعب, متوحش..
خاصة اذا كان الليل في المدن الانكليزية التي تنام ليلاً وكإنها تخلو من الحياة, او انها تشبه صمت الموت وهدوئه, فلا مصابيع مشتعلة تعلو البيوت لتضيء الشوارع العريضة المجملة بزهور الارصفة, ان السبب لاطفاء الضوء هو التقتير او التوفير كما يسمونه ليحافظوا على ميزانية دخلهم الذي تسرقه فواتير الكهرباء, بينما في بلداننا فالامر اكرم مما نظنه, انه يشبه والى حد كبير.. كرم العرب.
لو عدتُ بالذاكرة الى ايام بغداد التي لم افارقها سوى منذ اربعة ايام وساعات من الدهر, لوجدتُ ان الليل العراقي يشبهُ امي التي لا تنام.
هي ليست لا تنام بطراً, وانما اضطراراً! فالمعيشةِ ترغمها على ان تسهر, حتى بعد بلوغنا سن الرشد, حيث بلوغ امكانياتنا العقلية والجسدية لتوفير ما نحتاجه من متطلبات الحياة السهلة, لكن هناك شيء لا نستطيع – نحن الابناء – توفيره, ولا نستطيع معرفته الا اذا توفر المكان والزمان المناسبين, فلا نبلغ مقصده الا في الغربةِ واثناء وقت الليل فقط.
الشيء اللطيف هنا – في المدن الانكليزية – ان الناس يستيقظون مبكرون كأمي بالضبط, لكن الفرق بينهم وبين امي, انهم ينامون مبكراً ويستيقظون مبكراً وأمي لا تنام… انها تُطابق عنوان رواية (لا انام) لاحسان عبد القدوس وتستحق هذا العنوان بتفاصيلٍ مختلفة بين بطلة احسان وبطلتي..